الأحد، 14 فبراير 2021

قراءة متعجلة في اللوحة القصصية القصيرة للكاتب التونسي الكبير طاهر مشي (ملامح مشوهة) بقلم الناقد والكاتب الصحفي محمد المحسن

 الرقص على ايقاعات الوجَع :

قراءة متعجلة في اللوحة القصصية القصيرة للكاتب التونسي الكبير د-طاهر مشي (ملامح مشوهة)
يشكل "الألم" في نظرية الإبداع الأدبي القيمة الأشد توترا، تجربة ورؤيا لدى المبدع،وأداة إمتاع ومؤانسة لدى المتلقي.ويتضاعف تبئير "الألم" في الأعمال السردية،والقصة القصيرة خاصة،من حيث إن لها تقنيات معلومة،وزوايا نظر مختلفة.
بيد أن تجربة هذا "الألم" وإن كانت منطلقا لسرد الأحداث وتنامي مقومات المتون القصصية، سرعان ما تزداد عمقا أو تخفت حسب كل تجربة إبداعية،لاسيما عندما يتناغم الكون التخيلي للقاص مع الأحداث الواقعية،وبالتالي تتعمق إشكالات التلقي وفواصله بين حدود إمتاع القارئ وممكنات عيش الألم.
سؤال التأرجح بين "الألم" والإمتاع في الإبداع القصصي ومدى ممكنات الكتابة عنه أو بحسبه،يطرح نفسه في كل نقاش أدبي حول خطاب القصة القصيرة أو الخاطرة المشحونة بتوترات عاطفية ونفسية،حتى بات بعض أهل النقد القصصي والإبداع العام يتساءلون حول استحالة أو إمكان الكتابة في الجنس القصصي تحت وطأة الألم أو خارجه،أم أن الكتابة القصصية بشكل عام وسيلة إمتاع وإلهام سيكولوجي أو نقل لتوترات مزعجة.
في هذا السياق،يرى الشاعر والروائي المغربي حسن المددي أنه بالإمكان إمتاع القارئ بالحديث عن الألم نفسه،فالإبداع فضاء رحب يحتمل كل ما فيه من انزياح أو عدول،حتى لو تعلق الأمر بالألم ذاته،فروايات فيكتور هوغو -وخاصة "البؤساء"- ما تزال تمتع القارئ رغم سوداويتها ومأساويتها.
اللوحة القصصية القصيرة للشاعر التونسي الكبير د-طاهر مشي (ملامح مشوهة) هي أشبه بقصيدة نثرية ملؤها الشجن،وشحت بفن قصصي جميل،ولغة غنية بمفرداتها ودلالاتها،مازج فيها القاص بين القصة القصيرة بكل أركانها وثوابتها،وبين لغة كانت هي اقرب إلى الشعر ..
منذ بداية الأسطر الأولى وهناك محاولة لجذب القاريء إلى تفاصيل كثيرة،وأشجان متنوعة داخل اللوحة القصصية،والكاتب يفعل ذلك في مناجاة وإسهاب،ربما رغبة منه في إحداث دويًا داخليُا في النفس البشرية.
(ملامح مشوّهة) هي أحداث ترسمها الحروف على مائدة الحاضر تذكرنا دوما بألوان الحزن المتخم بالوجع في هذا الوطن الذبيح الذي فقد كل جيناته إلا الحيرة،الحزن والأسى بكل تداعياته الدراماتيكية،فتتوه كل ابجديات الأمل لتحل محلها مفردات الألم حيث يصيح المبدع طالبا النجاة،والخلاص من عقال الخيبات والإنكسارات،فلا تسمعه غير اصداء قلوب أتعبها نزف القهر وفقدان الأمل في زمن أصبح مفروشا بالرحيل..
وإلى القارئات الفضليات والقراء الكرام هذه اللوحة الإبداعية الموشحة بأحزان صامتة..وللجميع حق التفاعل مع مضمونها
ملامح مشوهة
""""""""""""
اليوم تفارقني البسمة،أحاول جاهدا أن أمضي،أرصف الكلمات في صمت،لكن تخونني الذاكرة، تبعثرني الآه تلو الآه وأنفاسي مشتتة في مهب الريح،تحملني المنايا على أجنحة الحلم محلقا في سماء قفر من النجوم،فضاء ليس به كواكب ولا بدر ولا شمس تغطيها السحب،فقط حقيقة عمياء،بدون رعود مدوية منبئة بالسيل..
اليوم تفارقني البسمة،علها تعود وتغمرني ذات يوم،وجع يقطع أوصالي يعزف سمفونية الوجع،
وبعض من الماضي يدغدغ الذاكرة،يرسم خارطة طريقي،أراها سكينة موجعة..
اليوم تفارقني البسمة،وسأنتظر اليوم الموعود حتى تتشكل ملامحي من جديد،
علها ملامح مشوهة،يدنسها الانتظار المقيت،وعلها لعنة منذ عصور،تذرها الرياح وتتناقلها الأعاصير،
(طاهر مشي)
لقد أجاد د-طاهر مشي في هذا السرد المتفرد بأسلوبه الرائع والعزف على الوتر الحساس للمشاعر،إذ دخلنا معه مواسم طرزها بخيوط ألق للقصة التونسية القصيرة الموشحة بكل فنونها وشغفها.
محمد المحسن

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق