** ((مرآة القلب))..
قصة: مصطفى الحاج حسين.
وقفت أمام مرآتها، أخذت تُصفّف شعرها الخَرنوبِيّ بعناية.
فجأةً، توقّفت يدُها البضّة عن الحركة، تسَمّرَ المشطُ السابحُ في نعومة الشَّعر. حدّقت مليًّا، قرّبت خُصلةَ الشَّعر من عينيها، أمعنت أكثر، تفرّست، حتى تأكّدت من بدء غزو المشيبِ لشَعرها.
صُعقت، تراجعت، وندَّت عنها صرخةُ ذُعرٍ حادّة:
- لا.. لا.. لا يُمكن، لا يُعقل.. لا أُصدّق.. أنا لم أَكبَر بعد.. ما زلتُ شابّةً!
أنتِ تمزحينَ.. مُؤكّد أنَّكِ ترغبينَ بمداعبتي.. المستقبلُ ما زالَ ينتظرني
، لم يتجاوزني قطارُ الصّبا.. أعرفُكِ، أنتِ مهووسةٌ بمثلِ هذه الألاعيب..
ولكنّكِ اليوم ثقيلةُ دم، غليظة، تافهة، وسخيفة!
الجمالُ بعضٌ من أسراري.. لن يسمحَ للتجاعيد أن تحطَّ على وجهي!
ما هكذا يكونُ المزاح!
سخيفٌ قولُكِ هذا.. أنا لا أُصدّقُكِ!، ولا أُحبُّ طريقتكِ هذه... خاصّةً عند الصباح!
كثيرونَ يتمنَّون أن أُجيب على تحيّاتهم...
ما زال (مصطفى) يُحبُّني ويكتب عنّي الشِّعرَ والقصص...
منذ فترة كتب عنّي قصّة "حبّ أعمى"، وهو الآن بصدد تحويلها إلى مسلسلٍ تلفزيوني، أسمعتِ؟.. مسلسل تلفزيوني عن حُبّه الأعمى لي!
لكنّني أصدُّهُ بقوّةٍ،
لأنّني كُلّما صددتُهُ، كتبَ الأجملَ والأكثرَ عنّي...
بل أنا أصدُّهم جميعاً...
أجعلُهم يتزاحمونَ!
قلتُ لكِ ألفَ مرّة:
- لا أحتمل خفّةَ دمكِ لحظة استيقاظي، وأنتِ تعرفينَ أني أنهضُ معتكرةَ المزاج، لا أقدرُ حتّى على تبادل التحيّة...
فلمَ تحاولينَ إغاظتي وإثارةَ حَنَقي؟!
هل حقًّا نحنُ صديقتان؟!
إذاً، لماذا تزفّينَ الخبرَ لي بفرحةٍ؟!
- نعم... نعم...
لنفترض أنّكِ فعلاً تقولينَ الحقّ، لنفترض أنَّكِ لا تمزحين، ولكن لماذا تزفّينه بهذه الفرحة؟!
ولِمَ تبدينَ قاسيةً؟!
كان بإمكانكِ تخفيفُ الصّدمة عنّي، بإمكانكِ أن تُداري، أن تنتظري، لتجدي فرصةً مناسبة...
أنتِ لم تُؤبهي لمشاعري،
لم تَكترثي بما سيحلّ بي،
أتُسمّينَ قولكِ صراحة؟!
اللّعنةُ على الصّراحةِ حينَ تكونُ قاتلةً...
أعرفُ... أعرفُ أنّكِ لا تقصدينَ ذبحي، ولكنّني ذُبِحتُ، يا صديقتي...
أنتِ هكذا دائماً، تقولينَ ما تعرفينَ دون لفٍّ أو دوران
آهٍ، أيّتها الصّديقة... أنا لستُ عاتبةً عليكِ، لا ذنبَ لكِ، على أيّ حال، كنتُ سأعرفُ الحقيقة عاجلاً أم آجلاً، كنتُ سأكتشفُ الأمرَ بنفسي، لأنّ إحساساً قويّاً كانَ ينمو بداخلي،ويصرخ
، كلَّ يومٍ عشراتِ المرّات
... بل أكثر... أكثر بكثير.
- ولكن... لا..
يجب أن أفعلَ شيئاً، أيَّ شيء، لكي أُوقِفَ زحفَ الخطر عنّي، رُبّما أقبل أوّلَ عرضٍ من أوّلِ رجلٍ سأُصادفهُ في صباحي...
لا... هذا مستحيل!
أينَ كبرياؤكِ يا "ندى"؟!
عليكِ أن تظلّي عصيّةً على الجميع.*
مصطفى الحاج حسين.
حلب 1993م

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق