الأربعاء، 22 ديسمبر 2021

الحارس الليلي / قصة لــــ عائشة خشابة/جريدة الوجدان الثقافية


 قصة قصيرة: الحارس الليلي

عادل حارس ليلي بالحي الذي أسكن فيه اتخد زاوية بساحة فارغة مقابلة لشرفتي حيث صنع لنفسه صندوقا خشبيا يشبه التابوت بالوضع العمودي بالكاد يتسع لكرسيه وبعض أغراضه البسيطة ،يأتي عادل إلى الحي عند اقتراب وقت الغروب ،يفتح صندوقه الخشبي يخرج كرسيه ووزرته الصفراء التي تمكنك من العثور عليه وتمييزه في ظلمة الليل ،فقد اعتاد السكان مناداته لأجل حمل قنينات الغاز التي يفوق وزنها العشرون كيلوغراما والصعود بها إلى حيث يسكنون وغالبا ينادونه سكان شقق الدور الرابع والثالث حيث السلالم تقطع الأنفاس، مقابل عشرة أو عشرون درهما على الأكثر ثمنا لخدمته...
عندما يتسلل فصل الشتاء بهدوء وتشتد برودة الجو في الليل ،وعندما أتدفأ في فراشي، حيث السرير المريح والنوافذ المغلقة والأغطية الناعمة أتذكر عادل بلباسه الخفيف ووزرته الصفراء ،حتى أنه لا يرتدي حذاءا يقيه شلالات المياه والطين التي تملأ الشارع والحي، فقد لمحته ذات مساء وهو يرتدي نعلا صيفيا في هذا الجو البارد..أية ظروف رمت بعادل إلى هذا العمل المضني؟ أحاول جاهدة أن أبعد تفكيري عن عادل وعن كل الحراس الليلين حيث ننام نحن في بيوتنا دافئين آمنين وهم يقضون لياليهم يقتنصهم البرد والخطر، وحيدين يحرسون بعض السيارات وأبواب المنازل، مقابل أجرة زهيدة ،والجريمة الأكبر حينما يمتنع بعض السكان عن أداء القسط الشهري البسيط الذي لايكفي حتى لشراء حذاء يليق بالأيام الماطرة..طال تفكيري وتألمي على وضعهم فاكتفيت بالدعاء لهم بتيسير أمورهم وطلبت منهم في قرارة نفسي المسامحة لأني أرى أنه ليس من العدل أن أنام قريرة العين وجسد غيري يتجمد سهرا لحراسة سيارتي ..
غفت عيني أخيرا ونمت كالمعتاد لأستيقظ في الصباح وقد نسيت أمر عادل، تناولت فطوري وشربت قهوتي وإذ بي أنتبه إلى أصوات مرتفعة تأتي من الخارج ذهبت إلى شرفتي لأستطلع الأمر، رأيت مجموعة من الناس تلتف حول صندوق الحارس الليلي والجميع يردد إنا لله وإنا إليه راجعون ،نعم لقد توفي عادل ، جسده الهزيل لم يستطع المقاومة والإنتظار إلى فصل الربيع القادم لقد غادر في الظلام ،حيث الصمت والوحدة كانتا شاهدتين على قسوة حياته وعلى غفلة الجميع، شعرت أننا مسؤولون عن موته ،وأننا شركاء في جريمة السكوت عن الوضع اللاإنساني الذي كان يعيشه عادل أمام أعيننا كل ليلة دون أن نمد له يد العون ولو بملابس دافئة أو ببناء بيت صغير يناسب إنسانيته ويحتمي داخله بين الفنة والأخرى أثناء مراقبته السيارات وأبواب المنازل ، بدل ذلك التابوت الخشبي الذي لايصلح إلا نعشا لجثته المتجمدة.
عائشة خشابة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق