عندما ينشغل الأديب أو الأديبة بموضوع هام جداً مثل التمييز العنصرى ، فهذا يكون عمل انسانى من الدرجة الأولى قبل أن يكون عملاً روائى أو ادبى.
الكاتبة سحر الرشيد وضعت في قلبها مشاكل السكان الأصليين "الهنود الحمر" فى كندا. وكيف كانت الكنيسة المحلية و بعض مؤسسات الدولة يتعاطون مع المشاكل ، و كيف كانوا يفكرون و يخططون فى دمجهم فى المجتمع.وما هى طرق الدمج و ما هو الأسلوب الانسانى و ما هو غير الانسانى ؟
أنشأت الكنيسة مدارس داخلية لتعليم صغار السكان الأصليين. كانوا يعلمونهم الحساب و الانجليزية وأيضاً أسس الكاثوليكية.
هذا جميل ، إذا كان الموضوع يسير على خطى سليمة، إنما المدارس كانت دون المستوى و ليست بها الرعاية الصحية والاجتماعية الكافية. أصيب الأطفال بنوع من الوباء ، حتى أنهم ماتوا جميعاً فى إحدى تلك المدارس.التى كان يرأسها القس توم .تتكتم الكنيسة على هذا الموت ، و قيل إنه وباء كان فتاكاً لم ينجو منه طفل.حتى أنهم لم يسلموا الجثامين لذويهم ، بل حفروا مقبرة جماعية لكل الجثامين. أيضاً لم يخبروا مؤسسات السلطة كما عرفنا فى الفصل الأخير.
الأستاذة سحر الرشيد من أصل عراقي ، اى من دولة ذات حضارة مسمارية ، بابلية تضاهي الحضارة الفرعونية القديمة في مصر.فهى من أصل عريق ، لا يرضى بأى درجة من درجات التمييز أو الظلم.الاديبة ليست كندية لكنها ذات ضمير انسانى حى. هذا الضمير هو ما جعلها تسرد هذه القطعة الفنية عن مشاكل و قضايا مر بها السكان الأصليين ، أنهم تعرضوا إلى تمييز عنصري لم تتعرض له أى أقلية من قبل .و هذا يبين لنا أن الإنسان الذى يضع قلبه و ضميره فى سلوكياته و يجعلهما يتوازيان مع تصرفاته ولا سيما لو كان أديباً أو كاتباً يضع هذا فى شعره أو نثره.هذا هو الإنسان الحق ، فالإنسان بلا ضمير لا فرق بينه و بين قطع الأثاث.
سحر الرشيد شغلت عقلها و فكرها و قلمها فى قضية إنسانية من الدرجة الأولى. لا عيب على مجتمع أن يدمج أقلية من مواطنيه مع باقى المواطنين. العيب أن يكون هذا الدمج غير عادل ، غير انسانى ، غير مُعلن .السرية فى أمور مثل هذه تكون غطاء لأشياء كثيرة لا نعرفها كما فى هذا العمل "رفات ضمير" السرية أدت إلى ظهور مقبرة اطفال جماعية.و النتيجة كانت كارثة مطمورة تحت التراب.
اى حق لكنيسة محلية أن تأخذ أطفال من ذويهم عنوة ، و يضعونهم فى مدارس كنسية داخلية غير مجهزة لحياة كريمة و غير مجهزة للتعليم و لاكتساب المهارات؟ اى كاثوليكية التى سار على نهجها القس توم .فهذه كنيسة محلية أخطأت وكان لابد من المجازاة. فالكاثوليكية الحقيقية ، مدارسها و جامعاتها منتشرة فى ربوع الأرض تقدم الخدمات الصحية و الاجتماعية و التعليمية.الا أن للهنود الحمر معاملة خاصة. فهل المسيح الذى كان يجول يصنع خيراً ، لم ياتى من اجل كل البشر.
نتصفح الرواية لكى نقف عند بعض النقاط.
أولاً: اللغة.
سحر الرشيد تبدأ الرواية بوصف يعود بنا إلى العصر الرومانتيكى فى الأدب. تجد وصف الطبيعة الخلابة ،التي خلقتها الأديبة فى بداية الفصل الأول ، لا تقل رومانسية و لغة فى الوصف عن شعر صامويل كوليردج و وليم ووردزورث. فهذا العمل "رفات ضمير " من وجهة نظرى يندرج تحت الرومانسية. فالرومانسية الحقيقية هى الثورة على الكلاسيكية فى مجالات السياسة و الإجتماع و الفكر.ذلك لأن القس توم و من عاونوه عالجوا موضوع موت أطفال الهنود الحمر بكلاسيكية متعجرفة و منعزلة عن الحق.
ثانياً: قضية إنسانية.
فها هى سحر الرشيد تضع القضية ، التى حدث مثلها بالفعل، أمام أعيننا ، و ضمائرنا و امام المجتمع الدولى الذى لا ينظر إلا للشرق فى مثل هذه القضايا. أما فى الغرب العيون لا ترى و الأذان لا تسمع.
ثالثاً: الأديان.
- الكاتبة التى نحن بصددها ، سحر الرشيد ، ذات ثقافة واسعة فى الأديان السماوية و غيرها . استخدمت الأديبة اشياء و طقوس من هذه الديانات فى حبكتها السردية استخداماً جميلاً و رائعاً. و هذا يدل على اطلاعها على ديانات أخرى غير ديانتها.قد تكلمت عن البوذية بشكل مفصّل بعض الشئ ، عن طقوسهم و أعيادهم و ذلك من خلال أسرة "راجا" التى كانت تعيش فى البيت القديم و تعمل فى الحقل.
- أيضاً تكلمت عن الإيمان المسيحى بالسيد المسيح و العذراء مريم و ذلك من خلال توم و ابنته جاكلين.
- أيضاً تكلمت عن الإسلام من خلال الشيخ الذى كان يقرأ القرآن الكريم على رأس جاكلين لكى يُخرج منها الروح الشريرة التى لبستها.
خاتمة:
هذا العمل "رفات ضمير" مكون من صور طبيعية خلابة، لغة سلسة و جميلة لذلك قلت انها تشبه اعمال العصر الرومانسي. حوار بين شخصيات القصة يصلح أن يكون لفيلم سينمائي. افكار إنسانية عظيمة عن حقوق الإنسان بشكل عام و حقوق السكان الأصليين و الأقليات بشكل خاص، افكار رائعة تصلح لكل زمان و كل مكان.شكرا جزيلاً للكاتبة و الروائية سحر الرشيد.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق