جماليات المكان فى قصة خطأ فى الوجــــــهة للقاصة تركية لوصيف
قراءة انطباعية يكتبها الناقد سيد حفناوى / الجزائر
يضع الشيخ المتقاعد من مهنة ساعي البريد باقة الورد فى المزهرية المشروخة...
تبدا الكاتبة تركية لوصيف قصتها بمزهرية مشروخة .. للدلالة على الاسطوانة المشروخة التي كان يعيشها البطل في مهنة الروتين القاتل مع زوجته الأجنبية المتوفية ..!!
...كانت الآنية من بقايا زوجته مليسها التى رحلت دون أن يحظى منها بمراسيم وداع تليق بهما
زوجة تفارقه فجأة وورود يتسلمها بعد التقاعد فى حفلة صغيرة .. تتناثر كما تناثرت حياته بين ذكريات الماضي وحياة التقاعد التي بدأ يعيشها .. وحيدا بعيدا عن زوجته .. وعن مهنته . !!
كان يشتغل فى وظيفة ساعى بريد .. وهاهو يستمع الى دقات على الباب ليتسلم ظرفا من ساعى البريد الجديد .. كانت دعوة لحضور لقاء مع الأصدقاء القدامى فى فندق كان قد التقى فيه زوجته التى قبلته زوجا بباقة ورد وخاتم بسيط .. سيلتقي ثلاثة من سعاة البريد القدامى ..ثلاثة أصدقاء لا يزالون على قيد الحياة وبدرى بطل القصة هو رابعهم ..!!
حمام ساخن ويخرح بدرى للشارع ..
فيوقف سيارة اجرة ويتفاوض مع السائق فى ثمن الأجرة ..
إنها مسافة سبع ساعات وأريد أن أستقلها بمفردى
لا أريد الإنصات لمزيد من حكايا الركاب
التى يبدعونها وهم على الكرسى الخلفى.. !!
بطل القصة يبدو متقشفا في حياته
قليل الكلام ..
متعب من الكلام مع الناس ..
تستمر الكاتبة في الحديث عن الرحلة والوجهة الخطأ
مسافة سبع ساعات قبل الوصول إلى القرية وقت المغيب يجب اقتناء بعض المشتريات
فطائر
عبوات ماء
طريق ضيقة
صعبة لكثرة المنعرجات
يصاب البطل بالدوار والغثيان
يطلب من السائق التوقف حتى يفرغ ما فى جوفه.. #
ثم تنتقل الكاتبة لوصف الزمن ..
إنها العشرية السوداء
زمن الخوف والموت ...!!
...تتوقف السيارة في مكان هجره السكان منذ العشرية السوداء ..
تحديد المكان والزمان تم بسرعة وبصفة مدهشة ..!!
ثم يدور حوار بين سائق سيارة الأجرة وبطل القصة ساعي البريد المتقاعد...يذكر زوجته التي كانت اجنبية وتعلمت لغة البلد الذي جاءت اليه لتتزوج فيه وتستقر فيه مع ساعي البريد ..!!
..لى أصدقاء ينتظروننى فى الفندق الصغير ،الهواء نقى ،كنت أتردد على هذا المكان فى شبابى والتقيت زوجتى وكانت من دولة أخرى وعلمتها لغتى فتحدثتها وكتبتها ،كانت كاتبة وتسجل الأحداث السعيدة فقط وتتجاهل الحزين منها وأوراقها محفوظة ولم تطبع بعد ولكن سأطبعها إكراما لرحيلها..
يتذكر البطل اصدقاءه وزوجته
ويتعهد ينشر مذكرات زوجته اكراما لها.
فجأة تعترضهما شاحنة وتتوقف في الطريق
البائع ينادى الشخصين :
خذا منى بطيختين ..
المسلك خال من السالكين
وكأن القرية التى هناك مهجورة
صحت لساعات ولم أر أحدا ..
هكذا قال بائع البطيخ .
ثم تنتقل الكاتبة إلى المونولوج الداخلي الذي يجري بين البطل وبين نفسه:
كيف تلقيت الإتصال وكيف علموا بتقاعدى ذلك اليوم ،أشك فى الدعوة التى تلقيت ،ربما فخ،لنغادر المكان حالا..#
الخوف
العالم
الرعب
الشك
تنقلنا الكاتبة إلى حالة الهستيريا التي يعيشها بطل قصتها مع صاحب سيارة الأجرة فيأمره بالعودة ...!!
انطلقت الشاحنة الصغيرة متبوعة بسيارة الأجرة ،كانت الشاحنة تسير ببطء واضح ولم يتمكن السائق من تجاوزها نظرا لضيق المسلك الوعر .
فجأة يراجع البطل قراره
ويطلب من السائق دخول القرية
وبعدها بالدفع له بسخاء
يوافقش السائق
ويقوم بمناورة يستعرض فيها مهاراته فى السياقة
ويلقى الثناء من بطل القصة .. !!
فجأة .. تتوقف سيارة الأجرة عند مشهد غريب:
...ملامح شخص مربوط إلى جذع شجرة تنتهى عند منحدر مرتفع ، أنين وبكاء ويبدو الصوت لفتاة شابة ..!!
ترجل السائق وساعي البريد واقتربا من المكان ،كانت على وشك السقوط ومنهارة وتتشبث برباط محكم على يديها الناعمتين وآثار السوط على كتفيها،السائق فتح فاهه لهول المشهد واصفر وجهه ،العجوز قام بقراءة سريعة لمرافقه وقال : أنت أجبن شخص على وجه الأرض ،لننقذها ،اتبعنى..!!
.. البنت وقد جف دمعها من مقلتيها تلمح بصيص الأمل لحياة باقية ،يسحبها منقذها ويعتذر لها لأن الإنقاذ تم بقسوة ،
البنت ترتمى فى حضن العجوز ويمنحها دقيقة للبكاء ثم يسألها عن خطبها فترد أنها أخطأت الجهة وهى باحثة وقد سرقت سيارتها وعنفت من طرف شخص ملثم صوته أجش ولكنها بخير
يسألها مجددا ،هل مرت من أمامك شاحنة صاحبها يبيع البطيخ؟ .
من هذه الفقرة في القصة اختارت الكاتبة عنوان القصة:
خطأ في الوجهة..او ربما تدور القصة حول هذه الفقرة فقط .
القرية لا تزال بعيدة هكذا ردد العجوز والفندق يقع خارج القرية ويتوسط الجنان الخضراء وكنت ساعى بريد وعملت لسنتين وكنت أنقل الرسائل للنزلاء ومن بينهم كانت زوجتى مليسا التى لم تنجب منى واحترمت قرارها وهجرت البيت لشجار دب بيننا ثم سمعت أنها سافرت لبلدها وماتت هناك .
يحدث البطل سائق التاكسي عن زوجته مليسا التي تعرف عليها منذ سنوات .. وغادرته الى الأبد.
ثم تعود الكاتبة للحديث عن الزمن :
حل الظلام ..
.. واقترب الثلاثة من مدخل الفندق منهكين والهدوء يخيم على المكان ولم يكن عون إلإستقبال بمكان عمله والساعة الحائطية تشير إلى الثالثة فجرا ..نام الثلاثة على الأرئك المعدة لإستقبال النزلاء ويدخل العون ويوقظهم ويقدم لهم قهوة والإبتسامة لا تفارق وجهه، العون وهو يرتب مفاتيح الغرف : تأخرتم كثيرا والجماعة غادروا ويظهر أنك أسست عائلة رائعة من بعدها.
ويبدأ الحوار :
العجوز : من تقصد ؟
من الجماعة ؟
العون : كانت العجوز مليسا هنا وانتظرتك ثم غادرت حزينة ، كانت برفقة آنسة جميلة وكانت تناديها أمى
العجوز ولكن مليسا متوفية منذ ثلاثين سنة أو أكثر ، أين هى غرفتها ؟
يرافق العون ويدخله الغرفة ويعثر على صورة العجوز مليسا تعانق ابنتها ..
تختصر الكاتبة ببراعة فصولا كثيرة من القصة و تلخص دهشة البطل الذي وصل متاخرا لموعد كانت زوجته السابقة قد رتبته لتلتقي به وتعيده الى زمن زواجهما الجميل ..بعدما رزقت بفتاة اصبحت ٱنسة جميلة جدا.
ثم تعود الكاتبة الى المغامرين الثلاثة من جديد:
الباحثة وساعي البريد المتقاعد و سائق التاكسي..
يغادر الثلاثة الفندق ويلتقون ببائع البطيخ فيخبر العجوز أن السيارة مرت من نفس الإتجاه ، ساعتان هى مسافة السير وتلمح الباحثة سيارتها وتشير إليها وهى باكية صارخة : هذه سيارتى ..
السائق يتلقى الأمر بالإسراع وإيقاف السيارة فكان له ما أراد مناورة صفقت لها الباحثة كثيرا وسرّ لهذا السائق .
توقف الزمن فى هذه اللحظات
مليسا على قيد الحياة
وابنتها معها وصارت ثلاثينية ..
البطل بدرى أحضر دفتر الماضى
ويبدأ هذا الحوار :
- أحببتنى أليس كذلك ، ثم هجرتنى ، ورفضت الإنجاب منى ثم اختفيت وأعلن رفيقك خبر موتك فى بلدك ، وأنت حية ترزقين فى حضن آخر .. الخيانة أثمرت بنتا جميلة مثل أمها.
- أنت من أقدم على خيانتى مع رفيقتى ذات يوم وكانت حاملا وأنا كنت حاملا أيضا وماتت رفيقتى ودعوت ابنتها حتى ترى والدها وترى أختها وحتى ترانى لأخبرها أن أمها كانت خائنة وأنها ثمرة الخيانة
- وأين هى ابنتى الأخرى ؟
- هاهى أمامك ، صارت باحثة ووجهت لها دعوة كما دعوتك أيضا لهذا اللقاء المقرف ، كم غرفة اقتحمتها وأنت تقدم الرسائل للنزيلات ؟
وتنهي الكاتبة قصتها بهذه الطريقة المدهشة:
يركب السائق سيارته وينادى الباحثة : هل تأتين معى أم تقلين سيارتك مع أبيك المقرف وزوجته المقرفة وأختك البليدة التى تظهر عدائتها لك فى نظراتها ..
سأستعيد سيارتى منهما ونقوم بسباق
يظهر السائق موافقته ويتابدلان إلإبتسامة
تقترب الباحثة من الآنسة وتستعيد مفتاح السيارة وينطلق السباق بينما يبقى العجوزان يتقاذفان تهم الخيانة.#
قصة فيها الكثير من الاسماء والمعاني والايحاءات الكثيرة
دلالات الزمن فيها جميلة
أبطالها فيهم النضج الفكرية الكبير ..
تدور القصة حول الخيانة والإنتقام والذكريات الاليمة القاسية ..
جمالية الطرح فيها رائع
كل الادوات المستعملة في القصة واضحة الدلالة والمعالم.
كاتبة متمكتة من التلاعب بالمعاني وطقوس الكتابة ..
فكرة السباق في القصة مدهشة جدا ..
خطأ في الوجهة .. قصة رائعة .. تطرح الكثير من المواضيع وتتناولها بطريقة شيقة جدا.
الحوار في القصة يعالج الزواج المختلطة والمشاكل المترتبة عليه .. كما يطرح قضية مهن المتاعب وكل ما يايترتب عليه من أزمات كثيرة وصعبة للغاية.
استعملت المبدعة تركية لوصيف أسلوب السهل الممتنع لتوصل للقراء فكرتها .. وهي كاتبة متمكتة من ادواتها وتختار منها ما تشاء لتكتب عن الخيانة والذكريات المؤلمة .. !!
لو كانت زوجةالبطل من نفس البلد الذي يسكنه البطل... هل كانت ستتصرف بتلك الطريقة ام ستفعل ما فعلته مليسا ..!
لو كان بطل القصة يعلم بان زوجته السابقة قد رتبت له مفاجأة .. هل سيذهب لذلك الموعد المفاجىء..!!
هل كان بطل القصة ينتظر من زوجته السابقة ان تتذكر زواجها منه وتعود اليه لتلقي عليه باللوم ..!!
اسئلة تطرحها المبدعة بطريقة مدهشة في قصة كتبتها باسلوب مختلف عن اساليبب قصصها الاخرى.. !!
تستحق هذه القصة ان تكون نموذجا للكتابات الحديثة لأنها توظف الزمن بطريقة عجيبة .. كما توظف سلوك أبطال القصة بطرق جد مختلفة .. !!
تركية لوصيف كاتبة مدهشة تمتلك كل الأبجديات السردية لتصبح كاتبة في القمة.. !!
الناقد / حفناوي سيد من الجزائر
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق