السبت، 22 يونيو 2024

الساحة الأدبية تحتفي ب" أصوات بعيدة" ( مولود شعري فاخر ) للشاعرة التونسية السامقة سميرة بنصر بقلم الناقد والكاتب الصحفي محمد المحسن

 (الجديد )


الساحة الأدبية تحتفي ب" أصوات بعيدة" ( مولود شعري فاخر ) للشاعرة التونسية السامقة سميرة بنصر


ربما يصعب على الناقد أو الأديب أن يقدم لديوان شعر،لأن الشعر هو الذي يقدم ذاته إلى المتلقين،والشعر سيد الكلام لأنه لغة الأحاسيس وفيض المشاعر،والشاعر هو الذي يتحكم بزمام اللغة والمجتمع،وطالما أقيمت الحفلات وأوقدت الولائم ابتهاجاً بولادة شاعر عند القبائل العربية،يكفي الشاعر أنه سفير الكلمة من جمودها إلى حيويتها،ومن معجميتها إلى اصطلاحها إنه يخرجها من قوقعتها إلى عالم الحياة فيلقيها في القلب لتأخذ معانيها التي تتعدد بتعدد المتلقين.هكذا الشاعر دائماً،فكيف إ ذا كانت شاعرة تكتب بأحاسيسها ومشاعرها،تكتب لكي تغازل الغيم و الأنهار، وتنشد للشمس وهي تمد أول خيوطها في هذا الوجود..إنها الشاعرة التونسية السامقة سميرة بنصر التي  تستفيق على أيقونة التاريخ تحمل قلمها الفذ وتجسد روعة الفن،وفنية الروعة من خلال ما تقدمه للمتلقي من شعور فياض نبيل..

سميرة بنصر الشاعرة والإنسانة،شاعرة أنجبتها مدينة منزل بورقيبة الشامخة وسحرتها محبة الشعر وهي المالكة للجمال إن أومأت بهذيانها.

تداعب الشاعرة قصائدها العاشقة بأناقة أرستقراطية عريقة كما لو أنها أميرة غجرية،كما لو كانت سليلة قصيدة باذخة في تمجيد الندى..المدى،الهدى والتجلي..تعزف بمهارة على أوتار الحرف،فنستمتع برجع صداه..

ألم تعنون مولودها الشعري الجديد ب "أصوات بعيدة" أصوات تراقصها كلما ابتعدت،وتداعبها كلما اقتربت..

كما لو كان شعرها هو حارس أربجها الثمين،كمال لو كان من على موكبها العرائسي الرمزي يغني قصائدها في الزحام،فتراها منقادة لمعشوق لا تراه العين.

 فبمجرد ما تشرع في قراءة قصائد الديوان واقتحام  هذا الحريم الشعري المهيب،يغمرك انتشاء متوهج فتتورط في وله لا فكاك منه.

و"أصوات بعيدة" محاولة عاشقة لمشاغبة القصيدة في كينونتها وإغراء الفضول المعرفي وسحر الكتابة وعشق اللغة المفتونة بذاتها وقراءة تستمد نفسها من الذوق والجمال.

وهذا "على الحساب..إلى أن تداعب عيونكم وأناملكم الكتاب.."


محمد المحسن




حين تحرّك فينا الثورة التونسية ما أسن من أفكار وأساليب،علها تتنفّس هواءها الطازج. بقلم الناقد والكاتب الصحفي محمد المحسن

 حين تحرّك فينا الثورة التونسية ما أسن من أفكار وأساليب،علها تتنفّس هواءها الطازج.


-نحبُّ البلادَ…

كما لا يحبُّ البلادَ أحدْ

صباحًا

مساءً

وقبل الصّباحِ

وبعد المساءِ

ويوم الأحدْ


(الشاعر التونسي الراحل محمد الصغير أولاد أحمد)


-كنت على الأرض التي انتفض لحمها البشري في السابع عشر من شهر ديسمبر/كانون الأول 2010، فشاهدت وشهدت،وإن كانت مشاهدة لم تخرج من حيز الشهود-أسفا-إلى فضاء الإستشهاد..!( الكاتب)

-لا يفنى ثائرٌ ولا تموت ثورة قامت لإحقاق العدل وإزهاق الباطل..( الكاتب)


كيف يمكن للغة أن تنجو من لغوها،وهي يحك بعضها بعضاَ،في محاولة يائسة للتعبير عما انطبع وينطبع في الذات من مشاعر وخواطر، يثيرها ويركض أمامها حدث الروح التونسي الأعظم: الثورة؟!

وبعيدا عن التجريد المشخصن الذي آلت إليه كلمة “الثورة” وعن تصدرها قائمة أسهم الخطاب في بورصة العجز العربي الثرثار، بل بعيدا حتى عما تفجّره من تداعيات معنوية وحلمية، أجدني أميل إلى العودة إلى التجسيد،إلى القبض على الشيء والمعنى بالحواس المتأتئة، قبل أن تقتنصهما التسمية، وتحبسهما في أقفاصها الرنانة.

وما كنت لأجرؤ على مجازفة كهذه،لولا أنني كنت على الأرض التي انتفض لحمها البشري في السابع عشر من شهر ديسمبر/كانون الأول 2010، فشاهدت وشهدت،وإن كانت مشاهدة لم تخرج من حيز الشهود-أسفا-إلى فضاء الإستشهاد..!

ثمة سؤال أبله يدور في خلدي، قد يصلح ليكون بداية،وإن كانت فجة، للملامسة المقصودة هنا: لماذا يجب على الشعراء (وأزعم أني واحد منهم) أن يكتبوا شعرا أو نثرا،عن الثورة؟!

هو سؤال أبله كما ترون،ولكنه،ككل أبله،يلح في طلب إجابة شافية، وككل أبله لن ترضيه الإجابات المخاتلة، أو تلك المبنية على الركون إلى البدهيات والأعراف.

والوجوب المفترض عن الشعراء-أو المفروض عليهم،هو إما نابع من ضمير الشاعر نفسه، من ضيقه بما احتشد في وجدانه من مشاعر وانفعالات صاخبة، لن تهدأ حتى يخرجها كلمات على الورق، أو أنه نابع من إحساس الشاعر بواجبه في التعبير عن مشاعر وانفعالات الآخرين ممن حرموا القدرة على الكتابة،وفي كلتا الحالتين يراد منه أن يكون اسهاما في الفعل الذي جرى على الأرض-الثورة.

وكأني بالشاعر ما يزال يعتبر نفسه،ويعتبره الآخرون،صوت أمته، وضميرها الحي، الحامل لهمومها وأفراحها وآلامها، المعدّد لمناقبها، الممجّد لإنتصاراتها،الرائي لقتلاها، الشاتم لأعدائها.وربما هو كذلك، أو كان كذلك، في جاهلية انقضت (أو هكذا حسبناها !)، قبل أن تخرج الأمور عن مجرد نزاعات قبلية بالسيف والرمح عن مرعى وكلأ، وقبل أن تتعقّد العلوم والإختصاصات، فيتولى آخرون فيما بينهم تلك المهام التي كانت منوطة بلسان الشاعر وفصاحته، وأعني بهم علماء الإجتماع وعلماء السياسة وعلماء الإقتصاد وعلماء التاريخ وعلماء الحرب وعلماء النفس وعلماء الإعلام، حتى علماء الكلام!

لكن الناس ينتظرون من الشاعر،الشاعر وحده،أن يقول ويكتب! وهو في داخله يحس أنها مهمته هو، دون غيره! وكأنه راسخ في وهمه أنّ حركة التاريخ،وسيرورة الواقع، ورياح التغيير مرهونة بما سيسيل به قلمه على لوح الأقدار المكشوف، هذه المرة،لا المحفوظ! وكأننا ما نزال ننظر إلى وجودنا نظرة شاعرية، تستبدل الحركة والفعل الناتجين عن الدرس والتحليل والرصد الموضوعي، بانثيالات عاطفية،وتهويمات مدغدغة،وبلاغات لفظية،لا تعمل على تحويل الدم إلى حبر فحسب، بل أيضا على تحويل الشهادة إلى رمز، والألم البشري إلى مجاز،والفجائع اليومية إلى استعارات..!

والسؤال الأبله السابق يلد أسئلة أخرى ليست أقل بلاهة: هل تعد قصائد الشعراء وكتابات الكتّاب وخطابات الخطباء مشاركة في الثورة، أم أنها ليست سوى تعويض مرض عن العجز عن المشاركة الحقيقية فيها؟

وبسؤال مغاير أقول: هل من شأن هذه الكتابات أن تسهم في التأسيس للديموقراطية، الحرية والعدالة الإجتماعية،أم أنّ جدواها تقتصر على تحرير ضمير كاتبها من وطأة الإحساس باللانفع، وإراحة ضمائر متلقيه من الرهق الذين يرين عليها، بسبب ما تعانيه من شلل شامل؟!

وحين يستعمل أحدهم لغته لتصوير رمية حجر أو نظرة غضب أو مصرع شاب أو نواح أم.. هل يكون في روعه أنّ صوره أصدق وأبلغ وأبعد أثرا من صورة الحقيقة التي رآها عيانا، أو عبر ما بثته أجهزة الإعلام إبان المد الثوري الخلاّق؟!

وهل في ظن أحدهم أنّ أولئك البسطاء الواقعيين،ولا أقول الأسطوريين،الذين ثاروا على القهر، الظلم والظلام،قرؤوا قصائده،أو فهموها،أو اتخذوا من تكاثرها وتراكمها ذخيرة لهم في مواصلة نضالهم، وهم الذين ما انتظروها حين أشعلوا الثورة التونسية الخالدة واشتعلوا بها؟!

وإذا كانت هذه القصائد موجهة إلى بقية الشعب والجماهير والحكّام العرب وصنّاع القرار، أن”تنبهوا واستفيقوا أيها…” فلماذا لم تصل رسالتها بعد،على الرغم من تلال القصائد المتلّلة،التي تكرّر الفحوى ذاتها دون هوادة،بالألفاظ ذاتها دون هوادة،عبر عقد ونيف من عمر الثورة التونسية..وأقل بقليل من عمر ما يسمى “بالربيع العربي”؟!

أما إذا كان يراد من هذه القصائد والكتابات أن تكون أعمالا فنية جمالية، تسعى، بأدوات دقيقة ومحترفة،إلى استلهام الحدث لتخليده، وجعله عبرة وراقة وجدانية أصيلة، تنفعل بها وتتعلّم منها الأجيال القادمة، فلعمري ألا تكفي قصيدة جيدة واحدة، أو بضع قصائد لتلبية هذا المطمح؟

أجل، إنها أسئلة بلهاء،لا أظنها ترد على خاطر كثير من الشعراء وغيرهم من ممتهني الحرف،وهم يحاولون صياغة تجليات الثورة في قصيدة شعرية ترقى إلى حجم الحدث؟

ولعل هذه أن تكون إحدى شؤون الثورة التونسية وغاياتها،أن تكشف فنيا بلاهتنا،وتفضح ادعاءاتنا وأكاذيبنا على صفحة مرآة صدقها الجارحة،وتثير فينا شهية،الثورة،بدورنا،على ما تواتر واستتب حتى أصبح أعرافا وتقاليد،وتحرّك فينا ما أسن من أفكار وأساليب،علها تتنفّس هواءها الطازج.


محمد المحسن



على هامش المشهد العربي المترجرج..في ظل سيلان الدم الفلسطيني بغزارة بقلم الناقد والكاتب الصحفي محمد المحسن

 على هامش المشهد العربي المترجرج..في ظل سيلان الدم الفلسطيني بغزارة


العرب بين-ثنائية-تاريخ الإغتصاب..وأوهام"ربيع عربي" ذبلت زهوره وأغصانه..!


  

أمد/ ّلمن في الظلام الدماء؟..سؤال يلح وتزهر من حوله أغنية السائرين على جثث زيتتها المكائن والدم والكبرياء.."(الشاعر العراقي الراحل مظفر النواب)


..الآن..وهنا،ودون أيّة مبالغة،بدأنا نجتاز أخطر المراحل في تاريخنا العربي الحديث،وذلك بعد أن ولجنا ألفية ثالثة وسنصافح سنة ميلادية جديدة (2024)..

والآن..وهنا،مازلنا نقبع خلف خطوط الإنكسار،نتجرّع مرارة هزيمة مضى على-جرحها الدامي-أربعة عقود ونيف..

والآن كذلك نتساءل بأسى:هل غدا تاريخنا امتدادا لواقع مهزوم ما فتئ يكرّس مظاهر الإنكسار والتصدّع إلى حد أصبحنا فيه في وئام ووفاق مع كل تداعيات الترجرج والتخلّف،بما يفسّر أنّ هزيمة 67 لم تكن هزيمة عسكرية على الحدود،بل كانت هزيمة موقف عربي لا يزال مرتجّا،ورؤيا عربية لم تلتصق حميميا بطين الأرض ولم تستبصر آفاق الدروب..

أفلم نخض حربا مهزومة عام 67 وأخرى بديلة عام 73 وحربا أهلية عام 75 ومازالت هذه الحروب علاوة على أخرى غير معلنة تنزف،ومازال كذلك صفّنا العربي مبعثرا،كما ظلّت فلسطين تبكي بصوت مشنوق حظّها العاثر..!

ألم نتغافل عن تفاصيل هذا الواقع المأزوم دون صياغته بما يسمو بطموحاتنا إلى ماوراء تخوم الراهن،واكتفينا بالإدانة والهتاف لثورة حتى النّصر!؟..

ألم تتجاهل تداعيات الهزيمة بدل التوغّل في أدغالها وشعيراتها الدقيقة لتعريتها وكشف انعكاساتها المريرة على الفرد والجماعة والوطن والعقيدة،واعتمدنا في علاجنا وريقات التّوت لتغطية جسد عربي عليل،ترهّل وأثخنته الجراح؟!..

فهل اختلطت علينا الأمور إلى حد لم نعد نميّز بين تجليات-الهوية-في مواجهة الإغتصاب الأجنبي،وإفرازات-الإقليمية-كأحد ثمار الهزيمة،وتصالحنا تبعا لذلك مع الوهم وأدرنا ظهرنا للحقيقة،وافتقدنا كنتيجة لهذا وذاك-الحساسية- القومية كأحد العناصر الجوهرية في بناء أي صرح حضاري !؟..

إنّ لتراكمات التاريخ المؤلمة عميق الأثر في تهرئة أوضاعنا المترجرجة،فالقبول العربي التدريجي لما كان مرفوضا من البعض كقرار مجلس الأمن رقم 242 قد أصبح القاسم المشترك أو الحد الأدنى بين العرب جميعا،الأمر الذي يعني أنّه الحد الأقصى لغالبية العرب وبدلا كذلك من أن تصبح-القدس-مركزا للمشكلة برمتها،كان بالإمكان لهذه المدينة التاريخية أن تصبح بوابة السّلام بالعودة إلى جوهر قرار التقسيم عام 1948،لابالعودة إلى قرار 242 الذي صاغته ظروف الهزيمة العربية عام1967 أكثر مما صاغته المقومات الأكثر عمقا وأمنا،إلا أنّنا وفي ظل التشرذم العربي وعلى امتداد المسافة الفاصلة بين الهزيمة والإستسلام،صرنا نقبل كل المقدمات ونرفض بعض البعض من جزئيات النتائج وتفاصيل النهايات،وحتى هذه لا نرفضها سرا،الأمر الذي يكرّس زحف الهزيمة الطويل في التخلّف ونقصان السيادة الوطنية،ويؤجّج كذلك حروب القبائل والعشائر والطوائف،ويغيّر اتجاه البنادق إلى حروب الإخوة-الأعداء:

حرب لبنان-حرب اليمن-حرب الصحراء الغربية..ألا يكفي هذا ؟!..

ألا يكفي أن تضيق-بعض السجون العربية-بنزلائها من العرب،كالسجن الصهيوني تماما،وترتفع أسعار النّفط في بلاد النّفط،وأسعار القطن في بلاد القطن،ويتحوّل النفط العربي في أنابيب أمريكا إلى قذائف إسرائيلية وأمريكية حارقة على الشعب الفلسطيني الأعزل وعلى بغداد..هذا في الوقت الذي تكفكف فيه حلب دموعها الساخنة وتبكي الموصل بدموع حارقة؟!..

ألم نكتفي ومن خلال التصوير السياسي العقيم بتجسيم”الحائط الصهيوني المسدود”دون التفكير في اختراقه وظللنا في المقابل نرنو إلى-المنتظم الدولي-بعيون تدعو للشفقة،علّه يدفع بالإسرائيليين إلى مبادرة في حجم الخروج الأمريكي من فيتنام والإقبال الأمريكي على الصين،أو في حجم الخروج الفرنسي من الجزائر..ألم تخض أغلب الشعوب حروبا وخرجت منها تحمل رايات الإنتصار،وبقينا في المقابل في منعطف التاريخ ننتظر إنتصارا طال اختماره في ظل أكثر المراحل سوادا في تاريخنا العربي،ونراقب بأسى خط الإنكسار العربي وهو يتناقض بصورة مآسوية مع بقية خطوط العرض والطول في خريطة العالم !

ألم نواجه-همومنا النبيلة-بموقفين فقط:الأوّل هو الدعوة إلى”الجهاد المقدّس”الذي يصل إلى أعلى ذراه بقطع العلاقات مع الدول التي لا تنقل سفاراتها-من القدس-

والآخر هو المقاومة:مقاومة الشعب الفلسطيني الباسل في الأراضي المحتلة،بقطع الطريق على العدوّ بكل ما لديه من طاقة على المقاومة،وما عدا ذلك كان الصّمت رهاننا،ولا عجب في ذلك طالما أنّ “مونولوغ الحاكمين ” سائد و”ديالوغ المحكومين ”غائب،وما علينا إذن إلاّ أن نحدّد للأجيال القادمة من كان القاتل ومن كان القتيل (!)..

نقول هذا،لأننا غدونا في قبضة التاريخ..تاريخ الإغتصاب-الذي أباحته المواثيق الدولية وصاغه صمتنا المريع،بعد أن أدرنا ظهرنا للحوار الحضاري والعقلانية والحرية وتبني المنظور التاريخي لحركة الوجود والمجتمع-الإنسان-وتماهينا مع-الخراب-دون أن نسأل: لمَ لا تزال فلسطين تبكي بقهر جرحها الدامي..تستغيث حلَب..وترفع الموصل يديها إلى السماء طلبا للرحمة!..

لمَ لمْ تزل بغداد تندب بصوت مشنوق حظّها العاثر ..؟

و..لمَ تحرّرت بقية الشعوب من عقال الوهم وتصالحت مع الحقيقة..؟

ألم تزح أنغولا عن كاهلها أركان امبراطورية دامت أربعة قرون ! وتمكّن البرتغاليون من التخلّص من سطوة دكتاتورية دامت أربعة عقود،وتخلّت إسبانيا عن صحراء المغرب بعد أن أزاحت من على عينيها غشاوة فرانكو !

فهل كان يستطيع الصّمت-وهذا حالنا-إلا أن يصبح لغة العصر العربي الجديد،بسقوط الشهداء،وتدنيس القدس،وقضم الأراضي الفلسطينية بأنياب قطعان المستوطنين!..

ماذا بقي إذن !؟

ألا يكفي نصف قرن من الإحتلال لوقف النزيف الفلسطيني واسترداد الأرض ودحر الإحتلال وتحرير الشعوب العربية من قمقم الوهم العقيم لتستوعب دروس التاريخ وتتمثلها على نحو يعيد لمجدنا بريقه الخلاّب..أم أننا انخرطنا-دون وعي منا-في جوقة الرقص مع الذئاب..احتفاء “بربيع وهمي” ذبلت أغصانه..؟

ألم ندرك بعد،أنّ الغرب الإستعماري لا يزال حاضرا في عمقنا بوجهه البشع يحاربنا برفقة-رموزه-وعبر أساليبه المخاتلة ويجرّنا صوب مهاوي الضياع.

قلنا هذا،لأننا أشرفنا جميعا على على هوة العدم وغدونا منها على الشفير بعد أن أصبحنا في مواجهة الحقيقة العارية التي ستصرخ في وجوهنا للمرة الواحدة بعد الألف:الوجود أو الإنقراض..ولا بديل آخر..إما أن نكون عربا أو لا نكون على الإطلاق..

فهل نبرهن للتاريخ مرّة واحدة أننا أصحاب مجد وحضارة،وأننا مازلنا قادرين على أن نعيد لتاريخنا مجده الوهّاج ونتجاوز رد الفعل إلى مختلف مجالات الفعل الهادف،الخلاق والمفتوح على كامل المفاجآت..؟!

وإلى أن يتحقّق ذلك- ها أنا كاتب هذه السطور- غارق في عجزي، أحس اني على حافة ليل بلا تخوم، ولا أستطيع أن أعزي النّفس بأنني أنتظر فجرا أو قيامة، فالواضح والمؤكّد أنّ ما نشهده الآن.. وهنا، مرشّح للاستمرار في المدى المنظور.


محمد المحسن



حتى لا ننسى بطل الأمة في مثل عيد كهذا ( أبو عدي-28 أفريل 1937- 3o ديسمبر 2006 ) بقلم الناقد والكاتب الصحفي محمد المحسن

 حتى لا ننسى بطل الأمة في مثل عيد كهذا ( أبو عدي-28 أفريل 1937- 3o ديسمبر 2006 )

          

         (ليث..يزأر تحت أعواد المشنقة)


نَم “هانئا” أيّها الشهيد..فالأشجار تموت واقفة..


الإهداء: إلى الشهيد/الرمز صدام حسين..في رحيله الشامخ


“وبغداد الرحيمة لا ترحم السفهاء..ومهما الرّصاص يجزّ رقابا.. يظلّ على شفاه العراقيين الغناء..”(مظفر النواب-بتصرف طفيف)


“..وسألت عن شجر قديم،كان يكتنف الطريق إلى التلال/وبحثت عن-دجلة والفرات-دون جدوى/وانتبهت إلى رماد نازل من جمرة الشمس التي كانت تميل إلى الزوال..”(عن الشاعر الكبير عبد المعطي حجازي-بتصرف طفيف)


قد لا أجانب الصواب إذا قلت أنّ العراقيين وحدهم يستطيعون أن يتحدثوا عن أمل ممكن ينبجس من دفقات الدّم ووضوح الموت.المقاومة عندهم تعني الفعل الذي لا يقف عند حدود الكلام والنوايا،وإنّما هي فعل وجود يصرخ أمام كل العالم بأنّ الإستعمار غير مقبول وبأنّ الحرية والسيادة مبدآن لا يمكن التخلي عنهما مهما كانت سطوة –اليانكي-وخيانة-المجوس-وعماء الدول الكبرى المتفرّجة على قوّات المارينز وهي تستعرض عضلاتها على ضفاف دجلة والفرات..

أكتفي بأن أتابع المشهد.أنام وأصحو لأحصي عدد المستشهدين،أتابع مواكب الدّفن،وأسترق السّمع لصراخ الثكالى وهو يخترق سجوف الصمت العربي..

من أيّ موقع،إذن، أتكلّم ويكون لكلامي معنى أو ثقل ؟

صدّام الصامد:أوقعتك القافلة سهوا عنك،سهوا عنّا ومضيت قُبيل انبلاج الصباح دون وداع،فحين إكتفى العالم بالتفرّج على الدّم العراقيّ مراقا وعلى الجنائز تخبّ كلّ يوم في مشهد قياميّ مروّع بإتجاه المقابر..

ولكن..الرجال الأنقياء يولدون مصادفة في الزمن الخطأ،ويرحلون كومضة في الفجر،كنقطة دم،ثم يومضون في الليل كشهاب على عتبات البحر..

ماذا تبقّى؟

إستنكارات تذروها الرّياح زبدا وطواحين ريح..دبابات وقتلة مأجورون..عساكر..تكبير وتفجير..جنائز تسير خببا بإتجاه المدافن..بيوت عراقية يجتاحها النّوح..قلوب يداهمها الوجع كاسرا.ثكل ودمع ولا عزاء.. وغيوم رمادية في سماء بغداد..

شهيدنا الفذ:منذ رحيلك وأنا أحاول مجاهدا تطويع اللغة،ووضعها في سياقها الموازي للصدمة..للحدث الجلل..إننّي مواجه بهذا الإستعصاء،بهذا الشلل الداخلي لقول الكلمات الموازية،أو المقاربة لرحيل القمر والدخول في المحاق.. ولكن الدّمع ينهمر نزيفا كلّما هبّت نسمة من الفرات..

هي ذي الذكرى المؤلمة لرحيلك.مشهد الإستشهاد كان مهيبا مروّعا:ليث يزأر تحت أعواد المشنقة..شيء في قاع الرّوح يتفتّت..دمع حبيس يدمي أوردة القلب..قلوب تطفح بأسى مهلك صامت مبيد..بطل يغتال فجرا وتتناقل الفضائيات مشهد إعدامه..هكذا كان-موتك- فرجويا متوحّشا بدائيا ساديّا ضاريا عاتيا فاجعا.. هو ذا القتل على مرأى من الدنيا والعرب..

بغداد لم تصب بقشعريرة ولا بإندهاش.إنّها”تأكل”بنيها.

ماذا تعني كلمات أو مفردات:منكوب أو مفجوع أو مدمّى أو منكسر؟..لا شيء سوى الفراغ الذي كنت تملأه فيما مضى.يتسع بك ويضاء بالبهاء الإنساني والغنى الروحي الحزين جراء فساد العالم وخرابه..

الرجولة الفذّة والصرخة الإحتجاجية التي تخترق في عنفوانها سجوف الصّمت،وتواجه بشموخ الإنحدار الرعوي ووحشية -اليانكي والمجوس-..

الآن بعد رحيلك-القَدَري -أعيد النظر في مفاهيم كثيرة،ربما كانت بالأمس قناعات راسخة،الآن يبدو المشهد العراقي كأنّه مهزلة وجودية مفرغة من أي معنى سوى الدّم والدموع..

أيّها القائد الرّمز:لقد احتمى إسمك بالوجدان العربي حزنا صامتا عميقا سنظلّ نتوارثه جيلا بعد جيل..ونحلم بولادة رمز في حجم شموخك يأتي منقذا ومخلصا..هذا الحلم ما يفتأ يعاود الظهور في كلّ مرّة تصبح فيه الكرامة العربية مجرّد ذكرى،وتصبح الشعوب العربية مثل الهوام لا أمل ولا فرح ولا نسمة تهبّ من الفرات..وطوبى للحزانى لأنّهم عند الله يتعزّون.

هي ذي بغداد إذن.هي ذي عاصمة الرشيد وقد حاصرها الليل.

عاصمة غدر بها الزمان.وللعراقي أن يدفع الثمن دما ودموعا.ولنا نحن-الواقفين على شفا الهاوية-أن نسمّي ذلك-بطولة-! كي ندرأ الوجع ونتخفّف من تأنيب الضمير..بل علينا أن “نبتهج”بالنظام العالمي الجديد صانع المعجزات.وكافر كلّ من يردّد قول المسيح ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان.

سيدي الرئيس- الشهيد:الزّمان الغض،المضاء بشموس النصر والتحدي..الزمان المفعم بإشراقات الآتي الجليل،ما قبل إدراك الخديعة،بغتة الصدمة وضربة الجلاّد..

الكون الحزين يرثيك.فرحة هي النوارس بمغادرتك عالم البشر إلى الماوراء حيث نهر الأبدية ودموع بني البشر أجمعين..أنت الآن في رحاب الله بمنأى عن عالم الغبار والقتلة وشذّاذ الآفاق،والتردّي إلى مسوخية ما قبل الحيوان.هل كان الحمام العراقي يعبّر بهديله عن رغبته في اختطافك إلى الفضاءات النقية لتكون واحدا من –قبيلته-،بعيدا عن الأرض الموبوءة بالإنسان الذي تحوّل إلى وحش ينتشي بنهش الجثث،قاتل للحمام والبشر،معيدا سيرة أجداده القدامى منذ قابيل وهابيل حتى الآن؟

نائم هناك على التخوم الأبدية،وروحك تعلو في الضياء الأثيري،طائرا أو سمكة أو سحابة أو لحنا في موسيقى.لقد غادرت المهزلة الكونية للعبور البشري فوق سطح الأرض.

في الزمان الحُلمي،كما في رؤيا سريالية،سأحملك على محفة من الريحان،بعد تطهيرك بمياه الوديان،من مصبات الأنهار والمنحدرات الصخرية بإتجاه البحر..سيسألني العابرون :إلى أين؟

في السماء نجمة أهتدي بها.أعرفها.تشير دوما إلى القدس.أنت أشرت إليها ذات غسق وهي الآن فوق-دجلة والفرات-تضيئهما بلمعانها المميز عن بقية الكواكب.وهي تشير كذلك إلى المرقد والمغيب فوق أفق البحر في أواخر المساءات.أحملك نحوها لتغطيك وتحميك بنورها الأسطوري لتدخل في ذرّاتها وخلودها الضوئي..

قبل هذا الإحتفال الأخير سأطوف بك حول تكريت التي أحببت،معقل الرجال،حيث يرثيك أهلك و-مريدوك- بدمع حارق يحزّ شغاف القلب..

يسألني العابرون أو أسأل نفسي:هل محاولة إستعادة نبض الحياة الماضية يخفّف من وطأة صدمة الموت؟..لا أعرف شيئا..

حين يأتي المساء الرّباني سننلتئم تحت خيمة عربية.نشعل النيران في فجوات الصخور اتقاء للرّيح،ونبدأ الإحتفال في لحظة بزوغ القمر فوق الهضاب العراقية..

أما أنتم -ياسادتي الكرماء-:إذا رأيتم –البطل البغدادي-مسجى فوق سرير الغمام فلا توقظوه،إسألوا الصاعقة التي شقّت الصخرة إلى نصفين لا يلتحمان.

إذا رأيتم-الشهيد التكريتي-نائما في الصمت الأبدي فلا تعكرّوا سكينته بالكلمات.

اسكبوا دمعة سخيّة على جبينه الوضّاء ،دمعة في لون اللؤلؤ،واكتموا الصرخة المدوية كالرعد في كهوف الرّوح..

أيّها الشهيد الشامخ: الإمام علي بن أبي طالب لم يمت !..ما زال يجوب الأرض على صهوة فرس أبيض كي يطهّرها من دنس الفاسدين وشذّاذ الآفاق..لقد قُتل وهو يصلي صلاة الفجر،قُتل غيلة.وكان أن بكاه المسلمون بدموع حارقة والدنيا أصابها رجف وسُمع في الآفاق كلّها نوح ونحيب..و أنت أيضا، قتلوك ،غيلة،قتلوك فجرا وأنت تنطق بالشهادتين وترنو ببصرك إلى فلسطين وهي مضرّجة بالمؤامرات،الدسائس،الشرور والدّم المراق..لكنّك ستظلّ وصمة عار على جباههم..لعنة أبدية تلاحق بسخطها الغزاة ومن ورائهم-الصفويين-وأتباعهم..وها أنّي ٍأراك على فرس من أثير معجون بالنور.تطارد أعداءك ولن تترجّل إلا يوم ينتصب الحقّ شامخا،يخرّ الباطل صريعا..وينبلج الصبح على عاصمة الرشيد.


محمد المحسن




حتى لا ننسى الشاعر الثوري..مظفر النواب.."شاعر الثورات..والشجن " بقلم الناقد والكاتب الصحفي محمد المحسن

 حتى لا ننسى الشاعر الثوري..مظفر النواب.."شاعر الثورات..والشجن "


"الشعراء كالأوطان..لا يموتون.."


"أصابح الليل مصلوبا على أمل

  أن لا أموت غريباً ميتةَ الشبح" ( مظفر النواب)


تقديم :تقترب صورة مظفر النواب في الذاكرة الجمعيّة العراقية والعربية من صورة برومثيوس في الميثولوجيا الإغريقية،الذي انحاز إلى البشر حاملًا شعلة النار الإلهية من جبل الأوليمب لتكون قبسًا لهم،وهو ما أغضب منه زيوس،آلهة السماء والصاعقة الذي يمثّل قوّة الطبيعة غضبًا شديدًا.

الشاعرية تتميّز بالحساسية والجمال والإلهام،ومثلما ترتبط بفن الشعر فهي ترتبط بعموم الإبداع. وقد توقّف باختين عند شاعرية الروائي ديستوفسكي. وسبق للمعلّم الأول أرسطو أن تناول في كتابه «فن الشعر»  التكوين الفني ومحاكاة الطبيعة بصفتها جوهر الشعر بما فيه الملهاة والملحمة والحوار والموسيقى والرقص، فثمة فارق بين ما يسمّى شعرًا وبين ما يسبغ عليه حيّزًا جماليًا بحيث تشعر أنه «شعر»، وهو ما نشعر به ونتحسسه حين نقرأ شعر مظفر النواب، ناهيك حين نسمعه بصوته المؤثر ونبرته المتميزة مموسقًا وممسرحًا تتراقص صوره الفنية برشاقة فائقة، وهارموني عالي الانسجام.

مظفر النواب يكتب من خارج فلول الكتابة،إنه مهندس على المادة الورقية حيث يسور قصائده بقسوة التحدي،والتمرد،والمواجهة،والثورة..إنّ الكم الكبير من الاستلاب المتماهي في قصائده يجعل القارئ يعيش ارهاصات وجدانية وتاريخية مجمعة في المادة الشعرية من صور وتشظي وانبناء وانسحاب..وبقدر ما كان مظفر صاحب مدرسة الحداثة في القصيدة الشعرية الشعبية (المحكيّة)، فإنه كان بالقدر نفسه شاعر الحداثة في قصيدة الفصحى، حتى وإن كتب بعض القصائد العمودية، وقد سار في ذلك على خطى نازك الملائكة وبلند الحيدري وبدر شاكر السيّاب وعبد الوهاب البياتي ومجايليه سعدي يوسف ورشدي العامل ويوسف الصائغ وألفريد سمعان وآخرين.

وبين الفصيح والمحكي كانت تتراوح أغراضه بين الغزل والثورة، ولا ثورة حقيقية وكاملة دون حب حقيقي،ومثلما ليس هناك نصف حب،فليس هناك نصف ثورة،فقد أعطى مظفر روحه للثورة والحب وتسامت صوره الشعرية في ذلك،مع وطنية وجدانية باهرة،وبقدر ما كان مغتربًا وحزينًا فإن ذلك ينعكس على المكان مدحًا أو قدحًا، سواء في هجائه أو في حنينه وأساه لفراقه..

الشعر يشبه الوحي،هكذا تقول قصائده،فهو يصدر عن رؤية ورؤيا وكلاهما ضرب من ضروب الامتداد الانثروبولوجي.فجمالية الاستلاب في شعر مظفر النواب تتأصل في انغراس معطياتها وافرازاتها في أعماق تاريخ المعارضة السياسية والتاريخية العربية الرافضة للاستبداد والقاطعة مع القمع وحكم البوليس السري.لقد سربل النواب ذاته بعباءة ظاهرها المبدع وباطنها الثائر المتمرد.

لم يكن إعلان اسم مظفر النواب مرشحا لجائزة نوبل للآداب ثم فوز الكاتب البريطاني من أصل ياباني كازو ايشيغورو سوى مواصلة لحالة الاستلاب التي عاشها الشاعر الراحل الكبير،ولو سنحت الفرصة بعيدا عن الموضوعية المطلوبة لقلت : مظفّر النواب لا يمكن أن يحيا دون استلاب.ولا يمكن أن يبدع دون مواجع..ولا يمكن أيضا أن يرحل دون أن يتركَ إرثا شعريا مذهلا..سيكون نبراسا يضيء دروب القادمين..في الآتي الجليل..

لروحك السلام..يا مظفر..

(فى الليل/يضيع النورسُ فى الليل،القارب فى الليل/ وعيونُ حذائى تشمُّ خطى امرأة فى الليل/../ يا امرأة الليل أنا رجل حاربتُ بجيش مهزوم/ ما كنت أحب الليل بدون نجوم/..والآن سأبحث عن مبغى/ أستأجر زورق/ فالليل مع الجيش المهزوم طويل).(مظفر النواب)


ها أنّي-يا مظفر-أراك في هدأة الصّمت..تنبجس من اختلاجات العزلة..فأقول :


..من يدقّ باب الرّوح

في خفوت الشمس والضّوء..

من يطهّر الجسد من دنس الركض

خلف صهيل الرّوح..

من يمنح حبّة قمح 

                   تعبق بعطر الأرض

ليمامة تاهت

في رعب السكون الهائم

من يجفّف الدّمع..

والمحزونون في سبات ملء الجفون

أوغلوا في الدّمع في لحظات الوَجْد

فأنطفأ الوجع..

إلى أين تمضي

 في مثل ليل كهذا !؟

والكلمات التي تركتها خلف الشغاف

تشعل شرفاتها

منارة

منارة

ولا يكتمل المكان..

..تمنيتَ لو كنتَ نورسا 

      على ضفاف دجلة..والفرات

كي تعيد ارتحالك..

 كلّ يوم في المياه

تمنيتَ لو تجعل من دموع الثكالى

                 قاربا يجتاز العتمة..

كي يرسي على ضفّة مرهقة

          تحتاج يد النهر كي تعبره..

تمنيتَ لو يتوقّف..الزّمان

لحظة أو أقل

     كي تعيدَ ترميم الحروف

..كي تسير بكل،فجاج الكون

بغير جواز سفر

كي تروح بنوم مفتوح الرّوح..

..يفيق على جمرة سقطت

             فوق شغاف القلب..

تمنيتَ لو تبرق للبعداء جميعا أن:

عودوا..أعطوا-لمظفر*-بعض وطن !!

ها أنتَ تئنّ..

وتئنّ..

إذا استرجعت غربتك

        من تيه الضجّة..

وعدت بلا وطن..

إلى أين تمضي

                في مثل ليل-عربيّ-كهذا ؟

إلى أين تمضي..

              بعربات الصّبح المبكرة

ها أنّي أراك تلوّح 

   للأمكنة الأمامية

وهي تغيب..

ثمة نورس يتلاشى في الأفق البعيد..

ثمة وجع بحجم الغيم ..

                    يتمطى في اتجاهنا

عبر التخوم

                    ثمة شيء ما ينكسر

يتهاوى..

ولا يصل المكان..

ها..أنّي أراك..في هدأة الصّمت

  تنبجس من اختلاجات العزلة..

تنبثق بياضا ناصع العتمة..

من عتبة القلب

نهرا

تجلّله رغوة الانتظار

أراك..

نهرا

تعتعه الرّحيل..فتهاوى

في أفلاج جفّ ماؤها..

ها أنّي أراك

         تعبر ممرّات الذاكرة

تترك حنجرتك زهرةَ بنفسج..

           تلج حجرات الرّوح

تاركا خلفك..

صهيل الرّيح

كي لا ينهمر..

         الوجع

ويسطو على ما تبقّى..

       من مضغة القلب

سخط الزّمان..


برحيل مظفّر النواب،نكون أمام مرحلة سياسيّة كبرى وموقف من الوجود والتحدّي الأبدي للطغيان،وليس أمام نهاية شكل من القصيدة فحسب.ودّعه-بالأمس-المستضعفون والحزانى الذين كتب عنهم ولهم،والذين تراءى لهم في انتفاضاتهم وثوراتهم التي يُراد لها أن تُجهَض وتذوي ويأبى الشاعر إلّا أن يقيمَها من جديد بوحيه إذ يقول:

"أين سيذهب من لا بيت له

ولا امرأة ولا وطناً؟

سبحانك مهما بلغ الطائر

يتعب من دون مطار."


وداعا..يا طائر البرق


محمد المحسن


*المقصود: الشاعر العراقي الراحل مظفر النواب




كيف تشيحين بوجهك عنّي..وتصغر هذي البلاد بعيني..؟! بقلم الناقد والكاتب الصحفي محمد المحسن

 كيف تشيحين بوجهك عنّي..وتصغر هذي البلاد بعيني..؟!


الإهداء: إلى تلك التي مازالت تتجوّل في خراب يسكنني.. ووحدها تراه..


..إنّ قلبي بيت لكِ


ولكنك تغمضين عينيك عنّي


     وتنسين اختلاط الورود


وشهقة كل هذي الحروف


            على تلّة في الجنوب


كيف تعبرين كل هذا الجمال


             ويعْلق الحزن بي..


كيف تشيحين بوجهك عنّي..


   وتصغر هذي البلاد بعيني


وتصهل الرّيح بقلبي..


           وقرب بقايا الركام


أصغي لأجراس صمتك


أحاور  رياحا تعبث بتاريخ وجدي


كأنّي السراب...


                     كأنّي تعبت..قليلا


كأنّ ثلج الدروب قد نال منّي..


         كم أحبّ إرتباك الفصول..


كم أحبّ سماء الخريف


                 متخمة بالغيوم..


كم أحبّ خيول السنين..


وهي تركض صوب الأقاصي


    ولا شيء يربك هذا العبور..


وخلف خطاك بقايا صدى مؤلم


هنا أحتفي بالرذاذ


ها هنا أداعب غصن زيتونة


جرفته السيول


ولم يبق لي غير عطرك


لم يبق لي غير حضن عتيق


 على شكل ذكرى


وبي شهوة لإحتضان الغيوم بصمت


أحاورها


أسائل فيها سر هذا الرذاذ


        وليس لي غير حلم نما دافئا


قبيل انبلاج الصباح


وبعض قصائد عن سيرة العاشقين..


وشهقتهم قبل مجيء الغروب


                    أنا لا أريد الرحيل


لا أريد القطار المعدّ لرحلتنا


لا أريد أن يهجع البحر 


               على كفتي


أو أن يسرج أفلاكه 


للرحيل


فقط ما تبقى سوى عزف غيم


تعاويذ ضد الفراق


ونجمة صبح تضيء هذي الطريق..


تمهلي..


ولا تتركي الغيم يبكي


تمهلي ودعي منك شيئا


                يرتّب موعدا لفجر يجيء


علّ تجيء الفصول بما وعدته الرؤى


لكن..


ترى ما سأقول..


                 إذا مرّت غيومك جذلى..


تداعب نرجس القلب


أو لاح لي بين ثنايا المدى.. طيفك


يطرّز وهْمَ المسافة..


             وشاحا للذي سوف يأتي


ربّما أظل أداعب صوتي


                      أحاور روحي..


أرتّب حزني


كزهرة لوز أهملتها الحقول..


كغيمة في الأقاصي..


            أربكتها الفصول..


محمد المحسن




هنا غزة : شعب ذبيح..لكنه كطائر الفينيق* ينبجس من رماده..! بقلم الناقد والكاتب الصحفي محمد المحسن

 هنا غزة : شعب ذبيح..لكنه كطائر الفينيق* ينبجس من رماده..!


لا شيء يثير الرّوح..في هذا المكان” (محمود درويش)


..قد لا أجانب الصّواب إذا قلت أنّ  اليهود لم يتعرّضوا بتاتا لأيّ إضطهاد من العرب،بل كانوا جزءا من المجتمع العربي،ولكن الغرب العنصري أراد التخلّص من اليهود،ولكن ليس عن طريق المحرقة النازية والعنف،إنّما بدفعهم إلى تأسيس دولة تقوم على أساس ديني،وعلى أساس إختلاق تاريخ كامل عناصره الأسطورة ومعاداة المنطق،من هنا كان دعم الغرب الإستعماري،العنصري لقيام دولة إسرائيل ليس كخطيئة وجريمة في حق العرب عامة والفلسطينيين خاصة،إنّما كخطيئة أيضا ضد اليهود بحشرهم في”غيتو” اتخذ هذه المرّة شكل دولة،دولة تقو م على أساس عنصري،المتميزون فيها هم اليهود لأنّهم يهود،وداخل اليهود أنفسهم تمييز آخر بين من هو غربي ومن هو شرقي..

وإذن..؟

ما الفرق إذا بين الفكرة العنصرية والفكرة الصهي..ونية،كلاهما يقوم على أساس الإنتقاء العنصري،والتعصّب لجنس ولفكرة.هكذا جنّد الغرب طاقته لإزاحة شعب كامل من مكانه،وإحلال اليهود مكانهم،وما نراه الآن على أرض غزة من قصف بأحدث الأسلحة الأمريكية لمنازل ومستشفيات وسيارات مدنية ما هو إلا فصل من فصول المأساة التي أُعلنت رسميا بإسم دولة إسرائيل..

والأسئلة التي تنبت على حواشي الواقع:

كيف لم يفكّر العرب وأنظمة حُكْمه،طوال خمسين سنة من الوجود الإسرائيلي،في الأسس الناجعة التي تسمح بالحد من سطوة إسرائيل وتتيح للكفاح الفلسطيني أن يحقّق أهدافه العادلة،وللجماهير العربية أن تتخلّص من التخلّف و التبعية والحكم الفردي ؟

-هل سينتظر العرب السقوط الأمريكي الحتمي معولين على نظرية إبن خلدون حول صعود وهبوط الإمبراطوريات؟!

وهل سيستمرون عند المراهنة على حتمية تصدّع الكيان الغاصب وإنفجاره من الداخل وابتلاعه ديموغرافيا بالإعتماد على قوّة الخصوبة الإنجابية عند الفلسطينيين..؟

ألم ندرك بعد أنّ الواقع في الغرب بدأ يتغيّر،وبدأ الرأي العام يكتشف حقيقة جرائم الصهاينة،واستهدافهم العُزل بالرصاص الحي،لا سيما بعد أن أمطرتنا الفضائيات بمشاهد بربرية دموية لا يمكن لعاقل أن يصدّق وقوعها في القرن الحادي والعشرين.

طائرات ال:ف16 تقذف البيوت”الغزاوية” الآمنة بأحدث أنواع الصواريخ.

مدافع الدبابات تصوّب تجاه الشقق والسيارات والمدنيين العزل.

و..ويستمرّ الدّم في النزيف ويستمرّ الشهداء في السقوط.

الأبرياء في مواجهة الدروع السميكة وأحدث الأسلحة.

إلى متى؟ !..

وكم يحتاج الأمر إلى مثابرة وزخم ودم ليضطرّ العالم إلى سماع الصّوت الفلسطيني الذي لا يصل إن لم يكن له هذا الثمن الفادح؟..

لن يصدّق العالم اليوم أنّ الديمقراطية الإسرائيلية هي ارستقراطية الأكثرية ودكتاتورية الأكثرية،وأنّها في عالم،قوام الديمقراطية فيه حقوق الأضعف وحقوق الأقليات،متخلّفة عن العالم وعن العصر.

الفلسطينيون وحدهم يستطيعون أن يتحدّثوا عن نصر ممكن ينبثق من دفقات الدّم ووُضوح الموت.المواجهة عندهم تعني الفعل الذي لا يقف عند حدود الكلام والنوايا،إنّما هي فعلُ وجود يصرخ أمام كل العالم بأنّ الإستعمار غير مقبول وبأنّ الحرية والسيادة مبدآن لا يمكن التخلي عنهما مهما كانت سطوة الجيش الإسرائيلي وعمأء الدول الكبرى المتفرّجة على إسرائيل وهي تستعرض عضلاتها.

ولكن..في مثل هذه الوضعية،كيف أُقنع النّفس بأنّ عدالة القضية ستحميها من وحشية الذين يمارسون سياسة اليد الطولى ولا يحترمون قوانين المنظمات العالمية؟

أكتفي بأن أتابع المشهد.أنام وأصحو لأحصيَ عدد الشهداء،وأرى-بعيون دامعة- الدّم الفلسطيني مراقا وعلى الجنائز تخبّ كلّ يوم في مشهد قيامي مروّع بإتجاه المدافن.

كيف يستعيد المنطق قدرته على إقناعي بأنّ هذه المواجهة غير المتكافئة لن تعرّض جزءا كبيرا من شعبنا هناك،للإبادة..؟

لماذا الماسكون بزمام العالم يعبّرون عن تخوفاتهم من زعزعة دولة إسرائيل ولا يُنادون بتصفية الإستعمار في فلسطين..؟

من أيّ موقع،إذن،أتكلّم ويكون لكلامي معنىً أو ثقل ؟

أحسّ كأنّ حاجبات الوميض تنتصب من جديد،ودفقات الدّم الفلسطيني،عبر الفضائيات،تذكّرني أكثر فأكثر،بهذا العجز الخانق،وتضيف إليََّ وجعا قاسيا و-أنا- أرى وجوه الشهداء مرفوعة أمام سماء عمياء،فيما القذائف والصواريخ تواصل هجماتها،وليس هناك فعل عربيّ يساند بالملموس عظمة -هذا الشعب الجبّار-في صموده وتصديه..

لأكون صادقا أقول إنني الآن،وأنا غارق في عجزي،أحسّني على حافة ليل طويل،متخم بالدياجير،ولا أستطيع أن أعزّي النّفس بأنني أنتظر فجرا أو قيامة..

 

محمد المحسن


*لعلنا سمعنا عبارة "هالشعب مثل طير الفينيق بقوم من تحت الرماد". والفينيق عبارة عن كائن أسطوري يدعى طائر الفينيق-Phoenix كان له صدى واسع في التراث الشعبي القديم لدى الكثير من الشعوب الممتدة جغرافياً حول العالم، كالفينيقيين والإغريق والفرس والرومان والمصريين والصينيين، وتعددت الأسماء لكنها تكاد تتفق على ما يشير إليه. وحتى يومنا هذا ما زال له تأثير في الأدب والثقافات المعاصرة كرمز للتجدد والخلود رغم أنه لم يعد في صلب معتقدات الشعوب كما في الماضي.

تروي الأسطورة الكنعانية أن طائر الفينيق عاش في الجنّة لألف سنة. حجمه نسري،لونه ذهبي ناري،وعلى رأسه طرّة من الريش كأنها تاج،ويظهر له ذنب طويل من الريش الأحمر البرتقالي والأصفر.




هي ذي تونس..عروس ترفل في ثوب الحرير.. بقلم الناقد والكاتب الصحفي محمد المحسن

 هي ذي تونس..عروس ترفل في ثوب الحرير..


"في الثورة هناك نوعان من الناس:،من يقومون بالثورة..و من يستفيدون منها" (نابليون بونابرت)


تقتادك الثورة التونسية من يد روحك،وتمضي بك إلى فردوس الطمأنينة،بل ربما إلى النقيض. فأنت إزاء هذا الفعل الإنساني الجبّار،حائر على غير مستوى،ثمة دم أريق ولم تكن تملك سوى الحبر،وما من حبر يرقى إلى منصة الدّم.وحتى حين يمور الدّم في جسدك باحثا عن مخرج،فإنّك حينئذ ثائر لا شاعر.وليس معنى هذا أنّ الثورية تنافي الثقافة،أو أنّ الثقافة متعالية على الميدان،ولكن لابد من تفادي خلط الأوراق،فلا يمكن للمارسة أن تتحوّل إلى حكم قيمة أدبي،مع أنّ الحبرَ عرضة لإختبار دائم-لقد خلصنا من ترف الكتابة للكتابة وهي ذي الثورة،بوهجها وضرائبها البشرية،تعيد إنتاج السؤال التقليدي عن جدوى الكتابة،وإذا كان السؤال قاسيا أو عصيا على الجواب،فلنبحث عن صيغة ثانية:” 

هل من عزاء في الكتابة؟”

ويرسلك هذا السؤال إلى مستوى آخر من المشكلة،يتصل هذه المرّة بكينونة المثقف المتورّط بوجوده في زمن ملتهب:” هل قدرك أن تلبس هذا اللبوس الماسوشي،مقرّعا حيّزك الفيزيائي المحدود،بدعوى عدم صعوده إلى لحظة الإشتباك؟..

وحين يدخل المثقف العضوي-مع الإعتذار من غرامسي-على الخط،فإنّك في مستوى ثالث من الحيرة:كيف أمارس كمثقف وكيف أكتب كثائر؟ 

وفي كلتا الحالتين:ألست (بضم التاء) مثقلا بأسئلتي الوجودية،أنا المفرد في فضاء محذوف؟ فكيف أتحوّل إلى خليط فعّال في نسيج الجماعة؟ولك أن تعتبر،في طفرة يأس أو ضجر،أنّ ماسبق ليس إلا دلعا لغويّا،وأنّ عليك أن تعود إلى سؤال الأسئلة عن دورك،مثقفا في هذه الملحمة.وساعتها لا مناص من مستوى جديد يدعم حيرتك الأولى،هو أنّ الثورة هي نشيد الجماعة ومرآتها،وليس الفرد إلا نبرة في إيقاعها الجمعي المتكاثر.

بهذا لن تكون ذاتك إلا بالحد الذي تسمح به الثورة،فهي تهدّد الثقافة بالتنميط.

وحين تنأى عن الإمتثال للثقافة السائدة،فمعنى ذلك أنّك اخترت الغربة-أمغترب ومثقف ثوري في آن؟كيف تلتئم المعادلة؟

حين هبّت عاصفة السابع عشر من شهر ديسمبر 2010 لتخترق سجوف الصمت،وتنير درب الحرية أمام شعب ظل يرسف في الأغلال عبر عقدين ونيف من الظلم والظلام،في تلك اللحظات الخالدة تملّكني إحساس باللاجدوى.ماذا يمكن للمرء أن يفعل..؟

كيف يمكن أن يكون عمليا وهو لا يتقن غير الكلمات؟ !.حتى الكتابة عن حدث جلل بحجم الثورة التونسية لا ترقى إلى منصة النضال.

كنت أدوّن جميع ما أرى،-مكتفيا- بالتفرّج على الدّم التونسي مراقا،وعلى الجنائز تسير خببا في اتجاه المدافن..

هو ذا الموت فرجويا متوحّشا قاسيا فظّا بدائيا ساديّا همجيّا عاتيا ضاريا فاجعا.

هو ذا القتل على مرأى من الدنيا وحفاة الضمير.

الأرض التونسية لم تصَب بقشعريرة ولا بإندهاش.إنّها تأكل بنيها.جميع التفاصيل التي اجتذبتني إليها دوّنتها.معي الآن من التفاصيل ما يكفي لتأليف كتاب.كيف يرتقي المرء إلى مستوى ما رأى،كيف يكتبه محاطا بهالته الأسطورية دون أن يقع في نقل الوقائع أو وصفه وصفا إخباريا مسطّحا يفقره ويلغي كثافته؟

كيف يكتب جانبه السحري الأسطوريّ المروّع..؟

الحياة أقدس من النص،والفعل المقاوم أعظم من أن تحيط به الكلمات،لا سيّما إذا كان الفعل أسطوريا رسوليا على النحو الذي رأيت..

ولكن..

لا يجب أن تنتهي الحياة إكراما لشبابنا الذين تسابقوا إلى الموت إعلاء للحياة وتمجيدا للحياة.

أنا على يقين من أنّ الإستبداد سيظلّ يدحرج -غلاته وصانعيه-بإتجاه الهاوية حيث لا شيء غير الموت وصرير الأسنان.

يا تونس الصابرة نحتاج قليلا من صبرك الرباني فالرّوح محض عذاب.قصر قرطاج ينوح في السرّ على “أمجاد”من سكنوه ذات زمن موغل في الدياجير.وطائرة المخلوع تحلّق في الأقاصي في اتجاه المنفى البعيد.والحرية تتمطى في اتجاهنا عبر الدموع.

ولنا أن نفرح.لنا أن نهلّل.وطوبى لأمهات الشهداء لأنهن عند الله يتعزين.

غريب أمر هذا الشعب التونسي لا يكتفي بالخبز بديلا عن الحياة والكرامة.

مدهش أمر هذا الشعب التونسي الذي ارتقى بقراره إلى منصة الإستشهاد.

ومدهش أيضا أمر هذا الشعب الذي اتخذ قرارات مصيرية يهون دونها الموت.

وإذن؟

هي ذي تونس إذن.زمان تكثّف حتى غدا مكانا وحكايات،أقاصيص وملاحم،سماء تنفتح في وجه الأرض،أرض تتسامى وتتخفّف من ماديتها حتى تصبح كالأثير.ثم يلتقيان.الأرض والسماء يغدوان واحدا.


محمد المحسن



أيهما أنجز الآخر؟ أيهما سينجز الآخر..الوطن أم مقاومته.؟! بقلم الناقد والكاتب الصحفي محمد المحسن

 سؤال لجوج يحيرني :


أيهما أنجز الآخر؟ أيهما سينجز الآخر..الوطن أم مقاومته.؟!


"في غزة يتوالى القصف/والبلدان العربية/تبذل أقصى طاقتها

من جُمل “ التنديد “/وعبارات “ العطف “/هذا يستغرب

“الاستخدام المفرط للقوة “/وآخر يدعو الشقيقة اسرائيل لضبط النفس/والثالث يخشى من دورة عنف/والرابع يُرسل أرخص انواع البطانيات/لتحمي القتلى/من” أمطار الصيف “

(مظفر النواب)


"أيها الواقفون على عتبات البيوت/اخرجوا من صباحاتنا/نجد الوقت للتسلية/نلعب النّرد،أو نتصفح أخبارنا /في جرائد أمس الجريح.."

(محمود درويش)


كيف يمكن للغة أن تنجو من لغوها،وهي يحك بعضها بعضا،في محاولة -بائسة-للتعبير عما انطبع وينطبع في الذات من مشاعر وخواطر،يثيرها ويركض أمامها حدث الرّوح الفلسطيني الأعظم: المقاومة؟!

كان صمودها الشامخ زلزالا،خلخل حالة الإستنفاع السياسي والإجتماعي وحتى الثقافي في الوطن العربي،وبالرغم من الإنحسار الذي أصاب”الظهير” إلا أنّ المقاومة كدينامية كاشفة وفاضحة أسقطت جملة أوهام دفعة واحدة،وهْم الشقيق اللدود،والحليف غير المأمون والإركان إلى سلام أنكى من أية حرب.

وإذن..؟

أعترف إذا بأنّ المقاومة جردتني من أدواتي اللغوية والبلاغية جميعها،ومسحت بممحاة واقعيتها كل ما حفظته من كلمات وتعابير،وما خزنته من أسماء وتشبيهات،وأوقفتني هكذا مذهولا مبهوتا،أما حقائقها العارية!

ولكن..النّاس ينتظرون من الشاعر مثلا،أن يقول ويكتب!وهو في داخله يحس أنّ مهمته هو،دون غيره! وكأنّه راسخ في وهمه أنّ حركة التاريخ،وسيرورة الواقع،ورياح التغيير مرهونة بما سيسيل به قلمه على لوح الأقدار المكشوف،هذه المرة،لا المحفوظ ! وكأننا ما نزال ننظر إلى صراع وجودنا نظرة شاعرية،تستبدل الحركة والفعل الناتجين عن الدرس والتحليل والرصد الموضوعي،بإنثيالات عاطفية،وتهويمات مدغدغة،وبلاغات لفظية،لا تعمل على تحويل الدّم إلى حبر فحسب،بل أيضا على تحويل الشهادة إلى رمز،والألم البشري إلى مجاز،والفجائع اليومية إلى استعارات وتوريات..!

والسؤال الذي ينبت على حواشي الواقع: هل تعدّ قصائد الشعراء وكتابات الكتّاب وخطابات الخطباء مشاركة في المقاومة،أم أنّها ليست سوى تعويض مرض عن العجز عن المشاركة الحقيقية فيها ؟

وبسؤال مغاير أقول: هل من شأن هذه الكتابات أن تسهم في تحرير الأرض وإنقاذ الإنسان،أم أنّ جدواها تقتصر على تحرير ضمير كاتبها من وطأة الإحساس باللانفع،وإراحة ضمائر متلقيه من الرهق الذين يرين عليها،بسبب ما تعانيه من شلل شامل..؟!

وحين يستعمل أحدهم لغته لتصوير انطلاقة صاروخ أو نظرة غضب أو مصرع طفل أو نواح أم…هل يكون في روعه أنّ صوره أصدق وأبلغ وأبعد أثرا من صورة الحقيقة التي رآها عيانا،أو عبر ما تبثه أجهزة الإعلام صبح مساء ؟!

إنّ مقاومة”متلفزة” لهي محظوظة بمقياس ما بالنسبة إلى سابقاتها،منذ عشرينات القرن الماضي.لكن”التلفزة” أيضا لها أعراضها وأخطارها الجانبية،فبدا الإعلان للحظة يقتسم الجنازة على شاشة واحدة.

وبدت الندوة بديلا  عن أية مشاركة،وهكذا تحوّلت فروض العين إلى سلسلة لا نهائية من الإنابات والترميز،والإراحة من شر القتال !

وكأنّ الترميز تحديدا في بعده الإقتصادي كالتبرّع وتوائمه قد اختزل التراجيديا كلّها إلى مجرّد حادث سير كبير،أو نكبة طبيعية،وكأنّ الفلسطيني قد اندلع من القمقم،وطفا على دمه من أجل الخبز أو إعادة بناء بيت منسوف.

إنّها حرب استقلال ،تعرضت إلى تحريف،وأصبحت الآن في حاجة إلى إعادة (تعريف) كي لا تغتسل الذاكرة الآثمة بحفنة دولارات،وتحقّق التوازن الوهمي في لحظة أصبح الدّم فيها يحدّد منسوب كل شيء !

ما أريد أن أقول ؟

أردت القول أنّ الوجدان الأدبي حوّل المقاومة الفلسطينية الباسلة إلى (ممدوح) جديد،فتشابهت المدائح حتى الشحوب،ولم ترتق إلى مرتفعات هذه المقاومة الفذّة،وفي غياب الجدل الحيوي بين المكتوب عنه والكاتب،تكون الخسارة محتمة للمكتوب عنه،لأنّه يتعرّض إلى تنميط،واختزال،وبالتالي لا يقرأ من البحر كلّه إلا سطحه الأزرق المتموّج.

فالمقاومة مبثوثة في الأنساغ كلّها،وعلى من يبحث عن موقع بجوارها،أو في مدى توهّجها أن يعثر على مقاومته،لغة ورؤى،وأن يستغيث بها  للتحرّر من المديح الذي تورّطت به الثورات العربية كلّها خلال نصف قرن !

وسيبقى السؤال مفتوحا على آفاق لا آخر لها،تنبعث فيها المقاومة كالعنقاء وهو..أيهما أنجز الآخر؟ أيهما سينجز الآخر،الوطن أم مقاومته.؟

أم كلا الإثنين،سينجزان عربيا حرّا خطوته الأولى على هذه الأرض..فلسطينية..؟؟

لهذا ولذاك نتطلّع جميعا إلى ملحمة البطولة التي تمثّلت على الأرض بالمقاومة،والتي ستتجلّى في تصحيح التاريخ بأمثولة تكتب لكل الشعوب ملحمة خالدة تقاوم الموت المتعسّف وتكشف زيف قوّة الذراع والسلاح،لتمجد ألق الرّوح الشعبية التي تكتب الشعر بإيقاع الإنفتاح على الخلود.

..حين أوشك الشهيد ياسر عرفات أن يغادر بيروت المحاصرة،سأله أحد الصحافيّين من غير العرب: إلى أين أنت ذاهب ؟

أجابه الرجل: إلى أين؟ طبعا إلى فلسطين.

اليوم،وفي كل موضع من الأرض المقدّسة،من البحر إلى الغور،يذهب الفلسطينيّون،بطرائقهم الخاصة ،وطرقهم هم،إلى فلسطين العجيبة..

سلام هي فلسطين


محمد المحسن



ههنا سيدتي..يبرق الشوق أوجاعه..إلى سدرة المنتهى بقلم الناقد والكاتب الصحفي محمد المحسن

 ههنا سيدتي..يبرق الشوق أوجاعه..إلى سدرة المنتهى


إلى تلك التي مازالت تتجوّل في خراب يسكنني..ووحدها تراه..


..وقد نسيتُ سيدتي

أن أدقّ على بابك هذا الصباح

أو أن أهزَّ دوالي كرمتك

                       في المساء

..وقد فاتني أن أهديك نبض الفؤاد

هديلا

لكنّني ما استطعتُ

وأقسم:كنت الوفيَّ لعطرك المشتهى

وأقسم أنّي هززت غيوم المدى

ثم علّقت كلّ الجراح

بسرّ جليل

وأنهضت من ثغرك

                         بيرقا..يتلألأ

على عتبات الدجى

           ووضعت شمسا بكفّي

أستضيء بها 

      كلّما هلّ في الرّوح ليل

أو..بعثرتني الفصول على ضفة الجرح

شتيتَ رؤى..

***

ههنا،يهجع القلب

           مستمسكا بعرى المستحيل

ها قد خسرت الرّهانَ 

                        في مفرق للهدى

وها كل النوارس ترتحل 

          صوب الأقاصي

قُبيل الأصيل

كي تطرّز لعينيكِ

        اخضرار الحنين،اللظى

في الأفق يعانق احتدام البحار..

تعالي هنا،فقد دنا البعد بين المسافات

وما كان غيمي بخيلا..

تعالي إلى سدرتي

                          كي أعانق فيك..

المساء الأخير

فالجدب أورق في الجرح

وتهدّل منّي الشذا

تعبت روحي..

وعصفت بنرجس القلب

رياحُ الأصيل..

***

ههنا سيدتي..

  يبرق الشوق أوجاعه

   إلى سدرة المنتهى

يصهل القلب..

يفيض

وفي فيض التشظي..

تصرخ الرّوحُ..

لكنّ غيمَك مرّ بحذوي..

رمى عطرَه

فوق طحالبَ وجدي...

ومضى..

كي أظلَّ في هدأة الليل

                         وحدي

أراود حلما جميلا..

ينأى..

ويدنو

ثم يرنو بغير اكتراث 

             إلى نجمة في الأقاصي

أراها تضيء وتخبو..

وترحل عند احتدام الغيوم إلى..

تُرى؟

هل أظلّ في حِرقة الصّمت

 أهذي

أطوف بسرّي 

          حول كلّ الأحاجي

وأحطّ كطير شريد 

       على غير سربي؟! 

أم أنتشي لإنهمار الفصول قليلا

وأسرِج كلّ المواجع

                    لقدومكِ المرتجى

ثم أمضي في المدى..

أجرجر خلفي

                   خريف الأماني

قبل أن ينهمرَ الوجدُ منّي..

          ويدركني الشتاء؟


محمد المحسن




حتى تصان كرامة المثقف في وطنه..وتحترم كلمته..! بقلم الناقد والكاتب الصحفي محمد المحسن

حتى تصان كرامة المثقف في وطنه..وتحترم كلمته..!


” المثقفون يأتون لحل المشاكل بعد وقوعها، والعباقرة يسعون لمنعها قبل أن تبدأ” (البرت أينشتاين)


“المثقفون لديهم مشكلة:عليهم تبرير وجودهم.”(نعوم تشومسكي)


-إني أرى فى العيون العميقة لون الحقيقة..لون تراب الوطن..( الكاتب)


تصدير : أن تشعر بالغربة وأنت فى وطنك بين أهلك وناسك ذلك هو الاغتراب،أو بعبارة أبوحيان التوحيدى «هذا غريب لم يتزحزح عن مسقط رأسه ولم يفارق مهب أنفاسه وأغرب الغرباء من كان غريبا فى وطنه» تلك كانت حال كثير من المثقفين فى عالمنا العربى قديما وحديثا،ولعل أبا ذر الغفارى واحد من أبرز النماذج على اغتراب المثقف العربى فى وطنه.


لا تغيب تجليات الأزمة العربية الراهنة ثقافيا عن رجل الشارع العربي البسيط،في ظل عصر الفضاءات المفتوحة والمباشرة،فكيف بالمراقب الخبير والمطلع على تفاصيل المشهد الراهن وتعقيداته ببلادنا،التي على وشك أن إن تمادت في نهج المزايدات السياسية والمناكفات الفجة إلى المربع الأول،مربع الظلم والقهر والاستبداد بعد أن كناعلى وشك تجاوزه نهائيا، وإلى غير رجعة.

فقد مثلت-ما يسمى-ب”ثورات الربيع العربي”المفاجأة واحدة من اللحظات التاريخية العربية الفارقة،التي بنجاحها قد تعيد تعريف كل مفردات هذه اللحظة العربية والإنسانية من جديد،بعد أن فقدت الكثير من هذه المفردات دلالاتها الاصطلاحية كاملةً،ولهذا كُثر المتآمرون داخليا وخارجيا على هذه الثورات التي تونس ليست إستثناء من تداعياتها..

والثقافة هي التي تعطى للحياة البعد الجميل وهي التي تشعرنا بجمالية الإنسان في كل أبعادة وبجمالية الكون أيضا.والعلاقة بين الإنسان والثقافة علاقة قديمة للغاية بل هي ملازمة له منذ ميلاد الإنسان الأوّل،ومنذ اللحظة الأولى للإنسان تأسسّت معادلة مفادها أنّه لا إنسانية بدون ثقافة،ولا ثقافة بدون إنسان،ولا إزدهار ثقافي بدون الحوار بين كل الرؤى و الأفكار المتعددة .

ولأجل ذلك كانت الثقافة هي السلاح الذي إعتمده الإنسان في تأكيد ذاته وحريته،وتأكيد أنّه خلق ليعيش حرّا.

وعلى إمتداد التاريخ البشري أستخدمت الثقافة لمواجهة الظلم وإحقاق العدل،لمواجهة الديكتاتورية وإحقاقالديموقراطية والحريّة،ويؤكّد التاريخ تاريخ الإنسان مهما كان لونه وشكله ودينه وقوميته أنّ المبدعين والمثقفين هم الذين قادوا التغيير وهم الذين مهدّوا للتطورات الكبرى التي عرفها التاريخ،والفلاسفة والأنبياء والشعراء والكتّاب والروائيون ما هم إلاّ بشرا من نوع خاص.هم بشر يحملون همّا ثقافيا ويهدفون إلى تغيير حياة الإنسان نحو الأفضل.

إن مصير البشرية سيكون مظلما بدون ثقافة تعددية،و القصائد والأشعار والروايات والأفكار التي تحدّت العسكريتاريا في العالم الثالث ستتحوّل إلى منارات لأجيال الغد.

وأكبر دليل على ذلك أنّ الأفكار والثقافات كانت وراء كل التغييرات الكبرى الإيجابية التي عرفها التاريخ..

و هنا نقول جازمين أن الثقافة الوطنية هي إرث يجب أن نعتز به نضيف إلى سياقها ومساراتها و لا يمكن أن يتأسس الحوار على إستئصال هذه الثقافة لتحل محلها ثقافة أخرى فرضتها الكوكبية و العولمة وأفكار أخرى موغلة في الدياجير ..

وإذن؟

المثقف إذا،الذي يشكل عاملا إضافيا و رقما صعبا في معادلة التكامل الثقافي هو ذلك المثقف العضوي (مع الإعتذار لغرامشي) الذي يضحي من أجل أن تسود أفكاره و أفكار الآخرين، وينطلق عقله من قاعدة التحاور مع عقول الآخرين لصناعة دولة ومجتمع الرفاهية للإنسان العربي الذي تخبط في تجارب فردية ساهمت في تراجع مشروع التنمية و النهضة..

و الثقافة في مطلقها الحضاري هي التعددية وتشريك المثقف في بناء حضارة بلاده..

والمثقف لا يمكن أن يكون أسير فكرته ومنطلقاته فذاك سيؤدي إلى تحجيم العقل و تطويقه، والمثقف الحضاري هنا..أو هناك هو ذلك الذي يتشاور و يتحاور و يتجادل ويتبادل الأفكار،لكن في نهاية المطاف ينصاع للفكرة البناءة العملاقة التي تردف الدولة والمجتمع بأسباب القوة والمناعة و الحصانة من عوامل التعري و التآكل .

كما أن المثقف-أولا وأخيرا-هو ذاك الذي يكرس ثقافة الحوار كمبدأ و يجيد السماع والنقاش وإستخلاص المعادلات من الأفكار البناءة.

و الحوار هنا : هو الحوار بين أبناء الشعب الواحد حول آليات تسيير الدولة أو النهج السياسي المتبع أو الثوابت و المتغيرات التي يجب إتباعها في مسرح دولي متعدد تهب رياحه العاتية من الجهات الأربع،كما أن الحوار قد يكون بين الشعوب والحضارات و التشاور والتفاعل الثقافي بين الشعوب من سمات الراهن البشري و مجالات الحوار الحضاري تشمل الحوار المتفتّح في المجال الديني و المجال السياسي و الاقتصادي وغير ذلك من مجالات الحوار ..

وتونس اليوم تتهودج في ثوب الديموقراطية الذي خاطته أنامل ضحّت بحياتها في سبيل أن ننعم بكلمة”لا”حين يقتضيها المقام-..في زمن كانوا يريدونها بالأمس-دوما-“نعم”.

وبالأمس القريب-ما قبل إنبلاج فجرالثورة البهيج-قلت:لا..بملء الفم والعقل والقلب والدم و”أدنت” تبعا لهذا-الموقف الرافض-بجسارة من لا يهاب لسعة الجلاد بكل عقوبات جهنم من”إقصاء..تهميش..تجاهل، نسيان..ومراقبة أمنية لا تخطئ العين توحشها الضاري..إلخ

وهنا أختم بكلمة أخيرة منبجسة من خلف شغاف القلب: التكريم الحقيقي للمثقف..هو أن تصان كرامته في وطنه..وأن تحترم كلمته..ومن هنا تجدر الاشارة إلى أن الكرامة التي أقصد إلى إثارة الانتباه إليها ها هنا، ليست تلك الكرامة التي يربطها البعض برغد العيش وهناء البال،والتي يحققها التمتع بأزاهير الحياة من مطالب طينية،حيوانية،رخيصة،إنما الكرامة التي أقصدها هي مُعْطًى فطريٌّ جاء مع الإنسان إلى هذه الحياة، وليس لأحد أن يَمُنَّ به على أحد. فالتكريم ثابت في حق الإنسان “وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ” (الإسراء،70)،وهو “ملكية فردية” له،لا يحق له أن يتنازل عنها.ومن فرَّط فيها ضلَّ الطريق،وسار إلى إهانة نفسه،لذلك لا أعتبر الكرامة “مطلبا” بالمفهوم النقابي للكلمة،لأنه لا أحد قادر أن يمنحها لك،ولكنها “مِلْكٌ”من فرَّط فيه،أهان نفسه،وأوردها مهالك الاستغلال،والإهانة،والعبودية.

إن ثورة الكرامة إذاً،هي ثورة الحكم العادل الذي يحترم حقوق الإنسان وقدرة الأفراد على تقرير مصيرهم واختيار نمط الحياة الذي يريدون.

والسؤال الذي ينبت على حواشي الواقع :  ألا يشعر مثقف عربى حقيقى بطمأنينة القلب والروح فى وطن لا يؤمن بالإبداع ولا يعرف حقا للمبدع فى الاختلاف، وطن يرزح تحت جبال من الموروثات العقيمة والقيم البالية التى تتنافى مع روح المبدع المنفتح دائما على آفاق رحبة تتجاوز سلطة المجتمع وسلطة الحكم بل وتتجاوز ذات المبدع فى بحثه المضنى عن واقع أفضل وعالم أجمل وأسمى.؟!

وأرجو أن يستساغ سؤالي " البريء"  جيدا..وأن لايقع إخراجه عن سياقه الموضوعي..


محمد المحسن




حتى يكون الإعلام العربي أفضل أداة لتحقيق الديمقراطية..وأبلغ لسان في التعبير عنها.. بقلم الناقد والكاتب الصحفي محمد المحسن

 حتى يكون الإعلام العربي  أفضل أداة لتحقيق الديمقراطية..وأبلغ لسان في التعبير عنها..


"إن الفن الذي ينظر إليه بعض الشباب الآن تحت أي شعار كان..لا يقل خطورة عن السلاح الرديء…" غسان كنفاني


لمَ لا نستجيب للمتغيرات العالمية وتنخرط في التاريخ، ليس بغرض الاستسلام لتراكماته ودراميته البسيطة، لكن لاعادة بلورته وصياغته والفعل فيه! لم ندرك بعد أن الإعلام سلاح متعدد الاغراض ولعل من أخطرها: الاختراق والهيمنة…

وهذا ما يستخدمه الغرب ضدنا بدهاء متفاديا الحروب وإراقة دماء جنوده؟!

 أليس وطننا سوقا للاستهلاك: تجريبا وتخريبا، انطلاقا من إشباعنا بالمواد الاعلامية الهابطة مرورا بسياسة التمييع والتهميش! 

أليس بامكاننا الارتقاء بالخطاب الاعلامي العربي الى مرتبة التحديات التي يمليها ـ الراهن الاعلامي الكوني طالما ان لأثريائنا المال والنفط وبريق الذهب،ولمثقفينا الكفاءة الفكرية والأدبية ما يؤهلنا ـ للتموقع ـ في الألفية الثالثة بإرادة فذة وعقول مستنيرة!

وظيفة الاعلام..

إن الحديث عن دور وسائل الاعلام ووظائفها في الوطن العربي لا يزال يريق الحبر الكثير لا سيما وأننا نمر بمرحلة متخمة بالتحديات،حيث يحتدم الصراع بين العرب في ـ الجنوب ـ وبين الغرب -في شمال العالم الصناعي المتقدّم بما من شأنه أن يدعونا الى ضرورة تأكيد الذات وإثبات الهوية عبر المحافظة على الأصالة وإنتاج الصورة الحقيقية والفاعلة لحضارتنا ففي ضوء الرؤية العالمية الجديدة للإعلام والتي حوّلته الى مكسب مادي يخضع لقواعد اقتصاد السوق تجد وسائل الاعلام نفسها مدعوة الى مزيد التحرر من قيود السيطرة والبيروقراطية كي يزداد دورها الإيجابي في خدمة الأهداف الوطنية والقومية والإنسانية وحتى تواكب وتعايش قضايا الشعوب واحتياجاتها بصورة أعمق وأقوى. ولعل من خلال طرحنا للتساؤلات التالية نستسيغ مدى أهمية وسائل الاعلام في تفعيل الواقع العربي الراهن محليا واقليميا ودوليا، ومدى قدرتها على مواكبة الراهن الاعلامي الكوني:

ـ الى أي حد يمكن تخصيص قسط من الموارد المتاحة للدولة قصد استثماره في بناء ودعم النظام الاعلامي؟

ـ ما هو مدى الحرية التي يمكن تقريرها لوسائل الاعلام أو ما هي حدود الرقابة على هذه الوسائل؟

ـ هل للقطاع العام كما للقطاع الخاص دور فعال في التنمية الاقتصادية لوسائل الإعلام؟

ـ ما هو مدى التماثل والتوافق المطلوب؟

- وما هو مدى التغاير والتنوع المسموح به؟

*فجوة كبرى

إن طرح هذه الأسئلة قطريا وعربيا أمر مؤكد، فالإعلام وفي عالم ما فتئت تزداد فيه الفجوة بين الدول المتقدمة والنامية حيث يختل التوازن في تبادل الأنباء والأفكار فيما بينها، يحتاج الى أن يرتفع الى المستوى الاقليمي لمواجهة التسلط المفزع لوسائل الاتصال في الدول المتقدمة، مما يستوجب رؤية مغايرة لما عليه نظامنا الاعلامي اليوم، إذ لا بد من ايجاد معادلة حتى ولئن كانت عسيرة بين إتاحة المجال لاختلاف الآراء وتنوعها وإتاحة تلقي أفكار الثقافات المتعددة وتداولها، وبين ضرورة المحافظة على القيم الأصيلة للشعب وذاتيته القومية، فالتجربة أثبتت أن التناقضات سافرة، بين ما تمنحه دساتير معظم البلدان العربية من حريات: حرية التعبير وحرية الصحافة، وبين ما يشهده الواقع من ممارسات للتضييق على الصحافة وللحد من مقدار الحرية التي تتنفس من خلالها، وظلّت تبعا لذلك الشكوك تحوم حول إمكانية أداء الإعلام العربي لوظيفته المطلوبة وهي إشاعة الحرية والديمقراطية في الحياة العربية. إن الحاجة تدعو الى ترابط المواطنين وتجانس أفكارهم حول الأهداف الوطنية المطروحة، والإعلام له دور بالغ الأهمية في تشكيل الذاتية الوطنية وتقوية وحدتها والتصاقها حول أمهات القضايا، مثل الموقف الاعلامي من الصراع العربي ـ الاسرائيلي في كل أقطار الوطن العربي، كما أن له دورا فعالا في صياغة العلاقات بين الأقطار، فتوتر الأوضاع بين الدول العربية مردّه سوء استخدام وسائل الإعلام، وكذا ـ ايغال ـ بعض المؤسسات الاعلامية العربية في ـ النرجسية وجنون العظمة ـ الى درجة تجعلها تلفق التهم، تسوق الأوهام والأراجيف و ـ تسيء ـ بالتالي ـ دون وعي منها ـ لدولة عربية تصاغ قراراتها السياسية وتنجز مشاريعها التنموية تحت شعاع الشمس ـ وذلك تحت شعار ـ مخاتل ـ: الرأي والرأي الآخر!

*هل عجزنا..؟!

ان عجزنا على اقتحام قنوات الاعلام العالمي التي ـ تصهينت ـ لا يبرّر تقصيرنا في الاهتمام بذاكرتنا والتأسيس لهويتنا ودعم ثقافتنا والتنبيه لمخاطر المد الاعلامي المعولم الذي يهدف الى تخريب القيم الأصيلة للمجتمع وتهميش سلوكيات الأطفال وأخلاقيات الشباب بسبب ما يعرضه من برامج تهدف الى خدمة الغرب وتكريس صورته في عيوننا وهي التي نستوردها من أوروبا وأمريكا لدرجة ثبت معها أن تلك البرامج أكثر تدميرا من أي عامل مؤذ آخر ولعل في قولة ـ غسان كنفاني ـ خير دلالة لما نروم الاشارة إليه: إن الفن الذي ينظر إليه بعض الشباب الآن تحت أي شعار كان لا يقل خطورة عن السلاح الرديء…

إن الأهمية المتنامية للإعلام في عصرنا الحالي كسلطة رابعة توفر فرصة لكل الدول العربية لطرح كل القضايا، ومناقشة أفضل السبل التي من شأنها أن تؤدي إلى حلول يقبل بها الجميع لاسيما وان الإعلام يلعب دورا في سدّ الهوة الرقمية بين بلداننا العربية والبلدان المتقدمة ومعالجة قضايا المجتمع المدني والقطاع الخاص في عصر العولمة.

فالظروف التي تمر بها الدول العربية تفرض على الإعلاميين ضرورة الالتزام بمسؤولياتهم الاجتماعية، وعدم تغليب الاعتبارات المهنية الضيقة على الاعتبارات الأخلاقية العامة، وكذلك العمل للصالح العام، وبث روح التفاؤل والطموح في مجتمعاتنا العربية حتى تحقق ما رسمته لنفسها من سياسات تنموية تحديثية، يمثل الإعلام -ولا شكّ- إحدى ركائزها الأساسية.

ومن هنا يجوز القول إن الإعلام العربي بوسعه أن يرتفع الى مستوى مسؤوليته،إذا ما استخدم على نحو رشيد في تكريس رسالته لخدمة الأهداف الاجتماعية والاقتصادية والإنمائية وهو بالتالي قادر على أداء مسؤولياته في مختلف المجالات وأن يكون أفضل أداة لتحقيق الديمقراطية وأبلغ لسان في التعبير عنها، بدلا من نشر الأكاذيب وانصاف الحقائق… ومن ثم المزايدة على ـ بلد عربي (تونس) ـ ينحت دربه الحضاري بإرادة سياسية فذة، وتفاؤل خلاّق،ويؤسس بالتالي للارتقاء بحقوق مواطنيه ـ فكرا وممارسة ـ الى منصة الاحترام الدولي.


محمد المحسن



جماليات التجريب..في قصيدة النثر النسوية بقلم الناقد والكاتب الصحفي محمد المحسن

 جماليات  التجريب..في قصيدة النثر النسوية


قد لا أجانب الصواب إذا قلت أن قصيدة النثر خيارٌ جماليٌّ تقدم بناءً وفضاءً شعريا بمعايير فنية مغايرة لما هو سائد عن الصورة الذهنية التي كوّنها القراء منذ قرون طويلة عن الشعر العربي الذي يعتمد على الوزن وتفعيلاته. وهي تساعد القارئ على أن يكون خلاقا في استخراج الدلالة النفسية والفكرية وفرادة الرؤية التي يمتلكها شاعر عن آخر دون أن يكون واقعا تحت تأثير الموسيقى والصور المجازية المفرطة.

وإذن؟

إن قصيدة النثر إذا،هي موقع المواجهة-على حد تعبير باربارة جونسون ـ بين الداخل والخارج، حيث تقوم على حالة المفارقة والتقابل في التصور الذهني بين الشعر والنثر.

وهنا أضيف:

إن قصيدة النثر تنبني على المفارقة في فلسفة بنائها، ليس فقط على المفارقة المتضمنة في العنوان (قصيدة/ النثر) إنما أيضا المفارقة في فلسفة رؤية شاعرها المنتج لها للعالم، فسوزان برنار أحد أهم منظري قصيدة النثر الفرنسية ترى أنها:”ترتكز قصيدة النثر في شكلها، وفي مضمونها على اتحاد المتناقضات، نثر وشعر، حرية وصرامة، فوضى مدمرة، وفن منظم… ومن هنا منبع تناقضها الداخلي، ومن هنا تتأتّى تناقضاتها العميقة والخطيرة والمثمرة، ومن هنا يبرز توترها الدائم وديناميكيتها”(1).

ولادة قصيدة النثر النسوية:

تكشفت التحولات الدالة لقصيدة النثر بوصفها فضاء شعريا مفتوحا عن انبثاق صيغة جلية للكلام الجمالي النسوي، أصبحت فيه المرأة العربية المبدعة أكثر تفتحا وإشراقا وتعبيرا عن همومها الحقيقية بشكل غير مسبوق في الشعرية العربية القديمة والمعاصرة على السواء، حيث كان من نتائج التحولات الجمالية المثمرة لقصيدة النثر احتضان الصوت النسوي شعريا ليعبر من خلال هذا الشكل بمعياريته الفنية المفتوحة، حيث تجلت ظاهرة القصيدة النثرية النسوية بوصفها إحدى الفعاليات الجمالية المبدعة التي مارست المرأة فيها الكتابة بشكل مطلق، لا يعتد بالحالة الرومانتيكية البسيطة التي كانت تصنف ضمنها كتابة المرأة العربية، أو بالأفكار الأولية التي كانت تحصر كتابة المرأة في نطاق ما هو سردي يتوخى في الأساس الكتابة عن الآخر، وعن التعبير عن بعض إشكاليات القهر أو الحب، أو التجارب الوجدانية الصغيرة .

وفي قصيدة النثر تمردت المرأة الكاتبة على هذه الآفاق الضيقة التي كانت تنحصر فيها كتاباتها الإبداعية، وكانت تتقوقع تحت مفاهيم الكتابة الوجدانية، مما وضع هذه الكتابة تحت مأزق مفهوم: «الكتابة النسوية» الذي شكل مفهومه نشاطا نظريا وتطبيقيا في اتجاهات النقد الحديث، وتشير إلين شوالتر Elain showalter في دراستها: «نحو شعريات نسوية» Towards a Feminist Poetics إلى أن «النقد النسوي يمكن أن ينقسم إلى نمطين جليين، النمط الأول: هو ما ينتمي إلى المرأة بوصفها قارئا للنتاج الأدبي، مع الحفاظ على فرضية تغيرات القراءة النسوية بالنسبة لمعطيات النص، التي توقظنا بدلالاتها وشفراتها الجنسية، وسوف أسمي هذا النمط بـ«النقد النسوي التحليلي»، أما النمط الآخر من هذا النقد فهو يرتبط بالمرجعية التاريخية..وبالأيديولوجيا، وبالظاهرة الأدبية، فهذه الموضوعات تتضمن: الصور، والكتابة التسجيلية، وأدب المرأة» (2)

وعلى الرغم تجليات هذا النقد النسوي، فإن المرأة حوصرت به، بشكل يميز بين كتابتها وكتابة الرجل، فاتجهت مدفوعة بشحنة هائلة من الصمت اللا إرادي، وبحالة من القهر الذي مورس عليها من قبل أدبيات المجتمع العربي الراسخة التي تنظر في مجملها بدونية إلى المرأة (3) اتجهت إلى كتابة هذا الشكل الشعري الذي عثرت فيه على مطلق جمالي مفتوح يمزج بين ما هو نثري وما هو شعري، ويضع الشرط الجمالي في مرتبة تالية للرؤية، والتعبير، والحالة، وينفتح أكثر على مكنونات الذات، وجوهر الواقع .

لقد أصبحت قصيدة النثر بخواصها السردية -الشعرية أكثر ملاءمة للكتابة النسوية، ويشير صلاح فضل إلى ذلك بقوله:«أول ما يتبادر إلى الذهن الآن أن هذا الجنس المهجن الجديد قد أصبح أكثر الأشكال الفنية تلاؤما واتساقا مع (صوت المرأة) الحاد الرفيع، الذي أخذ يشق فضاء الثقافتين العربية والعالمية، ويزاحم أصوات الرجال الجشة وإيقاعاتهم الخشنة المسرفة» (4)

إن هذا الصوت يتجلى الآن بوصفه نوعا من الخلاص من الهيمنة الذكورية التي كانت لفترات طويلة تمثل وسيطا بين المرأة والقارئ، حيث أصبحت المرأة اليوم تعبر عن قضاياها بنفسها، خاصة تلك القضايا التي تمس خصوصيتها وذاتها.

ومع أنه ليس من العدل-فيما يشير صلاح فضل-أن نعتبر قصيدة النثر (شكلا نسائيا) في الكتابة الشعرية، لأن مبدعيها الكبار كانوا رجالا في جميع اللغات، إلا أن المرأة – خاصة العربية – يمكن أن تعثر فيها على الوعاء المناسب لصب تجربتها المكتومة المكفكفة عبر عصور مديدة، لبث شجونها ونفث همومها وتحقيق ذاتها في نوع يثير غيظ المجتمع الذكوري الرشيد، فهي لم تعد مجرد صوت يترنم صادحا بأقوال الرجال، مكررا لنغماتهم، مكرسا لمنظومة قيمهم، وإنما آن لها أن تسترد صوتها المبحوح وكلامها المتكسر ونبرتها الحميمة الصادقة» (5)

الوعي النسوي لا يكتفي بإدراك النساء لوضعهن الثانوي في المجتمع باعتباره وضعا ظالما مفروضا عليهن في السياق الأبوي السائد، إنما يتجاوز ذلك إلى مرحلة الفعل الإيجابي المتمثل في السعي لتغيير تلك المكانة الهامشية بطرح رؤية بديلة تدحض رؤية المتن السائدة عن النساء.

وهو ما تعبر عنه ماجي همّ في تعريفها للنسوية باعتبارها “مفهوما يتضمن قاعدة المساواة في الحقوق، كما يتضمن توجها فكريا يسعى لتحقيق تحول اجتماعي يهدف إلى خلق عالم يسع النساء دون الاكتفاء بمجرد المساواة”

ورغم ارتباط الدرس النسوي بمفهوم الجنوسة، أي الفصل الواضح بين البيولوجي والاجتماعي، الذي يرى أن مفهومي الذكورة والأنوثة لا يتحددان مسبقا من خلال الجسد، بل إنهما يتكونان من داخل الثقافة التي ينتميان إليها، وعلى ذلك فإن الأنثى مسألة جنس بينما الأنوثة مسألة ثقافة.

فإن هناك بعض الأصوات النسوية تقاوم هذا التعارض المزدوج لمسألتي جنس وجنوسة، وترى أن الاختلافات الثقافية تظل مغروسة في المعطيات البيولوجية. وحديثا فإن بعض النسويين –مثل تيريزا دي لوريتس- يرون أن مسألة الجنس نفسها قد تكّونت تاريخيا، وأن تمييز الذكر/الأنثى اعتمد على افتراضات ثقافية كالتي اعتمد عليها تقسيم الذكورة/الأنوثة.

لذلك نجد أن الموضوعات التي تتعامل مع طبيعة التجربة الأنثوية تعد معلما أساسيا من معالم النص النسوي، كتجربة الزواج والجنس والأمومة، وما ذلك من موضوعات ذات صلة كبيرة بالمرأة يتحكم فيها النوع البيولوجي وما ترتب عليه من أدوار اجتماعية وأنماط ثقافية محددة.

يبقى أن نشير إلى دور النقد الأدبي النسوي الذي اتسم في مرحلته الأولى بالتركيز على صورة النساء في الأدب، ثم ركز بعد ذلك على التأصيل للكتابة النسائية مع الاتجاه إلى تمثيل النساء عامة على اختلاف خلفياتهن الطبقية والعرقية وميولهن الجنسية، مستندا إلى مفاهيم كـ “السرديات العليا” لتفكيك الهيمنة الأبوية في تاريخ الأدب والنقد، ومعتمدا على نظريات ما بعد الحداثة التي تدعم قيم الاختلاف والتعددية والتنوع، باعتبارها قيما أصيلة في التحليل النسوي.

فتناول النص الأدبي من منظور نسوي يستدعي “التركيز على وضع المرأة في النص كذات وكموضوع، وضرورة البحث عن الصوت السائد والكشف عن الأصوات الخفية، وتأمل سمات الهوية ومدى تمتع المرأة بسلطة السرد وتمثيل الذات”؛أى قدرة الكاتبة على التعبير عن حياة النساء والموقف الايديولوجي -السائد والمطروح.

ويسلط النقد النسوي الضوء على تجارب النساء الخاصة، والسمات المشتركة التي توحد الصوت النسوي في مواجهة التهميش والتشويه، والتي تجعل من تلك التجارب المشتركة ثقافة هامشية أو فرعية في إطار الثقافة السائدة في المجتمع.

ومن هذا المنطلق ستعنى الدراسة في قسمها الثاني بالتطبيق على أعمال مجموعة متنوعة من شاعرات قصيدة النثر اللاتي ينتمين إلى خلفيات مختلفة، لكن يتفقن في الرؤية النسوية وفي المنظور النقدي لقضايا التعبير النسوي وموضوعاته.

ملامح التجريب في قصيدة النثر النسوية:

تهتم الدراسة في قسمها الثاني الوقوف على ملامح التجريب في قصيدة النثر النسوية سواء على مستوى موضوعات الكتابة وأشكال التمثيل، أو على مستوى الشكل الفني وآليات التعبير عن تلك الموضوعات.

فقد تخطت الشاعرات الموضوعات التي حددها المتن الثقافي والاجتماعي بوصفها موضوعات للكتابة النسائية والتي كانت تندرج تحت ما يمكن تسميته بـ “الكتابة الوجدانية”، ومن هنا نجد عددا من الموضوعات البديلة التي تطرحها الشاعرة النسوية بوصفها خطابا يتجاوز حدود السائد ويتحرر من قيوده شكلا ومضمونا.

وانفتاح قصيدة النثر على مستويات عدة من الصيغ والأشكال وانفتاح خطابها التعبيري على كافة الأنساق السردية والشعرية، جعلها فضاء مفتوحا للتعبير عن التجارب بشكل أكثر حرية؛ لذلك اتجهت الشاعرات إليها كنمط كتابي قادر على احتواء التجربة الأنثوية التي ظلت خاضعة للصوت الذكوري لفترات طويلة بوصفه الوسيط الوحيد في عملية التلقي بين المرأة والقارئ.

ومن هنا بدأت الشاعرات تعبر عن قضاياها بنفسها وبصوتها الخاص، خاصة تلك القضايا التي تمس خصوصيتها وذاتها، فالمشاكل التي يتعرض لها النساء تختلف عن تلك التي يتعرض لها الرجال، لذلك بدأت الشاعرات بعرض تجربتهن من منظورهن الخاص في خطاب شعري ذات أبعاد رؤيوية وجمالية واضحة، يحرص على عدم محاكاة النموذج الذكوري وخطابه المهيمن.

فقد تعاظم الإنتاج النسوي مع صعود مفهوم النسوية والاهتمام بإعادة قراءة إنتاج المرأة المبدعة، فشهدت تسعينيات القرن الماضي على صياغة مغايرة لنمط المرأة كذات وموضوع. في حين أثار العقد الأول من القرن الواحد والعشرين اتجاها جديدا من النسوية المتحررة وموضوعات جديدة مثل التجارب الجنسية، ووصف الجسد، والكتابة الإيروسية الإيروتيكية.

فكشفت تلك الموضوعات-بوصفها بنية سياسية وثقافية- عن علاقات القوى بين الأنواع الاجتماعية، وهو ما تزامن مع نهاية الموجة النسوية الثانية وبداية الموجة الثالثة من النسوية الأوروبية والأمريكي

جدلية الهيمنة والانعتاق:

هنا أوكّد على أن الهيمنة الرمزية ستقودنا إلى الكشف عن طبيعة الوعي الشعري للنص النسوي وعمق الواقع وتجلياته، فالمرأة تعيش حدثاً شعرياً تحاول فيه تبرير وجودها الإنساني، وهذا التبرير يتماهى ولوعتها كفعل انعتاق ووجود، وهذا الفعل كفيل بالكشف عن طبيعة الوعي الشعري ومدى قدرته في التحول الثقافي الذي تروم فيه المرأة الكشف عن ذاتها في سياق لغوي يضمن لها خصوصية نصوصها الشعرية، هذه الخصوصية التي ستختصر لها الكثير من التداعيات الاجتماعية والثقافية.

عتبات الكشف عن خصائص النص (النسوي):

من أهم عتبات الكشف عن خصائص النص (النسوي) هي (اللغة)، وهذا يعني ببساطة أن هناك خصائص معينة تتميز بها هذه النصوص، ومنها ما اطلقنا عليه بــ (ضمير التأنيث)، الذي سيكشف لنا عن فضاء (الأنثى) وطبيعة لغتها، وأقصد بضمير التأنيث الذي يدور في محور الـ (هي) واسقاطاته النصيّة التي تكشف عن عالم المرأة وحدود تكريسها لهذا الضمير، مما سيتبيّن لنا لاحقاً ان هذا الضمير هو إشارة واضحة تمكننا من التوصل إلى استنتاج مفاده ان هناك نوعاً من انواع المطابقة بين المرأة وابعادها اللغوية، وتلك المطابقة تسعى لإنتاج علاماتي يكرس عالمها.

في الختام أقول:

ثمة التباسات كثيرة ترافق الجسد في حضوره الواقعي ومن أهم هذه الالتباسات ان الجسد (الانثوي) محل اتهامات كثيرة، شكلت هذه الاتهامات في الخطاب الاجتماعي مفاهيم كثيرة تمركزت اغلبها في مفهوم (التغييب) الذي تحكم هو الآخر في تغييب أهمية الجسد في الوعي الشعري النسوي، لذا بات هذا الالتباس المتحكّم بالجسد هو ذاته المتحكم بالنص الشعري، ومن هذا تبيّنَ لنا ان الخطاب الشعري النسوي، خطاب يعاني اشكالية ثقافية إذ خضع هذا الخطاب لحقيقة الاتهامات وسار وفقاً لفلسفتها.

أما بخصوص قصيدة النثر التونسية الراهنة تكمن في حلميتها، وفوضويتها في ثباتها، لا لشيء إلا لكي تؤكد وجودها وهويتها أمام كل العراقيل التي ستظل ترافقها مهما طال الأمد عليها ولعل هذا ما صيّر الأنا في قصيدة النثر كئيبة كآبة دائمة ومفردة فردانية مطبقة.

جماليات قصيدة النثر:

من جماليات قصيدة النثر أنها تحتاج قارئا لا متلقيا كونها لا تكاشف صوتا ولا تفصح دلالة؛بل تراهن على الذي يقرأ سطورها لتتحداه وتبعث فيه التحفيز، مستفزة مخزوناته ومستنفرة حواسه وموقظة ذخائر قراءاته كي يرصد المغيب والمتدارى، وهذه المراهنة على القارئ هي التي تجعلنا نسم قصيدة النثر اليوم،بأنها قصيدة جديدة ما بعد حداثية لا يتم تلقفها كتلقف قصيدة العمود أو التفعيلة وتظل قصيدة النثر حصيلة تأمل وتأنٍ وليست مجرد علائقية

وتظل العلاقة بين الرجل والمرأة إحدى موضوعات الكتابة في قصيدة النثر النسوية،كما تظل علاقة متوترة دائما بسبب خلل ميزان القوى الجندري وعنصرية توزيع الأدوار الاجتماعية بين الجنسين؛ومن ثم فإن صورة الرجل تتأدى بطرق مختلفة في القصيدة النسوية،ويتخذ هذا الأداء عدة أشكال منها نفي للرجل أو السخرية منه أو تمثله في صورة سلبية بهدف نقده وتعرية ما يتباهى بامتلاكه.

ختاما أقول : أن المرأة الشاعرة أضحت على علاقة وطيدة بنصها المكتوب،ودخلت منطقة التجريب الشعري بكل عنفوانها الذهني والإبداعي،بعد عصور من الصمت اللا إرادي،وهي تحاول هنا إثبات وجودها،عبر هذا الشكل الشعري الجديد،بحثا عن ذاتها الحقيقية، وصوتها المعبر،وحريتها المفقودة .

 

 


 محمد المحسن 


المراجع والمصادر:

1- سوزان برنار، قصيدة النثر، ت.زهير مجيد مغامس، معلي جواد الطاهر، دار المأمون.

2- في دراساته المتتالية عن المرأة، بين د. عبدالله الغذامي ما تعرضت له المرأة من تمييز، ومن نظر بدونية إلى كتاباتها، وهيمنة ما سماه ب«النسق الذكوري» على الثقافة والكتابة العربية، راجع في ذلك كتبه الثلاثة التي خصصها عن كتابة المرأة، وهي:«المرأة واللغة» و«ثقافة الوهم» و«تأنيث القصيدة والقارىء المختلف» وهي صادرة عن المركز الثقافي العربي، بيروت، الطبعة الأولى السنوات: 1996، 1998، 1999 على الترتيب.، يقول الغذامي في ذلك:«لقد خرجت المرأة عمليا من مرحلة الحكي، ودخلت إلى زمن الكتابة.ولكنها تدخل إلى أرض معمورة بالرجل أو هي مستعمرة ذكورية. والمرأة لا تدخل الكتابة بوصفها سيدة النص إذ إن السيادة النصوصية محتكر ذكوري . وتأتي المرأة بوصفها ناتجا ثقافيا جرت برمجته وجرى احتلاله بالمصطلح المذكر والشرط المذكر، ولذا فإن المرأة تقرأ أو تكتب حسب شروط الرجل، فهي-لذا- تتصرف مثل الرجل أو بالأحرى تسترجل» انظر: عبدالله الغذامي: المرأة واللغة ص 47.

3- صلاح فضل: قراءة الصورة وصور القراءة، دار الشروق، القاهرة، الطبعة الأولى 1997 ص 107

4- السابق ص 109.

5- صلاح فضل: “عضو المجلس الأعلى للثقافة ” منذ 2003-جمهورية مصر العربية.




حتى لا ننسى مظفر النواب..الشاعر الذي غاص في أقصى حمم اللغة وبلاغتها الجارحة..وسافر عبر أجنحتها إلى تخوم العالم.. بقلم الناقد والكاتب الصحفي محمد المحسن

 إلتقيته ذات زمن بدمشق..


حتى لا ننسى مظفر النواب..الشاعر الذي غاص في أقصى حمم اللغة وبلاغتها الجارحة..وسافر عبر أجنحتها إلى تخوم العالم..


سرت في اتجاهك العمر كله،وعندما وصلت،انتهى العمر”.(الشاعر الراحل مظفر النواب)

-المنفى يمشي في قلبي/في خطواتي في أيّامي/المنفى كالحبّ يسافر/في كلّ قطارٍ أركبهُ/في كلّ العرباتِ أراهُ/حتّى في نومي

يمشي كالطرقات أمامي/في هذا العصر/يكون الإنسان/ويُعرَفُ مِن منفاهُ»(مظفر النواب)


تقديم : مظفر النواب هو إرث ثقافي راسخ وذاكرة وعي لأجيال متعاقبة من الجماهير،حملت قصائده مفردات الحزن والكآبة،ومع ذلك فالقصيدة عنده تكاد تكون بياناً سياسياً،يستند فيها على صدى أمجاد وبطولات من التاريخ،يلتقط فيها اللحظات الأكثر توهجاً في ضمير الأمة،ويؤرخ لفعلها الثوري بشعرية عالية.( الكاتب)


لكي نتعرف على خصوصية وجذور شعر مظفر النواب فاننا بحاجة للرجوع الى قصائده الأولى،وقد وجدنا ان احدى قصائده لم تنشر غير مرة واحدة،ولكنها رغم ذلك تحمل الكثير من هذه الخصائص والجذور فقد نشرت مجلة الطليعة الكويتية لسان حال حركة القوميين العرب بعددها الصادر في السابع والعشرين من نيسان/أفريل عام 1974 ولاول مرة قصيدة الشاعر العراقي الكبير مظفر النواب التي تعتبر من ارقى قصائد الاستشراف الميداني للواقع العربي الذي سيحصل بعد سبعينات القرن الماضي اضافة الى اعتبارها احدى قصائد الشاعر القريبة من قصائد جيل الرواد في الشعر الحديث الذي برز من جيل بدر شاكر السياب والمغذى بجمال قصائد بلند الحيدري ..

وقد يرى الكثير ان ما بين مظفر وجيل الرواد بعدا زمنيا عدا ان احداث قصائد جيل الرواد لم تكن حادة وثورية كما هي في شعر مظفر،هنا لا بد من التنويه انني سوف لن ابحث في عموم شعر مظفر النواب حتى يتحتم على المقارنة بين ذاك الجيل وشاعرنا بقدر قصيدته عروس السفائن ..

وقد اهتم الشعراء بالتعبير عن واقع الامة العربية حتى اضحت القصائد تروي لنا قصة مملوءة بصورة الواقع السياسي والاجتماعي الذي يكتب فيه الشاعر قصيدته.

ويتميز النواب بحدة ومأساوية ذلك مركزا على دور السلطة في ذلك.

ووسط تردي واقع الامة وانتكاساتها التي تعاقبت بعد هزيمة حزيران /جوان 1967 وما ترتب عليه الوضع اهتزت مشاعر شاعرنا النواب…

ومن كان يظن ان اممية مبادئ مظفر النواب تبعده عن احساسه العروبي فتلك حسابات خاطئة واتهامات باطلة لذوق وخلق الشاعر الذي أعقب قصائده بعد عروس السفائن بالكثير من القصائد ذات البعد التعبوي لجماهير الشعوب العربية وتحفيزها ضد حكامها بإعتبار ان الملوك والرؤساء العرب هم المسؤولون عما جرى ويجري حتى الان ..

وهذا ما عنيته اول الامر بالقول ان هذه القصيدة استشرافية لولقع حدث وسيحدث..

ــ عروس السفائن الصقت ظهري الكسير على خشب الشمس فيك

حريصا على الصمت/مدمي من الناس في البر استنجد البحر

ان الحروف ــ المخالب في غيبتي/نهشت ما تبقى من الصبر في مضغة القلب/فلتقلعي يا عروس السفائن جهرا ../فما عدت احلم بين انتكاس الرؤوس ../اذن دارت الشمس دورتها،وارتأتني الرؤى ..نائما تحت ألف شراع …مجوسية قصتي معبد النار فيها .

وقلبي على عجل للرحيل..

اذا كان معتادا ان يبدأ اغلب الشعراء بقصائدهم بالتغني والتغزل بحبيبة القلب ثم تفتح قريحتهم على واقعة القصيدة..فإن مدخل النواب كان انينه وتعبه مما يجري حوله من احداث رغم ان مأساته الشخصية في ابتعاده القسري والذي صار فيما بعد اختياريا وبعدا عن الوطن كان يجب ان يهزه ويبكيه فيما هو عليه من الم الواقع العربي ..

واختيار الشاعر لأداته البحر والسفينة في الانطلاق بهذه القصيدة كان لغرض مصالحة نفسه لنفسه..ولان ذلك يبعد القصيدة عن المباشرة ويجعل صورها اكثر حسية واقرب للرمز والايحاء

اذ يقول ..

بعيدا عن الزمن المبتلى يا سفينة/ان قليلا من الوزر امتعتي المزدهاة/ولن تثقلي بالقليل../سابقي المصابح موقدة في بهاء الصباح،مصالحة بين صحو الصباح وصحوي/وابقي الرياح   دليلي..

ويستمر مظفر في التغني بوحدانية احزانه وانينه على واقع يهز مواجعه حتى تستصرخه روحه الى صياح ومناداة اليمة ..

يستصرخ البحر الذي ركبه وسفينته المفترضة تخيلا او قد تكون حقيقة ذلك ان الشاعر قضى اغلب حياته متنقلا اثقلته انظمة الردة وجراحه منها..كما يقول في احدى قصائده ..

“واه من العمر بين المقاهي لا يستريح/ارحني قليلا فإني بدهري جريح..”

يتواصل انين الشاعر في عروس السفائن صارخا من الالم..

ــ ساصرخ يا بحر..يا بحر ! يا رقص ! يا رب !/يا عتمات/زحار بكل التقاليد،هذا هو الوقت ./فلتعصف الازمات/أم القوم ماتوا /هو الانفلات المدمر ات دويا يغذي دويا/كأن المقادير جاءت لها عجلات../سينتكس الكون مما ستلقي البراكين من حمم/او تكون الحياة..

واذ تحتدم أوجاع الشاعر في تحديد الانظمة التي اتخذت الثورية سلوكا مضاء لها..فنراه يبكي على واقعة جعلها مقدمة لمقطع الدخول الى تشخيص الانظمة المعنية بالصراع حيث ينطلق من سوريا ..

” في مدينة كذا القريبة من دمشق،وبتاريخ كذا..منع دفن طفلة من اللاجئين في مقبرة المدينة لأنها من اللاجئين ،ثم دفنت برشوة..

الا فلينهض المعدمون الصعاليك.قد أوغل الاغنياء ../لقد منعوا دفن طفلة من اللاجئين،لئلا تدنس بغريب ارض الشام ./فليسمع العرب النجباء/لقد كان في الفجر./في مطر الفجر./ في شجر الفجر/اذ منعوا دفنها/عرق الفجر ./فليعرق الفجر/شاهدة عرقت .

ينطق الطين لو ينطق الطين /لكنها الارض ملك لرب العباد ..

ــ وهذه الجنازة اصغر من اصبعي. ــ انما رفضوا/كلهم رفضوا/لا ليس عهدي باهلك يا شام هذا..

ويرحل شاعرنا المهاجر على اجنحة الضيم وحرمان الحنين للوطن,يرحل الى مصر باكيا ويخاطبها برمزها الالهي..فرعون..ذاك الذي عصى ربه وكان جبروتا واهرامه الشاخصة عبر العصور رمزا لحضارة مصر ..

افرعون اسرع/يا من تخلد اهرامك الموت/اسرع !/هناك من يبتني هرما للمخازي/تقزز وجه الالهة،ألهب ظهر الجياد/سياطا .. واقرصها/صمت/قف ايها السادن الابدي/فمن يملكون السدانة قد سرقوا شعب مصر/ زوروا شعب مصر/وقعوا باسم مصر،ومصر براء..

وحتى نأتي الى بنيوية القصيدة وموسيقاها وتفعيلتها لابد ان نتواصل في مسك ختامها حلم الشاعر الذي اختاره قسرا واختيارا ذاتيا..انه العراق،لقد امسك النواب بوابة العراق من نجومه وهو على ظهر سفينته وفي بحره اللجي

عروس السفائن ! ادعوا النجوم الى قمرتي،فأنا الان اولم نذرا/والبس ابهى ثيابي/فقد كنت عند نخيل العراق/وان كان حلما/وكان العراق على مهره عاريا مثلما ولدته السماء/وكان على عتبات العراق الفضاء/وبين ضلوعي،فضاء به نجمة لست ادري بماذا تضاء ..وفي نجمتي تلك يجتمع الله والانبياء ..

وفي فضاء جفاء الشاعر مع عشقه العراق تحتشد في صدره غيوم كثيفة سرعان ما تزيحها امال اي شاعر حالم,وما اجمل من حلم يحمله مظفر النواب لبلده بقوة الشاعر الثائر ../ايا وطني ضاق بي الاناء/كأن الجمال بليل الجزيرة سوف يطول عليها الحداء

كأن الذي قتل المتنبي , لشعري ابتداء/لأمر يهاجر هذا الذي اسمه المتنبي/وتعشقه بالعذاب النساء

وما قدر انه في الجزيرة يوما،في مصر يوما/وفي الشام يوما

فأرض مجزأة/والتجزء فيها جزاء/عروس السفائن كل على قدر الزيت فيه يضاء ..

مظفر النواب في عروس السفائن تعدى في صياغته الشعرية موضوعه المعتاد فباتت العناية باللغة الشعرية متلازمة لموضوعه السياسي وقد تقدم في استشرافه لواقع حال الامة في لغة ثورية لازمته طويلا وطويلا حتى في ما بعد قصيدته هذه اذ كانت هذه القصيدة بمثابة الأساس لقصائده اللاحقة،وكـــأنها قد زرعت نفسها في مسيرة النواب للعشر فضلا عن ذلك السفر في روح القصيدة فقد ظهرت تاثيرات احساسه القومي رغم ايمانه بأممية القضية التي ناضــــــل من اجلها عبر سنوات حياته.

ولم يكن ظاهرا في موسيقى القصيدة اي اضطراب الذي غالبا ما يقع فيه شعراء القصيدة الحرة الطويلة ..

مظفر النواب يكتب من خارج فلول الكتابة،إنه مهندس على المادة الورقية حيث يسور قصائده بقسوة التحدي والتمرد،والمواجهة، والثورة..إنّ الكم الكبير من الاستلاب المتماهي في قصائده يجعل القارئ يعيش ارهاصات وجدانية وتاريخية مجمعة في المادة الشعرية من صور وتشظي وانبناء وانسحاب..الشعر يشبه الوحي، هكذا تقول قصائده،فهو يصدر عن رؤية ورؤيا وكلاهما ضرب من ضروب الامتداد الانثروبولوجي.فجمالية الاستلاب في شعر مظفر النواب تتأصل في انغراس معطياتها وافرازاتها في أعماق تاريخ المعارضة السياسية والتاريخية العربية الرافضة للاستبداد والقاطعة مع القمع وحكم البوليس السري.

لقد سربل النواب ذاته بعباءة ظاهرها المبدع وباطنها الثائر المتمرد.

فالاستلاب ليس في واجهة قصائده فحسب بل في ذاته الفردية والجماعية،يعبر عنها من خلال فلسطين والعراق وليبيا واليمن.. إنها حالة عشق،يدافع فيها الشاعر العاشق لقضايا الناس عن المفقود والمنشود،لأنه تواق لبلوغ انسانية هذه الامة الممزقة. انسانية لا وازِع لها إلا الضمير،يسعى من خلالها لثورة عارِمة على العادات البالية والتقاليد الاجتماعية الساذجة والروح الهدامة. ويناضل لظهور كل شيء للعلن،فهو يعلن الهزيمة داخل النصر، ويعلن النصر من داخل الهزيمة،فلا حال مستقر عنده،وهنا تكمن حقيقة الاستلاب الذي يعيشه الشاعر انسانا ومواطنا وسياسيا وعسكريا..يعيشه طفلا ورجلا وامراة وشيخا..والاستلاب خوف ووجع ووطن في قصائده..

ختاما،لم يكن إعلان اسم مظفر النواب مرشحا لجائزة نوبل للآداب ثم فوز الكاتب البريطاني من أصل ياباني كازو ايشيغورو سوى مواصلة لحالة الاستلاب التي يعيشها الشاعر،ولو سنحت الفرصة بعيدا عن الموضوعية المطلوبة لقلت: مظفّر النواب لا يمكن أن يحيا دون استلاب.

لكنه سيعيش اليوم في قلوب مريديه..من البحر إلى البحر..

نَم بسلام أيها الشاعر العظيم..ولروحك السلام..

*مظفر عبد اللمجيد النوّاب،هو شاعر عراقي معارض سياسي بارز وناقد،(ولد في 1934 في بغداد ) لُقِب بـ«شاعر القصيدة المهرّبة».تعرّض للملاحقة وسجن في العراق،عاش بعدها في عدة عواصم منها بيروت ودمشق ومدن أوربية أخرى.وصف بأنه «أحد أشهر شعراء العراق في العصر الحديث».

قالوا عنه الشاعر المناضل،ووصفوه بمنشور سرّي تحول بسبب حب جماهيره إلى منشور علني،أما ألصقُ الألقاب به فكان “شاعر القصيدة المهرّبة”، إنه مظفر النواب،الشاعر المثير للجدل والدائم الخروج عن النص،ابن الناس الناطق بنبض قلوبهم وزفرات صدورهم.

بالأمس القريب رحل عن الدنيا،لكن قصائده الصارخة الساخرة قد تعمر بيننا طويلا، ذلك أنها تحكي نكباتٍ ممتدة وخذلانا مستمرا وقهرا ما زال جاثما على الصدور.

قال عنه صديقه الشاعر عدنان الصائغ إنه شكل علامة مهمة في الشعر العراقي والعربي،استطاع من خلال تعبيره عن هموم الناس وتحدي السلطات،كسب قاعدة واسعة من الجماهير من خلال صوته المتميز.

أثار نبأ رحيله الجمعة 20  ماي 2022 عن 88 عاما إثر صراع مع المرض،في أحد مستشفيات مدينة الشارقة بدولة الإمارات،حزنا عبّر عنه كثيرون عبر شبكات التواصل الاجتماعي العراقية والعربية.

**هذه القصيدة ألقاها على مسامعي في أحد لقاءاتي معه بدمشق بصوت خافت هادئ،وذلك عندما سألته،هل تكتب قصيدة النثر؟ أجابني كلا،كلّ شعري موزون،واستشهد بهذه القصيدة:

إلى الضابط الشهيد إبن مصر…

ليس بين الرصاص مسافة

أنت مصر التي تتحدى

وهذا هو الوعي حد الخرافة

تفيض وأنت من النيل

تخبره إن تأخر موسمه

والجفاف أتم اصطفافه

وأعلن فيك حساب الجماهير

ماذا سيسقط من طبقات

تسمي إحتلال البلاد ضيافه

ولس قتيل نظام يكشف عن عورتيه

فقط

بل قتيل الجميع

ولست أبرىء إلا الذي يحمل البندقية قلبا

ويطوي عليها شغافه

لقد قبضوا كلهم

وأحقهم من يدافع عن قبضة المال

مدعيا أنها الماركسية أم العرافة..

..الحياة القلقة والمضطربة طبعت قاموسه الشعري بنبرة خاصة،لا تتوافر في تجارب غيره.أما أحاسيسه القومية الصاخبة،فألهبت مشاعر جمهوره بالغضب أينما حلّ.كأنما هذا الشاعر المسافر عبر أجنحة الغيم،سليل الجمر والشجن.

مظفر النوّاب الشاعر والرسّام والمغني يرقد اليوم على سرير الأبدية..لكن غضبه لن يشحّ...وسيصاحبنا صوته حتى الشهقة الأخيرة.


محمد المحسن




أهلُ (غزَّةَ) الشُّرَفاءُ. بقلم الشاعر محمود بشير

 أهلُ (غزَّةَ) الشُّرَفاءُ


يا أهلَ( غزَّةَ) أنتمُ الشُّرَفاءُ

                  أنتمْ إذا عزَّ الرّجاءُ رجاءُ


شِئتُمْ فقامَتْ هجمةٌ ميمونةٌ

               ثارَ السِّلاحُ وشاعَتِ الأنباءُ


لقَّنْتُمُو جيشَ العدوِّ وإنْ غزَا

                درساً يشيبُ لهَوْلِهِ الأبْناءُ


ذاكَ الصّباحُ تدافَعَتْ أفواجُكم

                 برًّا وبحراً والسّماءُ غِطاءُ


(تِشْرينُ) سطَّرَ في العدوِّ ملاحِماً

            تُرْوَىٰ و(طوفان)الرَّدَىٰ إفْناءُ


يا من زرَعْتُمْ بل جنَيْتُمْ زرعَكُمْ

            هيَّا اهنَأُوا قد أفْلَسَ الغُرَباءُ 


هذا العَرِبنُ عرِينُكُم فَلْيخَسَأُوا

         شُذَّاذُهُمْ بصُمُودِكُمْ قد ناءُوا


يا أهلَ (غزَّةَ) -أهلَنَا- طُوبَىٰ لكُمْ

                أفعالُكُمْ رُدَّتْ لها أصْداءُ


لا تُذْعِنُونَ لِمَنْ يجِيءُ لِنَهْبِكُمْ

              حتَّىٰ وإنْ حاقَتْ بكُمْ أنْواءُ


أنتُمُ حُماةُ الأرضِ ما طَمِعَ العِدَا

           انتُمُ قُضاةُ العدْلِ والحُكَماءُ


محمود بشير

2024/6/22



الاثنين، 17 يونيو 2024

وماذا اقولُ ـــــــــ نصر العماري


 وماذا اقولُ

والعيدُ طعمُ
لحمهِ مُرّْ؟
كَيفَ َيحلُو؟
وبالأمس نُحرُوا العُروبةَ.
واليوم،
غَزّة يُشوَى لَحمهَا
كيف يَسكتُ من فيه
عِزّةٌ ؟..
كيف يأكلُ... ثُم يَمُرّْ ؟
نصر العماري