السبت، 6 سبتمبر 2025

البردة البصرية .. والناقد المخيف ! (الناقد الدكتور حسن مغازي) شعر : يونس عيسى منصور ( أبو علي الحلفي )

 البردة البصرية .. والناقد المخيف !

✳️
معظم شعراء مصر يتوجسون خيفةً من نقد الدكتور حسن مغازي ! فهو نادراً مايمدح شاعراً !
بل دائماً ينقدهم نقداً لاذعاً ! وذلك مايجعلهم يتهيبون منه ! حتى أن أحد الشعراء المصريين سألني متعجباً : كيف مدح قصيدتك الدكتور حسن مغازي فهو لايمدح أحداً !؟ أجبته : هذا من بركات مدحي لرسول الله عليه وعلى آله وصحبه وأمته صلوات ربي وسلامه ...
تحياتي لأستاذنا وأديبنا العربي المصري الكبير الناقد الدكتور حسن مغازي المبجل ...
✳️✳️✳️✳️✳️✳️✳️✳️✳️✳️
من شأن الفرسان قبل ولوج الميدان تهيئة الجواد؛ ليتحاشى منه الازورار(من وقع القنا بلَبانه)؛ شعراء مديح النبى الكريم لن تجدهم على الإطلاق يتقافزون على صهوات المنصات، ولا يحرصون على جوائز المؤسسات، ولا على جوقة الببغاوات؛ معى شاعر شاعر شاعر، من أرض الفراتين؛ (العُراق العظيم)، هو الشاعر(الخلوق)، ابن جمجمة العرب(يونس عيسىٰ منصور؛ أبو على الحلفى)، فى(ميمية)، مكسورة(المُجرَى)، بقافية(متراكبة)، كأنه يعارض(البوصيرى)رحمه الله(على نغم البسيط):
✳️ البردة البصرية ... ✳️
فاضَ القريضُ على ربْعٍ بذى سَلَمِ/وجْدًا بظَبْىٍ سعىٰ فى روضةِ الحرمِ
بضٍّ كحيلٍ غضيضِ الطرفِ ذى غَنَجٍ/بدْرًا أطلَّ على موجٍ مِنَ الظُّلَمِ
ما سار بالهدْىِ إلّا كُنتُ أُضْحِيَةً/فى كلِّ حولٍ يُضَحّيها بسفكِ دمى
يا هندُ مهلًا فحادى العيسِ مرتحِلٌ/والمُصْحِرونَ سَرَوْا فى غاسقِ العُتَمِ
يا هندُ رفقًا بصَبٍّ باتَ مرتهنًا/يشكو لطيفِكِ ما لاقى مِنَ السقَمِ
إنَّ الصبابةَ ماهبّتْ على أحدٍ/إلّا وكانتْ نذيرَ الشؤْمِ والنِّقَمِ
فاسقى ربوعى حنينًا من مودّتِكمْ/فقد هوِيتُ صَدًى فى مسرحِ العدَمِ
***
يا أمَّ عمْرٍو نسينا بعدَ نأيكُمُو/أمّا لمريمَ بين البانِ والعلمِ
بعدٌ فلا رحمةٌ تَهْمِى ولا فَرَجٌ/ولا صباحٌ بهِىٌّ يرتدى حُلُمى
أصحو غريبًا يكاد الصبحُ يأكلنى/فالصبحُ هذا دنىءٌ غيرُ محتشمِ
أَسْرٌ وجَلدٌ وتعذيبٌ ودمدمةٌ/صالت بنا فأرتنا أيّما سَأَمِ
***
فاضَ القريضُ على ربْعٍ بذى سَلَمِ/فاجتاحتِ النفسَ أشباحٌ مِنَ الُعُتَمِ
واحلولكَ القلبُ من رسْمِ الطُّلولِ فوا/غوثاهُ غوثاهُ من شيبٍ ومن هِرَمِ
قد أظلمَ الصبحُ فالأفلاكُ فى هَرَجٍ/وقد تمادىٰ الدجىٰ فالكونُ فى عَدَمِ
فلا السحائبُ ألقت سُؤْرَ رَشْفَتِها/ولا المجاديحُ زفّتْ وافرَ الديَم
إلا قليلاً ولكن يا لدهشتِنا/من وابلٍ ذَخَرَتْها من صدىٰ إرَمِ
إِذْ أمطرْتْنا صباحًا وهْى كالحةٌ/ماءً غريبًا كجلبابٍ منَ الظُّلَمِ
تاهت رؤانا فلم نملكْ عدا لغطًا/لَغْوًا من القولِ أو زَيْفًا من الْكَلِمِ
لا المبتدا قد فَقِهْنا سرَّ نشأتهِ/لا المنتهىٰ يتجلّىٰ للفتىٰ الفَهِمِ
بُرْجٌ من الهولِ لا تَفنىٰ برازخُهُ/موجٌ مِنَ الرَّجْفِ إِنْ تبصرْهُ تنفصمِ
***
يا رعشةَ الأَسْرِ يا من فيكِ قد جُمِعَتْ/شتّى العيونِ فلم تَهْجَعْ ولم تَنَمِ
رُحماكِ رُحماكِ قد تاهت بصائرُنا/ما بين منتصرٍ طَوْرَا ومُنْهزِمِ
رُحماكِ رُحماكِ ألوانٌ عواطفُنا/فى كلِّ مُنعَطَفٍ تَنْشَدُّ فى صنمِ
رُحماكِ رُحماكِ قد ألفيتُ جامحةً/تهتزُّ كاسحةً فى سيلِها العَرِمِ
رُحماكِ رُحماكِ حتّامَ الدُّنا ريَبٌ/مَنْ قال(لا)حدّثَتْهُ النفسُ عن(نَعَمِ)
أشكو إلى اللهِ من أقدارِ أزمنةٍ/قد ألجمَتْنا فيا لَلهِ مِن لُجُمِ
***
يا أحمدَ الخيرِ يا باكورةَ النعَمِ/يا نقطةَ الباءِ فى كينونةِ القلمِ
يا رحمةَ اللهِ لمّا كانَ عالمُنا/علىٰ شَفا حُفْرَةٍ من شهقةِ الحِمَمِ
يا قصةَ اللَّهِ يا سرَّ الوجودِ ويا/إعصارَ كاتبِها يا حكمةَ الحِكَمِ
يا أَلْفَها أَوّلًا يا لامَها وسطًا/يا ميمَها آخِرًا يا جوهرَ الكَلِمِ
الرُّسْلُ قد فَخُرَتْ إِذْ منه قد خُلِقَتْ/لولاهُ لاندثرتْ فى سالفِ الأُمَمِ
غيْبّ سريرتُهُ كالعطرِ سيرتُهُ/ضاءت مسيرتُهُ نارًا على عَلَمِ
محمدٌ أوَّلُ الدنيا وآخرُها/يا طِيبَ مبتدإٍ منه ومُخْتتمِ
فاللهُ مبتدأُ سبحانه وعلا/والمصطفى خبرٌ أَمسِكْهُ تَعْتصمِ ...
***
رحماكَ طه فقد - واللهِ – أنهكَنا/جَوْرُ الزمانِ وما دَهرى بِمُكْتَتَمِ
رُحماكَ طهَ فقد أسْرَتْ بِنَا خَبَبَا/صوبَ الضلالةِ حتىٰ لاتَ مُعْتَصَمِ
رُحماكَ طه ألا تَنْقَضُّ ثانيةً/فقد تمادتْ ولا مِنْ قائمٍ عَلَمِ
إنَّ القيامةَ تقويمٌ لغُرْبتِنا/لولا النهاياتُ ما قامتْ ولم تَقُمِ
فاشفعْ لَنا كالذى أكملتَ بُرْدَتَه/وأنه خيرُ خلقِ اللهِ كلِّهِمِ
واليومَ ثانٍ جثا يرجوكَ مَكْرُمَةً/فامسحْ بكفِّكَ هذا القيدَ يَنْفَصِمِ
* * * * * * * ** ** * * * * *
لا يحتاج إلى(بذل جهد)، يقرض كأنه يتنفس؛ ذلك بالضبط هو(الموهبة)، هو(الفطرة)، هو(السليقة)؛ الشعور ببذل جهد فى(التنفس)يعنى حتما أنك(على غير طبيعتك)، أنك فى حاجة إلى علاج، لماذا لم يلجأ(يونس عيسىٰ منصور؛ أبو على الحلفى)إلى(الضرورة)؟
لأنه يعرف أن عصرها قد انتهى منذ نهاية القرن الرابع الهجرى، قبل ذلك الحد الفاصل زمنيا إذا وجد علماؤنا خلافا بين(القاعدة)، و(القرض)ما كان يمكن الحكم بالتخطئة؛ لأن(القريض)حجة فى اللغة، لا راد لسريانه، لكن بعد ذلك الحد الفاصل أى خلاف بين القاعدة والاستعمال محكوم عليه بأنه(خطأ)، وبتفخيم الطاء مهما كان مقترفه.
لا يصح للشاعر بعد ذلك الحد الفاصل أن يقع(تحت ضغط النغم)فى(أخطاء ضد اللغة)، ثم يلوى عنقه بأن ذلك(ضرورة)؛ هم وقعوا فيما تخالفهم فيه(القاعدة)، فلماذا تسير خلفهم أنت ؟ أنت(إنسان)، أنت لست من(الشياه)، الشاة فقط هى التى تتبع سابقتها فى االوقوع فى الحفرة نفسها إلى أن يقع جميع القطيع.
(الضرورة)ليس مصطلحا للشعراء، إنه مصطلح(للغويين)، يستخدمونه بدلا من المصطلح(خطأ)عند تعاملهم مع شعراء ما قبل نهاية القرن الرابع الهجرى؛ لأن هؤلاء(مصدر الفصاحة)، ومن نطوقهم جاءت(القاعدة).
(الشعر العربى)عراقى حتى النخاع، حتى الثمالة، من الأخمص حتى الهامة؛ (العُراقُ أبو الدنيا)، تلك(صيحة المغازى)ممتطيا صهوات المنصات، يوازى بها قالة(هيرودوت)بأن(مصر أم الدنيا)، هى أم الدنيا؛ لأن البشر بعد فناء الطوفان استعاد سلالته من رحم ابنتنا هاجر، وينسى الناس أن النطفة كانت من ابن العراق العظيم إبراهيم الخليل، ابن حضارة أور، شمال البصرة.
(الشعر العربى)مر بمرحلة فى الحجاز نعم، لكن حتما حتما كان للشعر العربى تاريخ يضرب بجذوره إلى نبع العروبة هناك فى البصرة وبغداد وفى فيضانات دجلة والفرات، ثم فى رحلة العودة إلى جذوره استراح يصدح بلابله، وتتراقص منابره فى الشآم العظيم تحت كعوب الفرزدق وجرير والأخطل، إلى أن استقرت صهوات منصاته يمتطيها فى بغداد المتنبى العظيم وأبو تمام والبحترى.
بغداد، الحجاز، الشآم؛ تلك هى(عواصم الشعر العربى)، يقرض الشاعر الشاعر الشاعر من أى من تلك العواصم، فلا ترى فيه عوجا ولا أمتا، ولا(ضرورة)؛ لأنه شاعر موهوب فطرى سليقى، لا يحتاج أبدا إلى بذل جهد،
أين(الصورة) ؟
محدودة جدا، جزئية جدا، تنعدم نهائيا هراءات(اللوحة الممتدة)؛ لأنها جسم غريب فى شعرنا، يمارس به(المستغربون)من أبناء جلدتنا(زراعة أعضاء غريبة)فى جسم قصيدتنا العربية.
يسىء إلى(الشعر)أولئك الذين يعرفونه بأنه(تعبير عن الشعور)؛ هو ليس كذلك أبدا؛ البقرة فى خوارها تحسن التعبير عن شعورها بالاحتياج مسيسا إلى قفزة الثور للتنزى، فهل هى(شاعرة)فى(حسن التعبير عن الشعور)؟ ، الأتان فى نهيقها تحسن التعبير عن شعورها بالظما، فهل هى(شاعرة) ؟
(الشعر)تعبير بوسائل فنية، تنهض بجناحين(رصانة معجم)، وأصالة نغم)، لله در الجاحظ فى(البيان والتبيين):
(إنما الشأن فى اختيار اللفظ وإقامة النغم)
لله در ابن رشيق فى(العمدة فى محاسن الشعر وآدابه):
(إنما الشعر رصانة معجم، وأصالة نغم)
بل حتى(الدلالة)تجد(عبد الرزاق عبد الواحد)ساريا بيسر؛ تأتى الدلالة عند ابن رشيق فى الدرجة التالية؛ يقول:
(وشر الشعر ما سئل عن معناه)
للدهماء أن يتذوق كل منهم حسب قدراته وحسب رغباته، فأما(سبر الإبداع)فشأن(الناقد المتخصص أكاديميا)، الطريقان مختلفان، والماء لا يسرى إلى أعلى من السهول إلى الهضاب؛ لا يصح لأى من(الدهماء)التوقع مجرد توقع بأن يؤثر أى منهم فى(منهج سبر الإبداع)، إنما النقيض صحيح مائة فى المائة؛ بأن يتأثر جميع الدهماء بنتائج المنهج فى(سبر الإبداع).
د . حسن مغازي
إنتهىٰ حديث الدكتور ...
✳️✳️✳️✳️✳️✳️✳️✳️✳️✳️
أقول : كتبتها وأنا مسجون خارج العراق قبل أربعين عاماً ، حيث لبثت في السجن تسع سنوات عجاف ...
(١) : هنا إشارة للبوصيري قاضي قضاة مصر ... فيقال ، إن محمد البوصيري ( رحمه الله ) صاحب البردة المشهورة والتي مطلعها :
أمن تذكر جيرانٍ بذي سلمِ
مزجتَ دمعاً جرى من مقلةٍ بدمِ !؟!؟!؟
حينما كتب صدر البيت :
فمبلغُ العلمِ فِيهِ أنهُ بشرٌ ...
لم يستطعْ أن يُكمِلَهُ ، لأنه تحير ... تُرىٰ ماذا سيقول في العجز !؟!؟!؟
فطاف عليه الرسول ( ص ) وقال له : قل :
وأنهَُّ خيرُ خَلْقِ اللهِ كُلِّهِمِ ...
ومسح على عينيه - إذ كان البوصيري ضريراً - فأبصر من ساعته ...
لقد كتبتُ هذه القصيدة قبل أربعين سنة ...
وأنا مسجون خارج العراق ... وتقع
في مائة وعشرين بيتاً ... وهذا ما بقي في ذاكرتي منها ... وقد سببت لي سجناً
فوق سجني ... وغربةً فوق غربتي ... لأسبابٍ
لا أحب ذكرها ... وكما قال الشاعر :
فكان ماكان مما لستُ أذكرُهُ
فظُنَّ خيراً ولا تسألْ عنِ الخبرِ ...
وبعد مرور أربع سنوات من كتابتي لهذه القصيدة ، تقبّل الله شفاعة رسوله ( ص ) فيَّ ، فخرجتُ من السجن ، وعُدْتُ إلىٰ العراق ... وياليتني لم أعُدْ ...
✳️✳️✳️✳️✳️✳️✳️✳️✳️
شعر : يونس عيسى منصور ( أبو علي الحلفي )


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق