الاثنين، 22 سبتمبر 2025

خادم المسرح بقلم عبدالفتاح الطياري -تونس

 خادم المسرح

في غمرة الدهشة يشتد المشهد الضبابي، يتوضح رويدا... رجل حلٌق حول النساء، هوايته الجلوس في حلقاتهن. مرآة ينعكس في عمقها لوحة مذهلة: الخادم الماهر، المتعاون، المطيع...كان يحب أن يكون مركز الاهتمام، حتى لو كان ذلك على حساب النساء. إنه رجل مسرح الحريم أكشن...

كان لا يشبع من الأضواء. أينما ذهب، كان يفتش بعينيه عن الجَمهور، ما عن الرفاق. يحب أن يروي القصص بصوت عالٍ، أن يضحك بصخب، وأن يسرق كل نَظْرَة في الغرفة. لم يكن هذا في حد ذاته عيبًا، لكن طريقته في أن يكون مركز الاهتمام كانت دائمًا تمرّ عبر الآخرين، وغالبًا عبر النساء.في كل مجلس، كان يختار امرأة واحدة، يسلط الضوء عليها أولًا، يثني على جمالها، ثم يبدأ في إغوائها تدريجيًا أمام الآخرين. ما أجملكِ اليوم! لم أتوقع منكِ هذا الذوق!"، يقول وهو يضحك، فيضحك الجميع، لا إعجابًا، بل إرضاءً له.كان يربط ثقته بنفسه بقدرته على السيطرة على المشهد. يروّج لنفسه بأنه الفارس الأخ الذي يفهم النساء أكثر من أنفسهن، ثم يسخر في الخفاء من كلماتهن، من آرائهن، وكأنهن مجرد مادة لعرضه المسرحي.الأسوأ، أنه كان يعرف كيف يخفي نرجسته تحت قناع الأخ، فيبدو ممتعًا لمن لا يعرفه، وجارحًا لمن جرّب الجلوس معه أكثر من مرة.

لكن الأمور بدأت تتغير عندما ظهرت بنت مهاجرة، صحفية ذكية لم تُعجب بلعبته منذ اللحظة الأولى. جلس كعادته، يفتح الحديث ويضحك، ثم وجه سهام تعليقاته الساخرة نحوها، قائلًا: صحفية؟ ما بد أنكِ تكتبين عن الموضة فقط، أليس كذلك؟ ككل مرة يتحدث بسخرية ماكرة. يتعثر أمام من يعارضه و يفطن بدهائه...ابتسمت المهاجرة، ونظرت إليه بهدوء وقالت، بل أكتب عن النرجسيين الذين لا يرون أحدًا غير أنفسهم، ويستخدمون النساء سلم للوصول إلى إعجاب الآخرين.

ساد الصمت.

بعض الناس يبنون صورتهم أمام الآخرين على حساب إهانة من حولهم، وغالبًا ما يدفع النساء الثمن. لكن لا آحد يبقى في دائرة الضوء إلى الأبد، خاصة حين يُكشَف القناع.ضحك البعض بخجل، والبعض الآخر نظر بعيدًا، لكن و أخيرًا، ولأول مرة، لم يجد ما يقوله...لم يُجب. كان يشعر بشيء لم يعرفه منذ زمن طويل… الحرج. أول مرة، لم يضحك عليه أحد، ولم يدافع عنه أحد.مرت لحظات، ثم وقف فجأة وقال: ربما… ربما عندك حق...وغادر المكان...

في السماء توالدت النجوم ليلتها...تكاثرت...لم يعبا بها لأنه لم ينظر سابقا للسماء و لو مرة واحدة...في أحلامه هو السماء... كانت تتجلى فلول العجز عليه...انتهى العرض.

قالت المهاجرة قبل أن تغادر الحلقة : التغيير لا يأتي دائمًا بالهجوم، بل أحيانًا يكفي أن نقول الحقيقة في وقتها، بصدق وهدوء. لأن بعض الأقنعة الرجولية ما تسقط بالصراخ، بل بانعكاس صادق...

بقلمي عبدالفتاح الطياري -تونس


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق