من كتابي (كتاب سلوى رحمها الله)
إلى الراحلة التي لم ترحل والغائبة التي لا تغيب ، إلى حبيبة عمري وجنّتي ، إلى زوجتي سلوى - رحمها الله - أهديها تلك الكلمات ، حين كنّا معا في آخر زيارة للطبيب ،وهو يخبرني بعدم ارتياحه للفحوصات الطبيّة التي أجراها :
*كنت أرجو أن تعلمي :*بقلم وألوان خالد سليمان
*********************************************************************
حبيبتي ،
آلاف المواقف كنت أرجو لو عرفت حقيقتها ،
فقد كنت أحتمل أشواك سوء ظنّك بي ، حتى لا أجرح إحساسك ،
وأصدمك بما لا يسعدك ، وأخفي الحقيقة المرّة التي تنتظرك ،
ليلتها كانت الأمطار تغرق الأماكن كلّها ، وضباب السماء يسافر منها إلى داخلي إلى قلبي ،
صار قلبي ينافس لندن عاصمة الضباب من كآبتي وحزني عليك .
ليلتها كنّا على موعد مع الطبيب ، وحين طلب بعض التحاليل الغريبة ؛ تعجّبت ،
ولم أسأله أمامك ، وتركتك تخرجين مع مساعدته لإجراء أشعّة معينة ،
وهنا اقتربت منه في شغف ، أيّها الطبيب صارحني ، لماذا طلبت هذا التحليل ؟
فقال : أخشى أن يكون الروماتيزم قد وصل إلى القلب ،
وفي هذه الحالة سنكون فقدنا كلّ وسيلة لعلاجها ، لكن رحمة الله واسعة ،
وبدأت أمطار قلبي تعصف بأوراق حياتي وأيّامي ،
ولولا كلمات أذان المغرب ؛ لرحت في نوبة بكاء عاتية ،
وبدأت أبحث عن مسجد صغير على بوّابة الدخول ،
توضّأت سريعا لأدرك آيات القرآن التي أدفأتني واحتوتني بحب ،
ساعتها أدركت أنني لست وحدي ، فتقويّت .
ولما صعدتُ إلى الطابق الثالث استندت إلى أقرب نافذة ؛
لأرى السماء تبكي معي ، ودموعها تسافر في كلّ اتّجاه ،
وعندها تذكّرت كلمات الطبيب ؛ فانفجرت باكيا ؛ لتنافس دموعي دموع السماء ،
وخشيت ساعتها أن تخرجي ، وتلاحظي دموعي ،
وهنا حاولت أن أهدّئ من نفسي ، وأنا أدعو الله : اللهم لا تفجعني فيها يا رب ،
اللهم الطف بها ،
اللهمّ خفّف عنها .
وكان هذا الدعاء سجّادة طويلة يحبو عليها قلبي ، كلما خطوت خطوة ؛
هدأت نفسي ، لا أنسى وقتها ، أنامل رحيمة حانية من شيخ وقور ربتت على كتفي هامسا :
ربّنا أرحم الراحمين يا بنيّ ، والشفاء من عنده وحده ؛ فلا تيأس .
هدأت روحي قليلا ؛ لتخرجي أنت ، وبدأت أواري وجهي عنك ،
وبدأت أبحث عن آلاف المبررات لبكائي ودموعي ،
ويبدو أنني وجدت عذرا مناسبا ، وأنت تسألينني بشغف عجيب : ما بك ؟
فقلت : أبدا ، انظري إلى هذه السيّدة التي تجلس أمامنا ، ألا تراها تشبه والدتي - رحمها الله - ؟؟
ولما نظرتِ ؛ كان ردّك صادما حين قلتِ :
لا شبه بينها وبين والدتك في شيء.
وصدمتني كلماتك وأنت تقولين : يا أخي نحن في ماذا وأنت في ماذا ، بدلا من التفكير الحزين فيمن غاب ، اهتمّ بي أنا ، مشكلتك معي دائما أنك تتعامل معي أنني لست مريضة ، فقلت لها معقّبا : طبعا أنت لست مريضة .
كنت أرجو ساعتها أن تعلمي أنني كنت أبكي عليك ،
وأنّ هذه الدموع لك وحدك
وقلبي الممزّق بسكين الحزن في سجن ضلوعي يبكي عليك وحدك
كنت أرجو ساعتها لو أستطيع أن أقتل الألم المسافر في قلبك
لو أنّ الألم يستعار لحملته عنك ،
كنت أرجو أن تعلمي أن الرجل الواقف أمامك يحمل همّ الدنيا من أجلك
كنت أرجو ساعتها أن تربتي على كتفي وتهمسي في أذني بكلمة حانية
ساعتها تحمّلت أشواك حروف كلماتك في قلبي ، وأنا أتأمّلك ،
هل يمكنني أن أفقدك في أيّ لحظة ؟
كان الموت بالنسبة لي محطتي أولا ، لا محطتك
وأتخيّل أنّ كلمات الطبيب مجرّد كلمات واحتمالات لا قيمة لها ،
ساعتها تهدّجت حروفي ، وحاولت أن أتوارى عنك ، وبسرعة ،
بدأت أردد : اللهم ارحم أمي وأمهات المسلمين يارب ،
كرّرت هذا عدة مرّات ، وأنا أختلس النظر إلى عينيك ،
وبدأت تقولين : يا أخي ادع الله لي ، فمن مات قد استراح ، لا تبكي عليها ادع الله لها ،
وبدأت سيول المطر تلطم وجوهنا عندما خرجنا ،
فقد بكت الأضواء وسال دمعها ، وسواد المكان ضيف ثقيل على كلّ شيء أمامي ،
كأنّ الليل قد سكب محبرته على الأفق فاسودّ كلّ شيء .
الآن ، فقط كنت أرجو ساعتها أن تعلمي أنني كنت أبكي عليك ،
وأنني أعلم أنّك ترفضين تماما ملح الشفقة ، فقد كنت دائما قوية عنيدة ،
تؤلمك حروف المجاملات ،
اللهم ارفق بقلبي
اللهم ارفق بروحي
اللهم ارزقني الصبر على فراقها يارب
اللهم بدّل سيئاتها حسنات يارب
واجزها عنّي كل خير وبرّ
اللهم ارفق بها وارحمها رحمة تليق بجلال وجهك وعظيم سلطانك
اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات
اللهم اغفر لأبي وأمي وزوجتي ، اللهم آمين
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق