الجمعة، 12 فبراير 2021

خاطرة قرآنية(أَسْفَلَ سَافِلِينَ) تقديم الدكتور أحمد محمد شديفات/ الأردن

 بسم الله الرحمن الرحيم

خاطرة قرآنية(أَسْفَلَ سَافِلِينَ)
من الكلمات القرآنية التي يستعملها بعض العامة فلان سافل وأسفل السافلين أقل درجة منه،فإذا عدت إلى كلام العرب وجدت الأَسْفَلُ :- نَقَيضُ الأَعْلَى، وأسْفَلَ مَنْ سَفَلَ وأَسْفَلَ سَافِلٍ والجَمْعُ أَسافِلُ....
وسِفْلَةُ النَّاسِ:-
أسافِلُهُمْ وغَوْغَاؤُهُمْ وأَرَاذِلُهُم وسُقَّاطُهُم، ولا يصل الإنسان إلى درجة السَّفَالَةُ السفلى والنَّذَالَةُ الدنيا والخَسَاسَةُ والحَقَارَةُ والسَّفَاهَةُ إلا بإعراضه عن هدى الله ودينه....
كقوله تعالى :-
(وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا)
فهيئة خلق الإنسان بهذا القوام الحسن كما سبق في بداية كلام السورة وأمثالها يضع ويوضح الصورة المشرقة التي تميز بها هذا المخلوق البشري "الإنسان"،
قال الله تعالى:-(لَقَدْ خَلَقْنَا الإنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ)
( وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ)
( ثمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ)
هذه من أكبر نعم الله أن خلق الإنسان على أحسن تقويم أختارها له رب العالمين...
صورة وهيئة وهيبة وكرمه ونعمه على كل المخلوقات...
وسخر الكون كله لخدمته ونفعه ...
وأرسل اليه الأنبياء والمرسلين لهدايته وفق فطرته السوية وأخرجه من ضلالته،
ومع الأيام والسنين تتآكل بنيته هذه وتتعرى وتتغير ملامحه ويضعف جسده وبصره ويقل سمعه فيبدأ يعيش في خريف عمره فتتساقط أسنانه وينحسر شعره وتنهار قواه بشكل عام، وهذا مصير الإنسان المحتوم تدرج عجيب...
قال الله تعالى :-
{{ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً ۚ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ ۖ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ }}
يبدأ ضعيفا ثم يتدرج على سلم القوة يقوى ثم ينتهي به المطاف إلى ضعف شديد فيتراجع كل يوم فهذه حقيقة لا يختلف عليها أثنان،
بدأ حياته من الأعلى حتى وصل آخر مراحله الدنيا(ثُمَّ إِنَّكُم بَعْدَ ذَٰلِكَ لَمَيِّتُونَ)
فهذه ليست سفالة يؤاخذه الله عليها لأنه محكوم بها ولها وخارج إرادته ومرحلة من مراحل نهايته،
أما السفالة التي يؤاخذ عليها فهي التي بإرادته وقصده وإصراره وتصميمه وتنفيذه ،
فبدل أن يشكر الله على حسن صنيعه له ، فقد يستعمل هذه الخلقة فيما يخالف فطرته وقد دلنا على ذلك دعائه(صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : " اللَّهُمَّ كَمَا حَسَّنْتَ خَلْقِي فَحَسِّنْ خُلُقِي ) أي كما جعلت يا اللَّه خلقي مستقيماً معتدلاً في غاية الإحسان والإتقان, أسألك أن تُحسّن أخلاقي فتكون في غاية الحسن والجمال والكمال كهيئة كخلقي، فإن كان ذلك كذلك فهذا منتهى الهداية والتوفيق والاستقامة...
(كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا صَلَّى قَامَ حَتَّى تَفَطَّرَ رِجْلَاهُ قَالَتْ عَائِشَةُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ أَتَصْنَعُ هَذَا وَقَدْ غُفِرَ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ ؟
فَقَالَ( يَا عَائِشَةُ أَفَلَا أَكُونُ عَبْدًا شَكُورًا)
إذاً الشكر هو الثناء على جهة الإحسان وقد أمرنا الله بشكره(وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ) لماذا :-(وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا)
هذا شكر قليل وجُزْءٌ نَذِير على عطاء المنعم الجليل أن خلق الإنسان في أحسن تقويم،
أما أسفل السافلين المنكرين فقد قال عنهم رب العالمين(يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللّهِ ثُمَّ يُنكِرُونَهَا وَأَكْثَرُهُمُ الْكَافِرُونَ)
وبذلك استحقوا درجة السفلية والرذيلة والسفاهة في الدنيا والآخرة فأصبحت صفة ملازمة لهم. تقديم الدكتور أحمد محمد شديفات/ الأردن

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق