الأحد، 21 سبتمبر 2025

رسالة أخرى من الطّبيعة بقلم الكاتب رشدي الخميري/جندوبة/تونس

 رسالة أخرى من الطّبيعة

تشرق الشّمس فتضيء الكون بنورها السّاطع، كاشفة ما أخفته عتمة اللّيل، وما أرهقنا البحث عنه أو انتظرنا معرفته بصبر نافد. إنّها رسالة مضمونة الوصول، مضمونها الصّبر أوّلا، ثمّ درس لا مثيل له في العطاء.

الشّمس لا تظهر إلّا بعد ظلمة اللّيل وما يرافقها من غياب الوضوح وغياب الإدراك، خاصّة في لحظات الحاجة الماسّة للفهم والتّفسير.

وهي أيضا درس في العطاء، إذ تشرق على جميع الكائنات دون تمييز، وتمنح نورها ودفئها من غير أن تنتظر " جزاءا ولا شكورا". وكأنها تقول لنا: اجعلوا الخير عهدة في أعناقكم تمنحونه للجميع بلا حساب، فبذلك يزهو الكون وتترابط الكائنات وتشكّل قوّة لا تقهر.

والدّرس الثّالث الّذي لا يقلّ أهمية عن الأوليين هو أنّ الانطلاق من جديد ممكن دائما، مهما كان حجم السّقوط أو العثرة. فالشّمس قد تغيب ساعات حين يحلّ اللّيل، أو تحجب لأسابيع بفعل الشّتاء والسّحب، لكنّها تعود في النهاية لتطلّ ببهائها، مبدّلة مجرى الأحداث. وهكذا نفهم أنّ الغياب لا يعني النّهاية، بل قد يكون استراحة للمحارب، أو توقّفا مدروسا فرضته الحاجة أو الإمكانيات. وهو أيضا فرصة للتّعلّم من الأخطاء الماضية استعدادا لمحطّات جديدة.

قد تكون الشّمس حارقة مؤلمة، ومع ذلك نترقّبها ونشتاق إليها. هنا نتعلّم أنّ الجمال الحقيقيّ يولد من رحم المعاناة، وأنّ الألم الّذي نتحمّله يكشف لنا عن معنى أعمق للجمال الكامن في النّاس والأشياء.

الشّمس مثل الشّمعة تحترق لتضيء للآخرين، فيقرؤون ويكتبون ويتسامرون على ضوئها. بهذا تجسّد معنى التّضحية في أنبل صوره. فالفائدة إن لم تعمّ لا تجدي، بل تبقى آنية محدودة الأثر. وفي هذا المعنى نستحضر أفعال الأبطال عبر التّاريخ الّذين ضحّوا بأرواحهم لإنقاذ غيرهم والدّفاع عنهم.

في النّهاية، يعلّمنا شروق الشّمس وغروبها أنّ الحياة دورات، لكلّ دورة ملامحها الّتي ينبغي أن نعيشها بحلوها ومرّها، لنكتشف خباياها ونخرج منها بدروس وخبرات.

رشدي الخميري/جندوبة/تونس


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق