السبت، 25 ديسمبر 2021

الفسيفسائي طيب زيود يرتب مكعبات فسيفسائية بفنية عالية ام يوثق تاريخا إنسانيا بوعي حاد ليظل شاهدا يصرخ بالحق.؟ بقلم الأديبة حبيبة المحرزي

 الفسيفسائي طيب زيود يرتب مكعبات فسيفسائية بفنية عالية ام يوثق تاريخا إنسانيا بوعي حاد ليظل شاهدا يصرخ بالحق.؟

1 ....عندما تقف وسط القاعة الفسيحة في دار الثقافة خير الدين بباب العسل وتتصفح ببصرك المتلهف على اكتشاف جملي للوحات انتظمت على الجدران البيضاء فتبرز لك في الاول مجرد الوان مختلفة واشكال متباينة أو متماثلة . لكن وانت تقترب لتعمل الفكر في الجزئيات والترتيبات الفنية لأحد أقدم الفنون التي ازدهرت في حقب ضاربة في القدم من العهد البيزنطي مرورا بعصور الازدهار الاسلامي ستغوص في عوالم حضارية انسانية بتراكماتها الدينية والفكرية والاجتماعية
وان كنت خالي الذهن من انتماء الفنان المدبح لهذه اللوحات بمكعباتها حجرية كانت أم بلورية ام صدفية فإنك ستلج بادئ ذي بدء في عالم الفسيف خفيا واصارعا مع مخزونه الحضاري الثقافي الفكري لتدخل في جدال صامت مع الفتان وانت تفرز المرئي المبطن من المضمر المبيت الذي يصلك كرسالة مضمونة الوصول ليلقي عليك حمل فك شفراتها التي لن يتفق اثنان في تفسيرها وتحليلها وترتيبها .
اول ما يلاحظه الرائي هو هذا الصخب والاندفاع إلى اعلى خاصة في لوحة "المخاض"مع طغيان اللون البني المشوب بحمرة توهج ناري.
"المخاض" التي أنبنت على ثنائية البياض والسواد النور والظلمة تتاجج حممها البركانية في الوسط الفارق بينهما مندفعة من الأسفل إلى الأعلى في حركة اندفاعية عنيفة متشظية تفصل بين القتامة والتحجر الجداري الذي بدأ مركونا صامتا متكلسا تكلس التخلف الفكري العقائدي لكن الفنان وبنظرة استشرافية تفاؤلية يسرب خطا تمويهيا بنيا لعله بارقة امل في نور ثابت قد يشق صفوف الجهلة المتحجرين الذين اصطفوا اصطفاف المكعبات الفسيفسائية الصارخة المُدينة لتكلس التخلف الفكري ،
هذا التقاذف الناري الذي يتوزع توزعا استفزازيا في الشق المضيء المنير بالوان رخامية اقرب إلى البياض الفضي بياض العقول النيرة البعيدة عن الجهالة والسواد .والتي تظل مهددة بهذه القاذفات الراجفات الراجمات التي تقتحم الفضاء النير بعنف هو تهديد الظلاميين للعقول النقية المشرقة لكن الأهم من هذا الصراخ والحمم المتقاذفة هو تانك النقطتان الداكنتان اللتان زرعتا في الرحم البركاني .الأولى لم تتعد طور النطفة والثانية بدأت التشكل في هيئة الكائن الحي الجنيني .بجامع بينهما من حيث اللون القاتم يغلف نقاطا بيضاء خفية منيرة والتي لن يكشف المتلقي سرها الا اذا دقق النظر وتجاهل كل ما حولها هي لعمري الأهم من كل القاذفات الراجفات هي العقل المرشد الذي قد يقود هذا أو تلك إلى ظلمات الجهل المتكدس المتماسك قتامة او إلى النور والعلم والضياء ..هي القلب النابض يوجه خيرا ام شرا . لكن الجزئية الأهم والتي تبعث في المتلقي الأمل هي أن الجنين الذي بدأ يتشكل في سابقة جزئية مقصودة هو الأقرب إلى الشق النير المضيء وهي بادرة خيرة .هي الجيل الذي سيختار العلم والنور والضياء وسيقاوم الجهل والتحجر الفكري لانه سيكون أنضج فكريا .
هذه اللوحة "مخاض" هي في الأساس خوض الفنان طيب زيود في تلافيف أعماق التجربة الإنسانية ليجتث منها ما يضغط على الوجع مي ينتبه الإنسان بانسانيته وفكره تحذيرا وتوعية لبناء مستقبل أفضل انطلاقا من انطاق الجامد للتعبير عن معاني الحياة المختلفة المتشابكة بصور فنية جمالية راقية. تغبيرات يعجز عنها اللسان والقلم احيانا كثيرة .
يتبع
حبيبة المحرزي
تونس
يتبع

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق