الأربعاء، 23 يونيو 2021

انـــتـــظـــار بقلم المفرجي الحسيني

 انـــتـــظـــار

---------------------------
في محطة القطار الواسعة المكيفة ليل نهار أناس كثيرون يدخلون من بواباتها وآخرون يخرجون وغيرهم ينتظرون على المقاعد وبعضهم افترش أرض المحطة تستند ظهورهم على الجدران والاعمدة الضخمة العالية التي تحمل سقف على شكل قبة، تحوي رسوماً ونقوشاً بالوان كثيرة، حيوانات ونباتات، كانت القطارات تمر، تتوقف لدقائق ثم تغادر مسرعة وباتجاهات متعاكسة ، داخلة خارجة.
كان "علال" وحده دون أحد معه، لا حقيبة يد والظهر، يتأمل نقوش سقف المحطة، لم ينظر أحد للنقوش سواه، لا يعبأ بها احد، تنتشر في المحطة تلفزيونات معلقة ومقهى للمسافرين ولوحة كبيرة خلف منضدة خشبية طويلة، يعمل خلفها العديد من الموظفين، اغلبهم من النساء، كتب عليها بخط ردئ أسماء المدن التي تمر بها القاطرات، كان يحلم بكل المدن، التي كتبت على اللوحة الكبيرة، أن يسافر اليها كان يتخيل ذلك ويحلم به حتى عندما كان في مواقع القتال أثناء الحرب التي استعرت لسنين طويلة.
تأخر القطار الذي يريد أن يسافر به، لذا اتجه الى مقهى المحطة وتناول مشروباً بارداً ثم استلقى على أحد الكراسي الطويلة بانتظار القطار واضعاً يديه خلف راسه مستعرضاً يومه وأيامه السابقة، منذ مأذونيته الاعتيادية من جبهة القتال والمعاناة التي تكبدها للوصول الى هنا، وقد أستغرب كثيراً للشحاذ الذي لعنه وسبّه لأنه لم يقدم له شيئاَ لأنه لا يملك نقوداَ، لم ينظر اليه أحد، ولم يعره أي اهتمام، كان الناس يدخلون ويخرجون بصمت وكأن الطير فوق رؤوسهم.
أدرك من خلال وضعه أن القطار سيتأخر كثيراً، لم يأبه لذلك، كان عليه أن ينتظر وأن لا ينام، ظل يراقب المقهى والنادل والقطارات وهي تمر بعجلاتها الحديدية، تدوس على القضبان بصوت كأنها تدوس على أعصابه، وما عليه الا الانتظار.
**********
المفرجي الحسيني
الانتظار
العراق/بغداد
23/6/2021

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق