السبت، 18 سبتمبر 2021

قُمْ للثّقافةِ ننتقي دُرَراً لها بقلم الشاعرة عزيزة بشير

 قُمْ للثّقافةِ ننتقي دُرَراً لها

هِيَ في جِنينَ كما العروسِ بِزَفّةِ!
ُشعرَاءُ كتّابٌ وَكُلُّ مُثقّفٍ
حتّى الوزيرُ ككاتبٍ لِرِوايَةِ
خرجوا معاً كَيْ يَحْتفوا بِثقافةٍ
رَغْمَ احتِلالٍ لِليَهودِ لِضفّةِ
جابوا البِلادَ تفقّدوا وتَعهّدوا
(قصرُ الثقافةِ في جِنينَ )بِسرعةِ!
قرّ الوزيرُ وَسعدِي كُلّ مَطالبٍ
بلَدِيّةٌ عَوْنُ الًثقافةِ إخوَتي !
ليس الثقافةُ في جِنينٍ وحدَها
بَلْ في قُراهَا أيا الوزيرُ ،كَشُعلَةِ!
قد كرّموني في اليَامونِ بُلَيْدتي
وأشادُوا بِيّ ،بِكُتبِي معها ثقافتي!
فهيَ الهَوِيّةُ للثّباتِ بِأرْضِنا
وَبِهَا مُقاوَمةُ اليَهودِ وَصَفقَةِ
ألكلُّ يصدَحُ كالعنادلِ عالياً
رَغْمَ احتلالٍ مَعْ ظُروفٍ صعبَةِ!
بورِكتّ مِنْ شعبٍ وَبورِكَ سعيُكم
كُلٌّ مُرابِطُ في العَرينِ بِقُوّةِ :
-هاتيكَ ( مريَمُ) طُوِّعَتْ لِثَقافةٍ
قد أسمعتْ كُلَّ البِلادِ بِصِفحَةِ!
ورَوابطُ الأدباءِ فيها شُعلَةٌ
في كلِّ يَوْمٍ تلتقيهَا بِبَلدَةِ!
وأمالُ ألحَظُ بالثقافةِ جُهدَها
وأراها بيْنَ شواعِرٍ كمديرَةِ
ومُحافِظٌ في كُلِّ رُكْنٍ تلقَهُ
رجُلَ الثقافةِ، داعِماًلِلإخوَةِ !
وَأتيْتَ أنت مُلَفّعاً بِثقافةٍِ
رجلَ السياسةِ أيْ وَزيرُ ، بِهِمّةِ
بورِكْتَ ( عاطفُ) راعِياً لِثَقافةٍ
فمِنَ الشّتاتِ أُحَيّكُمْ وأحِبّتي !
عزيزة بشير
Peut être une image de 2 personnes, y compris Maryam Labadi et personnes souriantes

ديوان "نبض وأوتار" يسافر لمصر العريقة ليصل أحضان الأديب شعبان محمد البنا

 ديوان "نبض وأوتار"

يسافر لمصر العريقة ليصل أحضان الأديب شعبان محمد البنا
"""""""""""""""""""""""
مابين الشوق والأنتظار
يقدم الدكتور والصديق التونسى الشاعر ديوانه الجديد
( نبض وأوتار) عن دار الاتحاد فى مدينة أريانة التونسية.
.......................
يبدأ شاعرنا ديوانه بقصيدة (اشتياق لحضنك يا سيدتى)
وينتهى بقصيدة الأنتظار حيث يقطع بنا رحلة السير فى روضة الشعر. حيث يقول من قصيدة خيانة فى المساء
حين يبلغ الهوى منتهاه
يتسلق زراعى أرجاءك
فتزهو الحياة
أشرب من قطرات نداك
شهدا
ويتملق الحنين والرجاء
ويعوم بسيلك الجارف
ليروى العروق
كل مساء
فقد بات الحظ بودنك عاثرا.
والسحب
شاردة فى كبد السماء
وبرق يقصف فى الوريد
والقلب
يناجى سيدة النساء...
ولقد استطاع شاعرنا أن يسيطر على فكرته التى سارت فى خط متعرج ولكنها حددت الطريق الى نهاية الفقرة فلم تشذ
ويعتبر الوضوح عند شاعرنا قيمة تتجلى فى جل ديوانه.
حيث لم نعثر له على أثر للغموض فى الديوان. ذلك الغموض الذى يعد مثلبة تجور على الشعر وتسحب من رصيد الشاعر
كقول أحدهم :
الى متى
تنتظر الحيوانات الصغيرة
حتى أسقط
فتبدأ الحفر فى رأسى.
ويقول أخر :
ياحامل مقصلتى
كان لقائى بحد السيف
وشجر الناس.
فنحن أمام تهويمات يصعب أن تفضى الى نتائج. وهذا الغموض المستقبح يطغى على مساحة كبيرة من نتاج قرائح كثير من أنصار قصيدة الشعر المطلق.
يقول طاهر مشى من قصيدة عنود وقد جاءت على بحر البسيط الذى أكد قدرة شاعرنا على ركوب البحر واعتلاء صهوته.
مستفعلن فاعلن مستفعلن فاعلن
مستفعلن فاعلن مستفعلن فاعلن
وهذا البحر له ستة أعاريض. وستة أضرب
يقول الشاعر:
يامن تناجى بحرف الشعر بارقة
مستفعلن فاعلن مستفعلن فاعلن
تهد القوافى ورسم الشعر أضنانى
أن الحبيبة فى الأوهام غارقة
مستفعلن فاعلن مستفعلن فاعلن
وكم أكافح دون الحب أحزانى..
فهل رأيت بنور البدر شارقة
تغفو بها ومع الأموات أكفانى
مستفعلن فاعلن مستفعلن فاعلن
نعرف من هذه القصيدة أن شاعرة قد تصالح مع القصيدة الكلاسيكية منذ بدايات معرفته بالشعر وقرضه له. وهذا شأن كل شاعر يكتب من أجل الفن..
وعلى الرغم من أن بعض الشعراء لم يستطيعون حماية مواهبهم من ألوقوع فى أسر القصيدة المرسلة الا أن شاعرنا
وضع هذه القصيدة فى الديوان ليشير لنا بأنه قادر على اعتلاء صهوة البحر .
والشاعر صاحب البحر أى الملتزم بالبحور الفراهيدية يستطيع القيام على أنتاج أى نص. وليس العكس. حيث أن الموسيقى هى صنو القصيدة.
يقول الشاعر طاهر مشى من قصيدة (سأعشقك كما أشاء)
هذه الليلة...
سأحطم كل قيود جنونى
وأعشقك
كما يشاء قلبى
سأنثر حنينى وعذب أشواقى
بين أهداب عينيك
أتنفس من نسائم جدائلك
يا أميرتى
ونداء حلمى
أحبك بجنونى وعنفوانى
لن أبالى بما مضى من الليالى
وسأحطم كل القيود والأسرار
ولا أهتم
لأقوال الرواة.
الى أن يقول:
سألامس لب الأشواق هذه الليلة
وأمتطى تغاريد المساء
بلهفة مشتاق لحلم ينادى
وسأرسم
ولن أبوح
وأسعد
وأضرم
لأنهى.........!؟
وهكذا يمضى فى المضارع متمنيا تارة ومهددا حبيبته تارة بأنه سوف ينهى لذة الحلم الجميل.
يعتبر ديوان نبض وأوتار على رغم أنه لم يتجاوز المأة وثلاثون صفحة الا أن الشاعر أستطاع ان يتنفس فيه على رسله وهو يعرض حلقة من قصته الطويلة مع الشعر وحبه له
وتعاطيه أياه بالكثير من القرب الحب.
أنا على يقين بأن شاعرنا بما يمتلك من امكانيات مؤهلا للدخول فى معترك الحياة الأدبية من أوسع أبوابها بما لديه من معطيات كثيرة تتيح له الكثير والرحيب من الحركة والأبداع.
..........
صافى مودتنا
شعبان البنا
مصر
سبتمبر
١٨/٩/٢٠٢١


Peut être une image de 1 personne, livre et texte

الجمعة، 17 سبتمبر 2021

قراءة -متعجلة-في قصيدة الشاعرة التونسية المتميزة -جميلة عبسي "قبلة مرتدة " بقلم الناقد والكاتب الصحفي محمد المحسن

 قراءة -متعجلة-في قصيدة الشاعرة التونسية المتميزة -جميلة عبسي "قبلة مرتدة "

لم يعد يكفي أن تقول عن بيت من الشعر أو قصيدة أنها خفقة قلب أو دفقة شعورية كما كان يحلو لمن جعلوا الشعر من قبيل الوجدان المحض ولا شيء غير هذا،وقاسوا قيمة القصيدة بما تحتويه من وجدان صاحبها ،وكان هذا القول في حينه ثورة على كلاسيكية شوقي وحافظ على أنه - أي هذا الرأي -لم يكن نبتا عربيا خالصا وإنما اتبعوا فيه المدرسة الإنجليزية في النقد إبان الربع الأول من القرن العشرين ثم أحدثت المدرسة النقدية الفرنسية ثورة نقدية على يد " كلود ليفي شتراوس " مذ أصدر كتابه الفذ " المدارات الحزينة " سنة 1955م متأثرا بنظرية " دي سوسير " في اللغة حيث جعلها نسقا قائما وحده مبرزا ثنائية الدال والمدلول..ولم يقدر لهذه المدرسة الاستمرار في فرنسا إذ ماتت بالسكتة سنة 1968م وإن انتقلت إلى بلادنا العربية في العام التالي لموتها او قبل ذلك بقليل -لست أذكر بالضبط فأنا أكتب من الذاكرة -غير أني أذكر أن مقالا للأستاذ المصري الراحل / محمود أمين العالم هو الذي ابتعثها من مرقدها ،وقوبلت بما يقابل به كل جديد وإن كان هذا الجديد في بقعة أخرى من بقاع الأرض جيفة لا أكثر ..
أقول :لم يعد مقبولا ان نقول عن قصيدة أنها نفثة مصدور أو خفقة قلب ولا شيء غير هذا خاصة إذا كنت أمام نص للشاعرة التونسية القديرة -جميلة عبسي-والتي تصل-في بعض قصائدها-(وهذا الرأي يخصني )إلى مداعبة الذائقة الفنية للمتلقي بمهارة مذهلة..
لنرقص معا على ايقاعات القصيدة التالية :
قبلة مرتّدة
ليتك كنت قبالتي..
رجلا بقلب طفل أربكته قبلة
فارتد نحو الفراغ يلف سيجارة متعبة ..
رأسك
يبحث عني في كل الاتجاهات...
السماء احتمالات..
خطوط الشوق أرض التجاعيد
فراغ ساحق
و مسافات يطويها العذاب
بحر الغيم اسود ..
حبر أجاج
يدثر جسد الليل
قبطان من ملوك الجان
و سفينة انزاحت عن سطر ..
و نقطة و بعض فواصل مكلومة
انشقت بطانتها..
و لاحت للريح ندوب نهديها ..
الجسد تدور فيه عنادل الوحدة ..
دمي مزمار فائر ..
يشعل كهرمان الحب في داخلي ..
لم يعد لدي وطن و لا ظل أستكين اليه ..
و لا قبة اشعل فيها شمعة توحدي فيك ..
و لا زاوية اعقد فيها خيط أمنيتي
فراغ الروح قيدني
مبحوحة تفاصيل الفراق
ازدلفت للشوق شاكية
وديان يغطيها الضباب
و غيوم بلا أمطار..
أهدابك ملتحفة السماء
تحتاج براعم رحمتها..
قد جفت الأنهار بقلبي..
مازالت أحجياتي ..
تفرش مساءها للسماء ..
تعلن ثورة الشك ..
تسافر بالذاكرة
داخل فوهة اليقين و المنطق
أحبك أكثر في ضعفي..
و في قوتي ..
أرفض الرقص على أوتار
أخلفت وعدها..
أعض على شفاه القدر
و أندب قبلة مرتدة
أشطف الأحزان
على أغصان ظل ندي ..
و أثمل..
ماذا لو تركت خصومك
و عزفت للقلب ألحانك..
ماذا لو أنرت مئذنتك..
للفجر تصلي..
و عدت لخلد الحضن
جنة زلفى..
مستهام الفؤاد أنت !!
أعطافه تسابيح الرجاء..
صوت من ترانيم الآلهة..
قلبي بيدك عقد ..
علقني تميمة على صدرك .
الشمس عروس المغيب
و يدي تشتهي الحناء ..
جسدي عجينة طرية ..
يحمل بياض الشتاء ..
و انت تعشق سمار صيفه.
ماذا أصنع و الألم دمعة منصهرة ..
و عراقيل الحب لا تكّل
اللهيب يعصف بأقدارنا ..
كرز الشفاه على أبواب النهاية ..
الاشتهاء
ندوب بالذاكرة..
و قبلة مرتدة
الشاعرة /جميلة عبسي
تونس الحرية /17/8/2021
النـص مـشبع بـالنزعـة العاطفية المتدفقة من ثناياه،شاعرة متمـكـنة مـن أدواتـها الــفنـيةلـغة وأسلـوباً سـلساً،وبنـاءً معمارياً وصورة رائعة مذهلة،فقد نجحت الشاعرة فــي تجسيد مــا يعتمــل فــي صدرهــا مــن شظايا انفـعالات عاطفية مضطربة ومتحركة بأسلوبها الواعي الـذي يجعلـك تـحس بجمالـيات الـنص وإيحـاءاته.
ختاما : قد لا أجانب الصواب إذا قلت أن-جميلة عبسي- شاعرة من طراز خاص أسهمت في رفد الساحة الشعرية التونسية بإنتاجها الأدبي المميز،رائعة بكل ما تعنيه الكلمة،تجعل نبضات قلبك تخفق خاصة في قصائدها الوجدانية والعاطفية،قديرة ومتمكنة وهى تعزف تابلوهات فنية راقية في مشاهدها الفنية،بكل تميز وألق،وبنكهة خاصة تلامس آمالنا وآلامنا،وكذا أحلامنا في زمن ضللنا فيه الطريق إلى محراب العشق النقي..
وأخيرا أتمنى مزيدًا من العطاء والإبداع والتألق المتواصل للشاعرة التونسية المتميزة جميلة عبسي
محمد المحسن

ربيع العشق بقلم الشاعرة محجوبة بن حميدة

 ربيع العشق

هلّت فراشـات الغرام
هلّت بـشــــائر الحبيب
جاءت إليّ بالخبر اليقين
تقول لي الفـراشـــــات
يـا زينة البــنــــــــات
هلمّي و آفتحي ذراعيك
و آستقـبـلي حبـيـبــك
و آفرحي بربيع العشق
لك أكتـب كل قصائدي بآشتيـاق
يا من علّمني الوفاء بطبع الأحباب
رسمـــتُ عمري وردين و سحــابـــة
أول وردة ضمّة لقلبي بين الأهـداب
ثاني وردة حماية لعمري مع الأشواق
و بين الوردتين سحابة تحمل الأوزان
وزن حُبّـي و آشتيـــاقي عَبـر البحــار
و تبقى أنت نجمي في ليلي و شمس نهاري
أراك كنور الضُحى يتجلّى
أ يا عمري أهواك على مرّ السنين
و إن قلت فيك كل كلام الغرام ما أوفيك
أنت المنى يا كل المنى لك القلب ينبض
و إلـيـك الأشواق تُــســـافر
سكنت الوجدان و تربّعت على العرش
لك يا تاج قلبي و روحي لك العمر كله
بقلمي محجوبة بن حميدة
تونس
Peut être une image de Mahjouba Ben Hmida, position debout, fleur, plein air et arbre


قراءة في مجموعة الشاعر التونسي القدير جلال باباي "ركض خلف صهيل الريح" بقلم الناقد والكاتب الصحفي محمد المحسن

 قراءة في مجموعة الشاعر التونسي القدير جلال باباي «ركض خلف صهيل الريح»

تصدير: ليس الشعر أن تقول كل شيء، لا أن تحلم النفس بكل شيء (سانت بوف.)
القصيدة تطرح أسئلتها،وتنفتح عند تفاصيل الدهشة حيث النص يخترق الذاكرة،ويلملم الحلم والغياب في مشهد يتشكل كلوحة يتوغل فيها السحر والمعنى والاحتفال..
هذه القضية تفتح نوافذ الشاعر (جلال باباي) على مساحات سرية تقفل رؤيا الشاعر على قراءة الرمز والحلم بين تراكيب لغوية مكثفة يتشيأ فيها (النص) أحيانا كوحدات قلقة..
يفتض عوالمه المشبعة بالحلم والاتساع..أو بين (تهويمات) غنائية،يسعى فيها الشاعر الى استبطان الداخل اللغوي المشبع بسرد انتقائي،يحاول أن ينفذ منه الى حيز آخر، يحيل فيه النص الى علاقة وصفية / رؤيوية...تمزج بين اتساع الحلم ومحدودية اللغة.
في مجموعته الشعرية (ركض خلف سهيل الريح) يتمثل الى هذه المحاولة القلقة القائمة على مساحة من التأمل والانفعال باللغة والمعنى... واغواءات الحلم، حيث يحتال بالانفعال في تتبع لغة تخرج من ثقوب ذاكرة غائمة متعبة،أثقلتها الخيبات والمواجع،كي تكتب فاتحة الرؤيا للحلم الذي يملك سر الكلمة والبراءة: يقول الشاعر في ص 84: كنا نرفل بعطر الألوان / على هضاب اللوحة / ورصاص القلم / يكتسح أفئدتنا الخجولة / تتسع الرؤى... والمرسم / يستجمع شتات الفصول المتوحشة / ثم... تمتد مساحة الحلم / عند نقاط الهروب.
إن مسعى الشاعر الى اقتفاء تضاريس النص، هو محاولة إيقاف حركة زمنه الشعري عبر محاولة استقراء حلمه،في رؤيا تستبطن كشوفاته،وتشكل تواصلا مضادا إزاء زمنه المجهض المغمور بالغرابة والتماس المعنى الشمولي عبر وعي اشكالي يمكنه ان يكشف جوهر هذا الزمن بكل ما يحمله من اضطراب وغياب... وموت...
انه زمن خام..قلق..غير مبرر احيانا يتوخى فيه الشاعر فكرة الجوهري / الشعري المشرع على احتمالات التأويل والمبني على (الهمس والتلمس والحس) وهذا الزمن الذي يحاول قراءته الشاعر يحيل حتما الى محاولة كشف استبطانات اللغة التي تعتبر الشعر ضرورة كما يقول جان كوكتو في استحضار الحلم والرؤيا والاحتفال.."وكم بعثرتك / أجنحة الحلم رقصة السحب / هذه النجمة شعلة القلب أحملها / وشوشاتا لقاع الصمت / لهذا الفتى / عرى الحقيقة / ولكم سائر ما تبقى / من تمتمات الكذب.."
انه حلم تقيم الدهشة والغرابة طقوسه التي تحيل اللغة احتفالا له طابع هلامي يتوغل أحيانا عبر الذاكرة المفزوعة بالخراب والفوضى وذكريات الراحلين .
إن قصائد مجموعة «ركض خلف صهيل الريح» لا تذهب بعيدا عن محاولة إعارة النص بعض التفاصيل التي تشبع الحلم بسرد انتقائي..يلتمس تفاصيله الشاعر عبر شبكة من العلاقات اللغوية / الصورية التي تستبطن (معنى) قائما سلفا،حيث تلج المرأة تضاعيف الذاكرة: الآن... يكتوي القلب / بعصير الزنبقة / مدفئة البيت يا حبيبتي / ترتعش / وحطب الذاكرة ركام من أريج الوشق ص 50.
وتمور الذكريات الأليمة في وجدان أرهقته المواجع: القلب كان إضيق من فسحة المدى / والصدى ذبيح على شفتي المتحجرة / من قاد الرجل الى ربوة الدهشة / الى أين تمضي..يا..ظله برمضاء القصيدة؟ ص111.
ليستمرئ الشاعر لحظتئذ وقع حلمه...إزاء زمن ملغوم بالدهشة والغرابة..
انه زمن (الخارج) الذي يهزم فيه..ويحاول عبر حلمه إيغال الرؤيا في تفاصيل تجعل النص الشعري احتفالا ما،يبهج الشاعر أو يؤلمه عند تخوم العطب...
ولصياغة فضائه الشعربي إزاء هذا الحلم يبدأ الشاعر بالكشف عن تراكيب تندغم فيها الصور سريعة مقطوعة،بمساحات صورية أخرى...بطيئة تحتال باللغة وتتورط معها في استطرادات تثقل النص احيانا بالتجريد والتعمية المقصودة..
وهذه التراكيب الصورية التي تشكل فضاء النص تبرر الى حد ما وعي الشاعر إزاء تركيبة النص الحداثي..فالنص المفتوح على الاحتمال والمعنى تكشف فيه الرؤيا عن عوالم متراكبة مأخوذة بالاستطراد كإشكال لغوي وبالتوالد كإشكال بنيوي..
انه يأخذ في قصيدة (أنثى الخريف ص 107) مثلا إيقاعا شكليا متفاوتا يمزج بين (نثرية) المعنى والخطوط الحلم التي لا تفتأ أن تكون إيقاعا آخرا يتلجلج بشعريته وسط متون متفاوتة في شدها واتساعها،بحيث لا يخشى الشاعر إزاءها فراغات النص..وبياضه..
انه يقترح فضاءا مفتوحا ومبررا حيث تستحيل فيه اللغة الى حلم او خطاب يستبطن الوجد الطاهر في تجلياته الخلاقة...
إن المناخ الشعري الذي تبرعمت في ظلاله أشعار جلال باباي يتسم في مجمله بالتفاعل الخلاق مع الجانب الحداثوي وهذا ما أعطى قصائده تحديثا شديد الألفة، من خلال لغته التخييلية المشكلة تشكيلا عضويا ساعد على خلق معادل فني تلعب الذات دورا بارزا في أساسيات نموه وبالتالي تحوله الى وحدة تكوينية تجمع بين تشكيلاتها المتناهية الدقة كل ما هو متنافر ومتضاد حيث تؤدي هذه الأضداد وظيفتها في إنجاز الهيكلية الهندسية للصورة الشعرية المتوافقة مع إيقاع حركة الواقع والمتعارضة معه. عندما يحاول ذلك الواقع أن يفرض منطقا عقلانيا يتعارض والفضاء التخييلي للغة الشعر.
إن هذا البناء اللغوي،سوى في خاماته الأولية او المنتقاة لا ينسحب على القصيدة الحديثة فحسب بل يتعداه الى التجارب التي اتخذت من قصيدة النثر وعاء تصب فيه ما يترشح من عملية التغطية التي تتعرض لها ذات الشاعر..
ومن هناك فان شعرية قصائد المجموعة،تمثل خطوة أخرى باتجاه قراءة النص الآخر الذي بدأ يشكل خطواته في مسار القصيدة العربية وهي تتململ اليوم بكل اختزاناتها وسحرها وقلقها للخروج الى برية الاتساع حيث الشكل يمسك لذة الحلم،وحيث الحلم يفور في مسارب المعنى..والشاعر يقيم طقوسه على تفاصيل الاشياء..حالما او كاشفا او قائما وسط حرائقه وحرائق الآخرين، يفتش عن أشياء اخرى بلون الجمر او لون النساء او لون الحرية..
وهذه القصائد لا تخرج عن محاولات الشاعر جلال باباي في التماس بنية نصه الحداثي المجبول على كشوفات الرؤيا وتكثيف الايقاع في تركيبة تزاوج بين شكل (تقطيع) وسردية حلمية تتكرر دائما كما وجدنا ذلك في مجموعته الأخرى (شطحت على إيقاع العشق) التي سبق وان عرضنا لها...
ان قصيدة الحلم تظل عصية..والشاعر يظل قاسيا مأخوذا ومقموعا بالنص يلم جسده واحزانه ويسافر غاويا وسط ايقاعات يتداعى فيها كل شيء..يخرج من ذاكرة تكتب النص كتاريخ..انها ذاكرة الآخر الذي مازال يقيم وسط الأشياء حادا وطاغيا..يكتب للآتين في موكب الآتي الجليل..ولعل هذه جدوى أخرى تضاف لمجموعة جلال باباي التي تلتمس بصدق وجدية الخروج الى الجمال والحلم والاتساع.
على سبيل الخاتمة
إن الشاعر جلال باباي وهو يسابق الزمن في ركض محموم خلف الكلمة الشعرية المشبعة بالسحر والجلال، انما نراه يحاول من خلال تشكيل شعري يصل في كثير من تكويناته الى درجة من الشفافية والعفوية،أن يحقق القدرة على التوفيق بين أداته «اللغة داخل الشعر» وبين ترويض تلك الأصوات الضاجة في داخله الذي تمارس استمرارية طقس الاحتراق.
ومن هنا فهو يتموقع بين نزاعين يتطاحن فيهما الوعي واللاوعي،اليقظة والغياب،واختيارات لا حد لها،لعل من أشقها ان يختار المواصلة او النكوص،الا ان «الدهشة الشعرية» تتغلب في الأخير على حوار المنطق العقلاني لتمسك بدفة القارب الشعري في محاولة للعبور نحو الضفاف المبتغاة..
وأخيراً،لقد استطاع الشاعر التونسي الكبير جلال باباي بفضل موهبته الفنية،وثقافته الواسعة ومقدرته اللغوية وبأسلوبه الأصيل والمتميز أن يصقل ويطور أدواته الشعرية الفنية،ويسمو بها نحو الإبداع والتجديد ليلائم مقتضيات التطور والحداثة في المسيرة الشعرية المعاصرة.
وهذا ما سيمهد السبيل الى أرض «معطاء» تليق ببذار الديوان القادم على مهل..
محمد المحسن
*ملحوظة :
لا بد للناقد الأدبي من منهج ينطلق منه،دون أن يكون مقيدًا به حتى لا يقع في خطأ قراءة منحازة ذاتية فيفقد مصداقيته.
من هذا المنطلق،رأيت ألاّ أخوض في مغامرة نقدية شاملة لديوان "ركض خلف صهيل الريح" للشاعر التونسي الألمعي جلال باباي قد لا تعطي هذا العمل قيمته الأدبية،واكتفيت بالتعليق على هذا الديوان بصورة بانورامية شاملة.