الثلاثاء، 9 سبتمبر 2025

ثنائية المدن بقلم الكاتبة هدى حجاجي أحمد

 ثنائية المدن


بقلم: هدى حجاجي أحمد


مدن الضياع (قصة قصيرة جدًا)


عجز الوقت عن رتق خطاهم... حين كانت تسبقني خطواتي إليهم، كان الجحيم الخلاص الوحيد.

يفقد الحذاء أمنيته الأخيرة بأن يحظى بالخطى مجددًا، لأن كل شيء كان قابلاً للشك، وكل شيء هشّ، ولا ضمانات تربّت على كتف الوعود أو تبريرات تغفر صلابة السكين.


أُفلتت الخُطى، وانتهت صلاحية الأقدام مبكرًا. كنت أحسب نفسي أتحلى بالشجاعة؛ تجرّأت روحي وتلبّست جسدي.

لكن حدود الوقت كانت ضيقة، والطريق لم يكن كافيًا لخطى جديدة.


حتى المُدن تحمل زخم الشعور، تناوب الدهر، وتصفيق جماهير الأحلام.

تحتشدُ في شوارعها آهاتُ المارين وذكريات أيامٍ وأعوام.

ومن يومها تخلّيت عن فكرة الجرأة والشجاعة وخوض المعارك. اعترافٌ صريح مني كـشظية… لإيجاد ثقب ومتنفّس.


تجعّدت الخُطى حين أصبح الطريق رملاً.

خطوة خطوة كنت أحسب أصابعي وأنا أسير على حافة القيامة. وحين وصلت، لم أجد سوى آثار خطواتي…

لم أجد سوى خطواتي، ودمي الأسود لمعركة مسحوبة أرضها من تحت قدمي.


---


حين تذوب المدن (امتداد لـ "مدن الضياع")


في مدن الضياع كنت أبحث عن الطريق، أما هنا، فكل المدن تذوب في وجهي.

لم تعد خطواتي هي الضائعة وحدها؛ بل الخرائط نفسها انمحت من المرايا.


في مدينةٍ أولى، كان للخبز رائحة حنينٍ قديم، لكنه سرعان ما تلاشى مع أول مطر.

في مدينةٍ ثانية، أخفت ناطحات الزجاج ملامحي، فلم أرَ سوى انعكاساتٍ تتشقق مع ابتسامتي.

في مدينةٍ ثالثة، غرق صوتي بين صخبها، ولم يبقَ لي إلا صدى غريب يعود إليّ من أعماقي.


كل مدينة انطفأت داخلي كما تنطفئ شمعة في غرفةٍ مغلقة.

لم يعد للبوصلات معنى، ولا للخرائط وجهة.

صرتُ مدينة بلا حدود، تحمل في داخلها كل الانهيارات التي مرّت بها.


وعندما وصلت البحر، أدركت أن الرحلة لم تكن بحثًا عن مكان، بل عن اعتراف:

أن المدن لم تختفِ، بل ذابت في وجهي… وأنا من حملتها جميعًا كندوبٍ لا يقرؤها أحد غيري.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق