أين أنتم يا عرب؟
كم من مرّة برز هذا السؤال وصدحت به حناجر المظلومين في أرضنا العربيّة ؟ وكم انتظرنا ولو ردّا وحيدا من غير المظلومين يخبرنا أنّ للوطن أحبّاء، فقد يزتفزّهم مجرّد السّؤال ليبدوا بعض الانتماء ؟ فأين أنتم يا عرب حين تيتّم طفل سوريا وبنت فلسطين، وتساقطت بنيانا كنّا نعدّها إرثا وعلامة من علاماتنا ؟ أين أنتم حين بيعت أرضنا بأبخس الأثمان لا لشيء إلاّ لأنّ الباعة تناسوا أصلهم، وصارت الهويّة عندهم سلعة؟ أين الشّهامة العربيّة وما مات من أجله الأوائل واستماتوا من أجل أن يمرّروه لنا في الكتب وفي الأرض وبين النّاس؟ أستبيحت الأعراض والكرامة.. تقمّص " السّادة " دور العبيد ولكن عوض أن تكون الخدمة للوطن والنّاس فيه أصبحت الخدمة للمغتصب والمحتلّ، وضدّ الأرض وكلّ من أحبّ الأرض واستبسل لبقائها عربيّة، وضدّ بقائها عند أناسها.. أستبيح ثدي امرأة تهيّأت لترضع وليدها، وقد صرخ من الجوع.. سرقت بسمة كلّ تهيّأ لفرحة ونجاح، بل منعنا حتّى من ضحكة تنطلق من الأعماق بأنّنا أصحاب حقّ في أرض كان لأجدادنا فيها منابت جادت بكلّ ما يعطي للحياة من معنى، وجداول ماء تسقيها تبثّ فيها كلّ يوم روحا جديدة.. منع الشّيخ من أن يترنّح متكّا على عكّازه كي يلاقي بعض أصحابه تحت ظلّ شجرة ليمضي بعضا من الوقت أو ليصل إلى مسجد أو كنيسة فيقيم عباداته. أرضنا ولاّدة حسدنا على امتلاكها حتّى أهلنا فراحوا يفرّطون فيها يمينا ويسارا ولو على حساب أنفسهم . أرضنا امتدّت بين الماء والماء تغتسل فيه من كلّ الأدران الّتي أريد لها أن تتّسخ بها فغرسوا فيها ما يدنّسها ويعكّر صفوها ويحبس فيها الأنفاس. ووجد عبدة الظّلم وأعداء الحياة من يمهّد لهم الطّريق فبسطوا سحابات سوداء على سماء بلدي المضيئة والمتلألئة لتصبح كالوردة الذّابلة الّتي قطفتها يد قاسية لتعبث بأوراقها وتوقف يناعها. تشتّتت أوراق الوردة فعجزت أن تستأنف حياتها جنبا إلى جنب. نعم كبّلوك يا أرضي يا حبيبة وفتّتوك أجزاء ، لكنّ جذورك مازالت راسخة في الأرض والماء ولن يستأصلوها أبدا. مازالت بذور الأجداد في بسمة الأطفال المجروحة، وزغردة الأرامل والثّكالى . مازالت جينات الحبّ والفرح متناثرة هنا وهناك في أطراف أرضي تستعدّ لتنمو مع كلّ حجر يصيب العدوّ ويدميه. مازال صوت عزّتك في كلّ حرف من اسمك ينطقه الحبيب والعدوّ يرعب الخائن وصانعيه على حدّ السّواء. وستنهضين وستنتصرين وسيفيض ماؤك من جديد لنتطهّر به ونسقي به الشّروخ الّتي صنعوها فتلتئمي وتضمّدي جراحك، فتستحيل الدّمعة بسمة، ويملأ الحليب ثغر الصّبيّ فيقفز من حجر أمّه ليذود عن حماها وحمى كلّ الأمّهات. سينبت الزّرع ويدرّ الضّرع، وسنقيم أفراحك وسيعلو فيك من جديد صوت الصّوامع والكنائس.
رشدي الخميري/ جندوبة/ تونس
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق