الخميس، 17 نوفمبر 2022

الشّفق بقلم الكاتب رشدي الخميري/ جندوبة/تونس

 الشّفق

تضيء السّماء كلّ صباح بشفق أحمر يعلن بداية الحياة في المدينة، وبداية العزم على مواجهة ما كان من نقص بالأمس، أوتكريس ما كان ناجحا ليزيد الخير. وتنير الأرض شيئا فشيئا، فيستفيق النّاس على هديه ليغنّوا للحياة وليودّعوا نوما كان هنيّا وكان يغذّي أرواحنا وأجسادنا لنثب من جديد نحو المستقبل، سلاحنا في ذلك حبّ الحياة. ثمّ يسطّر كلّ وجهته إمّا نحو الشّفق أو في الاتّجاه المعاكس ليستقي قوتا أو خدمة أو لحنا..لا يهمّ إلى أين أو لماذا ستكون الوجهة، فكلّها طلب للحياة وفعل فيها، أمّا العودة من حيث انطلقنا فلن تكون صعبة، لأنّ الشّفق سوف يعود في المساء ليستقبلنا، ويدلّنا على الطّريق من جديد. وكأنّ تخطيطنا دون قصد منّا شمل نقطة الانطلاق ونقطة العودة استنادا إلى الشّفق ألّذي يفهم رغبتنا في أن يكون هو دليلنا. فأصبح بذلك جزء من حياتنا ومن تخطيطنا وبتنا حتّى مع وجود السّحب نعرف مكانه فننطلق منه لنعود إليه.
في ربوعنا، في عاداتنا، في طقوسنا، في معتقداتنا، مساء، صباحا، كان دائما دليلنا. إذ الشّفق هو بداية ظهور الألوان شيئا فشيئا حتّى نكتشفها كلّها. وهو أيضا إعلان لطلوع الشّمس الّتي ستكشف ما خبّأه اللّيل كما هو إعلان لغروب الشّمس لتهفت الألوان وتحتجب الحياة وراء الكواليس لتعيد ترتيب زينتها لدور جديد ستلعبه في الغد . مع ظهور الشّفق ننطلق في مشاريعنا ومخطّطاتنا ليومنا فنتفاجأ أنّ هناك من كان يسري ليلا ليعترض ظهور الحياة بمشاريع لا تمتّ لها بصلة. فالشّفق هو بداية الموت عندهم أو هي بداية حياة أرادوها بدون ألوان ولا روائح زكيّة فلا يستقيم لهم الأمر بظهور الشّفق صباحا، لذلك يكرهون كلّ ما ستأتي به الحياة الّتي اخترناها وبدايتها شفق نتواعد معه كلّ يوم ليعطي إشارة انطلاقنا نحو حياتنا وليست حياتهم. تقشعرّ أجسادهم لرؤية الألوان ورؤية الشّفق فهو تحيّة من السّماء لأولئك الّذين فوّضوه ليدلّهم على الطّريق ووثقوا فيه ليستأنسوا به فيعرفون ما الّذي سيفعلونه في يومهم الّذي سيبدأونه. يقف فلاّح أو تاجر اعتاد بيع سلعه في العراء أو تحت خيمة فيتوقّع من الشّفق أنّ اليوم ممطرا أو أنّ الطّقس سيكون جميلا ليحدّد وجهته أو فعله وهذا طبعا خلاصة تجارب خاضوها فصاروا يتوقّعون ماهيّة الطّقس لذلك اليوم فيحدّدون برنامج يومهم حسب تلك التّوقّعات.
رشدي الخميري/ جندوبة/تونس

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق