السبت، 1 أبريل 2023

قراءة لديوان:"يداك أسمائي الغريبة" للشّاعرة التّونسيّة: إيمان الفالح بقلم أ / الصّحبي السّالمي

 قراءة لديوان:"يداك أسمائي الغريبة" للشّاعرة التّونسيّة: إيمان الفالح
عن مطبعة "الثّقافيّة" بالمنستير صدر الدّيوان الشّعريّ الأوّل للشّاعرة إيمان الفالح؛ "يداك أسمائي الغريبة" في طبعة أولى سنة 2019 وقد ضمّ الدّيوان 34 لوحة شعريّة، تنوّعت بين "القصيدة الومضة" أو "الهايكو" والقصيد القصير، واتّخدت جملة هذه القصائد سبيلا واحدا في صيغها الشّكلية عبر المراهنة على قصيدة النّثر، شكلا تنشأ ضمن تقاسيمه وأنساقه ذائقةُ المنظوم. ولأنّ ديوان "يداك أسمائي الغريبة" هو بكر فلذة المخيال لصاحبته ، وبراء فلقة المعنى لديها، فقد ارتأينا في هذه القراءة الأولى، أن نجعل المقاربة في شكل مداخل تحاول أن تتواطأ من النّصّ على قارئه، أو تحدّثه بخبيئ ما تُضْمر.
مدخل أوّل:
• الشّعر كيمياء النّساء وعطرهنّ :من قال إنّ اللغة ضرّة الأنثى؟ فإيمان الفالح تروّض منك كلّ جارحة لتُسْكنَ فيك تباريح الغواية الذّكوريّة، وإرثا شرقيّا طالما تحالف فيه الرّجل مع اللّغة كي يستلب المرأة وقار أنوثتها، أوربّما ليكلّلها أنثى من غير تاج، كانت اللّغة دوما أداة الرّجل إلى عالم المؤنث، ومنسأته التي يضرب بها بحر الظّلمات فتنكشف له من غياهبه السّبل المبهمة، لم يسمح الرّجل يوما للمرأة أن تتحالف مع اللغة خوف أن تطيحا به، وخشية أن تهتزّ وِصَايته على المؤنّث... قليلات هنّ من وجدن إلى الشّعر خلوةً في غير رثاء أوعواء، وخارج منظار الغواية أو النّكاية...فإيمان الفالح لا تركب لغة متبرّجة متعرّية، وإنّما تسلك إلى القول أشعث سبله وأضناها، بلغة لا تكلّف فيها ولا تصنّع غير ما تقتضيه الصّورة دون مواربة ودون تهويم أو تعويم...تستدعيك الشّاعرة إلى عالمها الطّفولي فإذا أنت مورّط بالتّفكير معها بورطة الخلق المزمن؛ اجترارا لإحساس بالغربة حينا وبالتّشظّي حينا آخر، تعلّمك كيف تغمر "أَنَاكَ" كطفل يتوسّد لعبته والدّمعَ خشية أن ينام فيفيق بلا ظلٍّ... تحدّثك الفالح عن صبوة الطّفولة الغارقة في كيمياء اللّون وعن فصولها الّتي تنسجها بحرص الأنثى التي لا تتشكّل الألوان خارج وصايتها؛ فالسّواد والبياض والصفرة والحمرة كلّها طين الأرض الّذي تشكّل به الشّاعرة عالم القصيد وكونه الجماليّ، فكأنّه الخلق يفيق على كفّيْ أنثى؛ من ماء ونار ومن هواء وتراب، ولكنّه أيضا من ثلج وغبار، هكذا تنشئ الشّاعرة كيمياءها الخاصّة، لترسم ذاتا شريدة لا تكون ألّا رجفة في اختلاج المعنى الّذي يتأبّى إلّا أن يكون كينونة وكيانا... "يداك أسمائي الغريبة" ليس مجرّد تجربه بكر، إنّه نبش في ذاكرة فيها تختال الأنثى على رقوم اللغة الزّلال، وتكون القصيد زنبقة الماء الّتي عليها تستقرّ لتراقب النّشأة وتترقّب النّشوء....فيه تصالح إيمان الفالح بين عالمين التّأنيث يجمعهما والذّكر يفرّقهما، فإذا اللغة ذاكرة الأنوثة الغامضة وإذا الشّعر كيمياء النّساء وعطرهنّ...
مدخل ثان:
• أنطولوجيا المعنى المؤنث. تجترج إيمان الفالح للوحاتها حقلا معجميّا لا تكاد تخلو منه مقطوعة، ما يجعل القصائد – طالت أوقصرت- تكرّر طقسا خاصّا بتنويعات تشكيليّة، (فالغربة، والدّمعة، والرّجفة والوحشة والعواء... كلّها وجوه لوجه واحد؛ ذات تجترّ وحشتها الغريقة، كالأصفياء حين يتلبّسهم لحظة الوجد السّهوم، تبني إيمان الفالح عالمها الشّعري على أنقاض البشارات الغريقة،،، تعود بك في لوحاتها الشّعريّة، لتحفر بأظافرها في ذاكرة الألم والوحشة البكماء،،، بحث أركيولوجي نعلم معه أنّ غربة الكِبَر لا تقلّ إيلاما عن لدغة الدّبابير (قرصة النّحلة) في الصّغر، وأنّ وحشة المكان في كوخ ريفيّ متهاوٍ لا تختلف عن خرائط الضّياع لنفس أثقلها إحساس بالتّصدّع بين ما يتنازعها من أحوال...ولا تختلف عن حرائق العمر نزفًا من غير طيب يذوع...). وعن هذه السُّنّة في القول يحضر معجم ثان، لعلّ أبرز مياسمه وأجلاها حضور مفردات التشكيل الكوني؛(الرّمل/ التراب/الطّين/ الغبار...النّار/الحرائق/الضّوء/الدّخان... المّاء/ الموج/ الدّمع/ المطر/ الغيمة...الرّيح/ الغبار...أليست تلك عناصر الخلق الأوّل، ترتدّ في ذاكرة المعنى تفاصيلا لاختلاج وعي أنطولوجي تتحوّل فيه الشّاعرة/اللغة إلى ذاكرة لكلّ أنثويّ لم يقل ذاته، بدءًا بالآلهة المؤنثة، وصولا إلى الطّبيعة المؤنثة، فإذا أنت بحضرة أنثى قُدّت من ماء وطين ونار وهواء، أنثى تحدّثك عمّا به تكون أمشاج معنى ورجع صدى ذات مستشرية في الكلّ، مفردة بصيغة الجمع، لأنّها الأنثى/الحياة...) ولا تتخلّى صاحبة"يداك أسمائي الغريبة عن" لعبة "البلياردو" الّتي تديرها بين المسمّيات والأسماء،،، تبلغ المغامرة أقصاها حين تبدأ باستمراء تقنية العدول السّياقي بتحويل وجهة الدّلالة، ومناوأة أنساقها التّواضعيّة، لعبة قد تفهم سياقاتها حين نلاحق حضور الموت والحياة؛ الموت الّذي يستشري في النّصّ سوادًا يكتنف المرئيّات؛ طيورا وظلمة وسماء وأحيانا شرخا في المعنى أشبه بالحلم المترهّل المبتور، كلّ ذلك ليس إلاّ رجع صدى لذات تتهجّى على أيقاع الموت مفردات وجود أبلغ توصيفاته أنّه مخاتل لكلّ توصيف، أمّا الحياة فإنّ إيمان الفالح تحرّرها حين تقيم معها أحلافا احتوائيّة حسيّة، وهي ترصد ما يجمعها ببعض ما تهدّل عنها وهو منها؛(صوتِي/ صدرِي/جسدِي/نبضِي/ثوبِي/...). فكلّ ما بنته الشّاعرة من لواحقها المضافة كان بصيغة التّذكير(المذكّر)، كأنْ لا حياة خارج وعي المؤنّث، فما لم تلحقه تاء التّأنيث لا جوار له في الوجود ولا ديّة ، وكلّ ما لا يؤنّث لا يدوم... بِذَا لا يصبح للثّوب ولا الشَّعر ولا الجسد ولا الصّوت ولاحتّى الصّمت، معنى خارج خارطة الأسماء والأشياء التي لها بالمرأة صلة. فإذا كان الرّجل قد استقوى باللغة على المرأة، فإنّ إيمان الفالح تستنصر بالمذكّر مفروقا، لتدخله باللغة تحت سلطتها.... هكذا تتأسّس أنطولوجيا المعنى المؤنّث على مقولة لا معنى لمعنى خارج وصاية الأنثويّ؛ لغة وقصيدة وطبيعة وحياة وامرأة.....
                                                 أ/ الصّحبي السّالمي
                                         بوحجلة / القيروان / تونس

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق