القدسُ بابُ المُرتَقى
شعر: صالح أحمد (كناعنة)
///
السّيرُ سَيري، جُنونُ الرّيحِ مُنعَطَفي
والسّرُّ سِرّي وفي مكنونِهِ شَغَفي
.
النّهرُ نَهري ومِن أمواهِهِ جَسَدي
يا عارِيَ الرّوحِ خُذ مائي بِهِ التَحِفِ
.
الغوثُ غَوثي ومِن تَدفاقِهِ انتَبَهَت
روحُ المكارِمِ والأمجادِ في النُّطَفِ
.
جيلاً فجيلاً سَقَت روحي مَواسِمَها
وأجزَلَت وَتَرًا فاستَينَعَت عُصَفي
.
ما هاجَت الرّيحُ إلا مُشتَهى رَحِلي
ليستَميلَ النّدى في صُبحِهِ عَرَفي
.
يا هذه الأرضُ ما ضَنَّت مَواسِمُنا
بوارِقُ الخيرِ لاحَت من هوى سُعُفي
.
حُبًّا تَرَكتُ هنا في كلِّ نامِيَةٍ
من كلِّ مُبهِجَةٍ يا روحُ فاقتَطِفي
.
هذي بلادي ربيعُ الحُبِّ مَنبَتُها
وزيتُ زيتونِها زادٌ لكلِّ صَفي
.
أرضي عيونُ الصَّفا قدسي وصخرَتُها
منابِعُ الطُّهرِ يا أرواحُ فارتَشِفي
.
قُدسي جِناني وفيها الأرضُ ذاكِرَةٌ
أنفاسَ عِزٍّ؛ فقم يا قلبُ واغتَرِفِ
.
حبًّا، وخِصبًا، وإيمانًا، ومرحَمَةً
لا تَخذُلُ القدسُ قلبَ العاشِقِ الدّنِفِ
.
في القدسِ ما تَعشَقُ الأرواحُ من نِسَمٍ
في القدسِ للمُرتَقى بابٌ وللشَرَفِ
.
وتذكُرُ القُدسُ مَن حَنّوا مَرابِعَها
فاقرَأ حروفَ النّدى من خالِدِ الصُّحُفِ
.
هنا سيوفُ الفِدا عِزًّا سَمَت وسَرَت
نورُ الخلودِ سَنا شِريانِها النَّزِفِ
.
أبو عُبَيدَةَ من طيبٍ بجَبهَتِهِ
روحُ الشُّموخِ سَما عَهدًا لكُلِّ وَفي
.
وابنُ الوليدِ هنا أنفاسُ زأرَتِهِ
شَبّت وصارَ الصّدى بَردًا لمُرتَجِفِ
.
وتذكُرُ القُدسُ من حطينَ مَوهِبَةً
أهدَت فنونَ الفِدا دَرسًا لمُحتَرِفِ
.
وتذكُرُ القُدسُ أنّا لا نَزالُ بها
جيلاً يضُمُّ ندى روحٍ مِنَ السَّلَفِ
.
وتشهَدُ القُدسُ أن جِراحَنا شُعَلٌ
طارَت بلَيلِ الرّدى كشّافَةَ السُّدَفِ
.
وتعلَمُ القدسُ في ساحاتِها صَمَدَت
حرائِرُ المجدِ يا مَن عُجتَ للتَّرَفِ
.
تُذَكِّرُ القُدسُ أنَّ ترابَها لُغَةٌ
رقّت سمائي لها بل أمطَرَت لُطَفي
.
وتحفَظُ القدسُ إذ نادَت بنَكبَتِها
ولم يُلَبِّ سوى نَزفي ويا أسفي
.
قوافِلُ البيدِ لم تفزَع لنَجدَتِها
يومًا ولم تأتِها خيلٌ مِنَ النَّجَفِ
.
أشلاءَ روحي أنا سَوَّرتُها وبِها
بعضٌ لبَعضٍ عَدا شاكٍ لِمُنتَصِفِ
.
وألبِسَت وجَعًا قُدسي على وَجعٍ
فصِحتُ يا وَجَعي نامي على كَتِفي
.
قد أوغَلَت بالدّما والجهلِ أمَّتُنا
فصحتُ مِن وَجَعٍ واأمَّتاهُ قِفي
.
يا لَعنَةَ الدّمِ هل في قَتلِ إخوَتِنا
إلا الشَّقا يَرتَضي باغٍ لمُنحَرِفِ؟
.
مشيئَةُ الدّمِ أم جَهلٌ يُمَرِّغُنا
في عارِ نَكبَتِنا عادٍ على جَنَفِ
.
ويُشعِلُ النارَ في أشلاءِ فُرقَتِنا
بَعضي يريقُ دِما بَعضي! فما شَرَفي؟
.
يا لَعنَةَ العارِ من غَيبوبَةٍ ثَقُلَت
وأورَدتنا مهاوي الذُلِّ والعَجَفِ
.
خمسونَ مجزَرَةً في لَحمِها اقتُرِفَت
قدسي وما وهَنَت من قبضَةِ الصَّلَفِ
.
خمسونَ جرحًا ندى شريانِها ارتَضعوا
والكلُّ يرجو بها سَترًا لمُنكَشِفِ
.
خمسونَ إفكًا بها أعداؤنا اقتَرَفوا
فمَن أعدَّ بنا حَربًا لمُقتَرِفِ؟
.
وترتضيني أنا صوتًا لغَضبَتِها
أرُدُّ كيدَ العِدا عن جُرحِها وأفي
.
قَومي! أعِدوا لها للقدسِ غاليَتي
فالنّصرُ لا يُرتَجى من عابِرِ الصُّدَفِ
::::::::: صالح أحمد (كناعنه) :::::::::
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق