الثلاثاء، 15 نوفمبر 2022

حبل الوصال الحلقة 4 بقلم الكاتب رشدي الخميري/جندوبة/تونس

 حبل الوصال

الحلقة 4
عند ضفّتي النّهر، بقيت زينب تنتظر على أحرّ من الجمر نتيجة زيارة حبيبها إلى المدينة. كانت كمن ينتظر نتيجة امتحان مصيريّ، أو كمن تحت أقدامه نار لا تستطيع أقدامه أن تستقرّ فوقها. ومن حين لآخر كانت تدندن ببعض الأغاني أو تتمتم ببعض الدّعاء وهي تبعث بعينيها في تلك الجهة أو في أخرى علّها تلمح خبرا قادما من المدينة تلوح منه الفرحة أو لا قدّر الله الحزن.. فالأمر ليس هيّنا بالمرّة مع ما تعرفه زينب عن عائلتها و خاصّة أبيها. ولكي تهدأ زينب أو تهيّئ لنفسها أنّها هدأت ، تخلق لنفسها أيّ عمل يلهيها ويبعد عنها عذاب الانتظار الممزوج بالخوف ممّا قد يحدث لأحمد سواء كان ذلك من أفراد عائلتها أو من تلك المجموعة الّتي سلبت مسكنه في المدينة وهي تترصّده لتنتهي منه وتغلق ملفّه الّذي سبّب لها مشاكل لم تعد تحتملها. ثمّ راحت مرّة تجمع البيض من المدجنة وأخرى تتجوّل بين مزروعاتها ومغروساتها في منزل أقاربها، وقد تبتدع لنفسها عملا لم تبرمجه من قبل حتّى يشغلها ويخرجها من دائرة التّفكير فيما سيجلبه أحمد من المدينة. فقد تشعل نار الموقد وتضع فوقه إناء تملأه ماء ولا حاجة لها أصلا في ماء ساخن. وحين تفرغ زينب من كلّ ما شغلت به نفسها تعود لتقف أمام البيت مرّة ووراءه مرّة أخرى لتتقصّى الأخبار عن بعد فحياتها مع أحمد في كفّة وما دون ذلك في كفّة أخرى لكنّ الكفّة الأولى أثقل ميزانا وأزهى ألوانا. رغم ما لاقته زينب من تكبيل لحريّتها وغطرسة من طرف أهلها وهي واعية بذلك إلاّ أنّها تعلّمت منهم ما يحفظ كرامتها ويصون عرضها وتربّت على الشّرف واحترام المقامات وهذا الّذي جعلها تصرّ على موافقة أهلها في هذا الزّواج . ثمّ إنّ إقامتها قريبة من أحمد ورغم خلوّ المكان ورغم توفّر الفرص للتّنصّل من كلّ ما تربّت عليه لم يكن هناك بينهما ما يخلّ بأخلاق آمنت بها هي واحمد أيضا. وهي تنتظر عودة أحمد عادت بها الذّاكرة إلى ماضيها مع أهلها والمحيطين بها. فزينب لم تكن معزولة عن العالم. إذ أنّ لها جيران تتعامل معهم وصديقات تتبادل معهنّ الحكايات. تذكّرت أيضا خروجها إلى المدينة لقضاء شؤون المنزل وشؤونها وما كان يعترضها من مشاكسة بعض الشّباب لها وكيف أنّها أعجبت بالبعض ونفرت من آخرين وعندما تلتقي بصديقاتها كانت تحدّثهنّ عن مغامرتها تلك ويحدّثنها عن مغامراتهنّ. نعم مغامرات بالنّسبة لهنّ فبمجرّد أن ينتبه الأهل إلى أيّ تفاعل لفتاة مع شابّ فقد تقع كارثة و مساءلة...تذكّرت زينب أيضا أنّ كلّ مغامراتها باءت بالفشل ولكنّها ظلّت قائمة ولم تتزعزع لأنّها كانت دائما واثقة في أبناء تربتها الّذين تربّوا على ما تربّت عليه وأحمد اثبت لها ما آمنت به. كان الانتماء إلى أحمد صدفه، لم يكن له أو لها يد فيه ولكنّ هذا الانتماء عبارة عن هديّة أو جائزة تنالها لنجاحها في المحافظة على قيم تربّت عليها وهي مطالبة بتوريثها لأولادها وأحفادها حتّى يستمرّ الشّعور بالانتماء والأصل.
رشدي الخميري/جندوبة/تونس

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق