الجمعة، 12 فبراير 2021

العنوان بؤرة أي عمل أدبي..ومفتاح الولوج إلى بنية تشكل المعنى الجمالي في النص الأدبي بقلم الناقد والكاتب الصحفي محمد المحسن

العنوان بؤرة أي عمل أدبي..ومفتاح الولوج إلى بنية تشكل المعنى الجمالي في النص الأدبي
يكتسي العنوان أهمية بالغة مع انتشار الطباعة ودخول المجتمعات مرحلة الحداثة الثقافية، وازدادت هذه الأهمية مع انتشار مجموعة من الأبحاث والدراسات التي حاولت أن تقارب إشكالية العنوان، وما تثيره على المستوى النظري والإجرائي، باعتبار أن لحظة قراءة العنوان مرحلة مهمة في العبور إلى قراءة النص وفهمه واستيعابه، ومما لا شك فيه أن احتقار اللحظة العنوانية وعدم تجشم قراءة العنوان بما تقتضيه من الاهتمام الكافي، والتركيز الشديد، قد يقود إلى فهم خاطئ لكلية النص، لذلك اتجهت هذه الدراسات والبحوث إلى دراسة العنوان كنص مستقل بذاته،ومن هذه البحوث دراستا ليو هوك Leo hoek: (نوعية العنوان La marque du titre،وسيميولوجيا العنوان La sémiotique du titre، بالإضافة إلى ما جاء به الناقد الفرنسي جيرار جنيث في الموضوع في كتابه معمار النص.
يتحدث جيرار جنيث في كتابه معمار النص عن العنوان باعتباره نصا صغيرا يختزل ويختصر النص الكبير،هذه الاستقلالية تقود إلى اعتبار العنوان وخاصة العنوان الشعري بنية لغوية يتركب من مفردات ينبغي دراستها تركيبيا ودلاليا للوصول إلى المرامي التي يتغيا الشاعر إبلاغها،هذا العنوان يتمظهر من خلال خطوط يمكن قراءتها سيميائيا على المستوى الخطي الكاليغرافي،وكذلك حيزه على مستوى الصفحة، بالإضافة إلى المرجعيات الثقافية والاجتماعية والإديولوجية التي يحيل عليها، بما يجعله بؤرة تختزل النص بكامله،إن احتقار اللحظة العنوانية،والقفز عليها،وعدم الاحتفال بها،يخفي العديد من القضايا المتصلة بمجال الأدب نظريا وتطبيقيا، فالعنوان-حسب ليو هوك Leo hoek- ليس فقط هو أول ما نلاحظ من الكتاب/ النص في (شكله المادي)، ولكنه عنصر سلطوي منظم للقراءة، ولهذا التفوق تأثيره الواضح على كل تأويل ممكن للنص..
و هنا تكمن إغرائية العنوان كوظيفة من الوظائف التي حدّدها له جيرار جينيت.فالشاعر أو المبدع عامّة باختياره للعناوين الإغرائية يسعى إلى استفزاز القارئ و إرغامه على ولوج عالم النصّ لاستكناه خباياه و من ثمّ تتولّد لديه لذّة القراءة، و مردّ ذلك انزياح العنوان الذي يطرح تساؤلات عديدة حوله تعكس مدى قدرة المؤلّف على التّلميح من خلال تركيبه اللّغوي البسيط.
ختاما أقول:
يشكل العنوان بؤرة أي عمل أدبي،ومفتاح الولوج إلى بنية تشكل المعنى الجمالي في النص الأدبي عن طريق آليات القراءة التي يمارسها القاريء في حالة من التفاعل بينه وبين معطيات متعالقات خاصة بذاته المبدعة،فهو لا يختار اعتباطاً أو بصورة عشوائية العنوان الذي يحمل هوية مجموعته،ذلك أنه لا توجد اعتباطية في هذه المسألة المهمة التي ربما تأخذ من فكره وذهنه الكثير حتى يستقر على العنوان الذي يرتئيه لمجموعته أو لنصه،ومما تجدر الإشارة إليه ان اختيار المبدع عنوان مجموعته ينبني على أساس أكثر الأعمال قرباً إلى نفسه،أو أكثرها تعبيراً عن معطياته النفسية والشخصية والثقافية وأكثرها شمولية لأنساق القصص المشاركة ضمن المجموعة الواحدة..
ولنا عودة إلى هذا الموضوع عبر مقاربة مستفيضة
محمد المحسن
Peut être une image de 1 personne

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق