الثلاثاء، 23 سبتمبر 2025

حول ظاهرة ضعف وجمود بعض النصوص المنشورة على المواقع الأدبية..وغياب المقاييس الجمالية والفنية..! بقلم الناقد والكاتب الصحفي محمد المحسن

 حول ظاهرة ضعف وجمود بعض النصوص المنشورة على المواقع الأدبية..وغياب المقاييس الجمالية والفنية..!


سؤال مهم يلامس جوهر الإشكالية في المشهد الأدبي الرقمي اليوم.

إن ظاهرة ضعف وجمود بعض النصوص المنشورة على المواقع الأدبية،وغياب المقاييس الجمالية والفنية،هي ظاهرة معقدة لا يمكن إلقاء المسؤولية فيها على طرف واحد،بل هي مسؤولية مشتركة ومتعددة الأطراف.

وهنا سأحاول تحليل الأطراف المعنية بشكل منهجي:

1. من المسؤول عن النشر؟

المسؤولية-في تقديري-هنا تتوزع على عدة مستويات:

أولاً: الكاتب نفسه (المصدر الأساسي للضعف)

- الرغبة في الظهور السريع: في عصر السرعة، يريد الكثيرون نشر أي شيء ليقال إنهم "كتّاب" دون قضاء وقت كافٍ في التعلم والصقل.

- غياب الثقافة النقدية: عدم قراءة النماذج الأدبية العالية (الكلاسيكية والمعاصرة)،وعدم فهم أساسيات الفن الذي يكتب فيه(قصة،شعر،مقال..).

وهنا أؤكد أن  الكتابة باعتبارها علاجًا نفسيًا فقط، وهي مشروعة،لكن الخلط بينها وبين الإنتاج الأدبي المكتمل فنيا هو المشكلة.فما هو مذكرات شخصية قد لا يصلح كنص أدبي منشور للجمهور دون معالجة فنية.يضاف إلى هذا،رفض النقد البناء،فالإعتقاد بأن أي ملاحظة على النص هي هجوم شخصي.

ثانيًا: إدارة المواقع الأدبية (الحارس المهني الغائب) وهنا أقصد بالأساس،غياب هيئة التحرير المحترفة،فالكثير من المواقع تديرها مجموعات هواة أو أفراد يفتقرون إلى الخلفية النقدية والأدبية الكافية لتمييز الجيد من الرديء.( أولوية الكمية على النوعية) إذ،يسعون لزيادة عدد النشرات اليومية لجذب الزوار والإعلانات على حساب جودة المحتوى.والأخطر في هذا السياق يتمثل في العلاقات الشخصية والمحسوبية،إذ أحياناً يتم نشر نصوص ضعيفة لأن كاتبها صديق لصاحب الموقع أو من نفس المجموعة الأدبية.ثم غياب دليل نشر واضح يتجسد في عدم وجود معايير مكتوبة للكتاب توضح توقعات الموقع من حيث الجودة الفنية والأسلوبية.هذا دون أن ننسى، القارئ/المتلقي (الطرف المتلقي والصامت أحياناً)

- الاستهلاك السلبي: تقبل كل ما يُنشر دون تمييز، وأحياناً المديح غير المبرر في التعليقات بدافع المجاملة،مما يعزز لدى الكاتب فكرة أن نصه جيد.!

زد على ذلك،غياب ثقافة التقييم النقدي،أعني أن قلة من القراء يبذلون جهداً في كتابة تقييم موضوعي يشرح نقاط القوة والضعف في النص.

أما بخصوص  الانجذاب للمواضيع

"الدرامية"( المحتوى الجمالي) فقد ينجذب القارئ لقصة لأن موضوعها مثير للعاطفة،متغاضياً عن ضعف الأسلوب ورداءة اللغة.

-البيئة الثقافية العامة (الإطار الأوسع)

 تراجع دور المؤسسات الثقافية الرسمية..وهنا،أقصد عدم قيام دور النشر والمجلات الورقية المحكمة بدورها الترشيحي والتصفوي بشكل فاعل،مما أفقد الأدب "بوابته" التقليدية.

وما قبل الخاتمة أشير إلى  سهولة النشر الرقمي، فالثورة الرقمية هي سلاح ذو حدين.فبينما منحت الجميع مساحة للتعبير،أطاحت بالحاجز الذي كان يفرز النصوص.إذ لم يعد هناك "حراس بوابة" تقليديون (النقاد،المحررون في المجلات المرموقة..)

والسؤال الذي ينبت على حواشي الواقع :

من بوقف هذه الرداءة؟

لا يوجد "فرد" واحد أو "جهة" واحدة يمكنها وقف هذه الرداءة بشكل كامل،لأنها تحتاج إلى حراك جماعي واعي.لكن يمكن أن تساهم الحلول التالية-دوما في تقديري-في الحد منها بشكل كبير:

-التربية الأدبية والنقدية (الحل الجذري من المنبع)

- تعزيز التربية النقدية: يجب أن تبدأ من مراحل التعليم المبكر،بتعليم -براعمنا التلمذية-كيفية قراءة النص الأدبي وتحليله،لا مجرد استخراج "الفكرة العامة".

- تبني ورش الكتابة الإبداعية،التي يقدمها كتاب ونقاد متمرسون،لمساعدة المبتدئين على فهم أدواتهم وتقنيات الكتابة.ثم يأتي دور المواقع الأدبية (تحويل الدور من ناقل إلى مرشح)،هذا،بالإضافة إلى تأسيس هيئة تحرير ذات كفاءة عالية،تضم نقاداً وكتاباً معروفين لتقييم النصوص قبل النشر.

-وضع معايير نشر واضحة،والإعلان عنها للجميع.

-تخصيص مساحة للنقد البناء،وأعني نشر تقييمات لنصوص مختارة (بموافقة كاتبها) لتعميم الفائدة وتثقيف القارئ والكاتب معاً.ثم الانتقال من النشر اليومي العشوائي إلى النشر الأسبوعي أو الشهري المُنتقى.فالجودة فوق الكمية.

أما بخصوص دور الكتّاب أنفسهم (الرقابة الذاتية) فإني أدعو  الكاتب إلى أن يكون قارئاً نهمًا قبل أن يكون كاتباً.وعنصر آخر مهم لا يجب تناسيه،يتمثل في التدرب والصبر،فالكتابة موهبة تحتاج إلى صقل بمهارة.وهنا،لا بد من المراجعة والتعديل عدة مرات قبل إرسال-النص-إلى النشر.

- تقبل النقد البناء: اعتباره هدية تساعد على النمو.

ثم إحياء دور الناقد (الصوت المفقود)

ما قبل الخاتمة:

 احتضان نقاد جدد: يحتاج المشهد إلى نقاد يتابعون النشر الرقمي ويكتبون عن النصوص الجيدة والسيئة بموضوعية وشجاعة.وخلق منصات نقدية متخصصة،تراجع وتحلل ما يُنشر وتوجه القارئ نحو الأفضل.ولايفوتني في سياق هذه القراءة،إلى دور القارئ الواعي (القوة الخفية) إذ يجب التوقف عن المجاملة غير المنتجة.فالمديح يجب أن يكون على أساس فني.بمعنى،ممارسة النقد البناء في التعليقات بطريقة محترمة تركز على النص وليس الشخص.كما علينا أن ندعم المواقع والكتّاب الذين يلتزمون بالمعايير الجمالية.

خلاصة القول :

المسؤولية مشتركة،لكن الحل يبدأ من الوعي الفردي للكاتب بأن يطور من أدواته،ولصاحب الموقع بأن يرفع سقف الجودة،وللقارئ بأن يكون متلقياً ناشطاً وليس سلبياً.ليست هناك جهة واحدة يمكنها "وقف" الرداءة بقرار،بل هي عملية تثقيفية تراكمية تهدف إلى رفع الذوق العام وإنشاء مناعة ثقافية لدى الجميع تجاه الرديء،والبحث عن الجيد.فالرداءة ستظل موجودة،ولكن المهم ألا تتحول إلى مسيطر أو معيار.

وأرجو..أن تستساغ مقاصدي جيدا،وأن لا يقع إخراجها عن سياقها الموضوعي..


محمد المحسن



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق