الخميس، 18 فبراير 2021

وصية الشاعر التونسي الكبير محمد الهادي الجزيري للناقد والكاتب الصحفي محمد المحسن

 وصية الشاعر التونسي الكبير محمد الهادي الجزيري لمحمد المحسن

لعل من أبرز الخصائص المميزة للعمل الفني عموما والملفوظ الشعري خصوصا انه عمل يستفز المتلقي ويحمله على التفكير والتامل في كل حرف وكل كلمة بل يجعله يبحث عما خلف السطور وخلف الكلمات. ومن هنا يمكننا القول أن الجمالية في الشعر جماليتان : هما جمالية الكتابة وجمالية التلقي .
فالطاقة الشعرية تتسع كلما اتسعت دائرة القرّاء لان كل واحد سيتناول النص من منظوره الخاص ويرى فيه ما لا يرى غيره .
ولا يفوتنا الإشارة الى أنه من شروط جمالية النص الشعري أن تكون المعاني والصور متمنعة مستفزة لا تسلم نفسها للمتلقي بيسر بل تحمله على أعمال فكره وقراءة القصيدة بترو،وبذلك يمكننا الإقرار بكثير من الإطمئنان أن النص الشعري نصان: نص مكتوب على ضوء رؤية صاحبه،ونص مقروء حسب رؤية المتلقي .
وهنا نستحضر قول تودوروف ”ان النظرة إلى الحدث الواحد من زاويتين مختلفتين يجعله حدثين منفصلين
وقد لا أجانب الصواب إذا قلت للشعرية أساليبها البليغة،ومؤثراتها المهمة في تفعيل الرؤية الشعرية في القصائد الحداثية المعاصرة،لاسيما حين تمتلك قوة الدلالة المكتسبة من شعرية الأساليب وتنوعها وغناها الجمالي بالتقنيات الفنية المعاصرة، فالشعرية -بالتأكيد- تثيرها الأساليب الشعرية المتطورة،ومحفزاتها الإبداعية الفاعلة في تكثيف الرؤية الشعرية، وتعميق منتوجها الإيحائي المؤثر.
في هذا السياق بالتحديد،تتجلى الرؤيا الإبداعية الخلاقة التي ترتقي بالنسق الشعري،وترقى بمستويات مؤشراته الجمالية للشاعر التونسي الكبير محمد الهادي الجزيري،الذي أوحت لي قصائده التي بين يدي (مدني ذات زمن ليس ببعيد بمختارات شعرية مدهشة،ملتمسا مني-بلطف شديد الإحتفاظ بها-والتعريف بها إن حصل له مكروه لا قدّر الله بإعتباره يعاني منذ زمن من مرض عضال حتما سينتصر شاعرنا الكبير عليه ونحتفي جميعا بهذا الإنتصار البهيج القادم قريبا )
وهنا أقول للقارئات الفضليات والقراء الأفاضل: لا ترتقي الرؤيا الجمالية إلا بمنتوج جمالي، وشكل جمالي جذاب؛وهذا التفاعل والتضافر بين الإحساس الجمالي والشكل الجمالي هو الذي يرقى بالحدث الشعري،ومثيراته الجمالية..
وهذا ما تجلى بوضوح لا تخطئ العين نوره وإشعاعه في جل قصائد محمد الهادي الجزيري:
وهذه واحدة من قصائده المدهشة..فأضبطوا أنفاسكم قليلا..:
قلنا لها
قلنا لها
لا تتركينا للرصيف وللنساء الخاويات
وللرفاق الماكرين
وللفجيعة كلّما رسب الظلامْ
قلنا لها
نحتاج صوتك في الصباح لكي نفيقَ
وفي الظلام لكي ننامْ
قلنا لها
نحتاج وجهك في الزحام لكي نلاحظ فجأة
أنّ الشوارع خاليةْ
نحتاج وجهك كي نلاحظ فجأة
أنّ التسكّع ممتع جدّا
وأنّ مناخ حانات المدينة لا يطاق
وأنّ سكّان المقاهي تافهونْ
نحتاج وجهك كي نكونْ
نحتاج وجهك كي نلاحظ أنّ وجهك مستحيل كالسلامْ
نحتاج وجهك كي نصوم عن الكلامْ
قلنا لها ما لم يقلْه
طائر لجناحه
أو راهب لصليبه
أو ثائر لسلاحه
قلنا لها ما لا يقالْ
لكنّها حجر جميلْ
حجر طريّ، ناعم الكفيّن،وحشيّ الجمالْ
حجر جميلْ
أدمى جوانحنا ولم نشرك به أحدا
ومن أسمائه الحسنى دلالْ
حجر جميلْ
شرس الطباع مسالم
فظّ
رقيق
قامع
متناقض متناقض حتّى الكمالْ
حجر جميلْ
قلنا له كلّ الكلامْ
(محمد الهادي الجزيري)
*أترك للسيدات الفضليات والسادة الأفاضل حرية التفاعل مع هذه اللوحة الإبداعية التي نحتتها بمهارة واقتدار أنامل الشاعر التونسي الكبير محمد الهادي الجزيري.
محمد المحسن

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق