شكرا للندى الذي أتاني من تونس الخضراء عبر فكر وقلم الأستاذ الاعلامي الباحث والناقد محمد المحسن تحليلا لقصدتي المتواضعة بنسجها الجميلة باسمها ومعانيها
دمشق قلعة السلام
..................
تجليات المشاعر الوطنية في قصيدة : دمشق..قلعةُ السّلامِ..للشاعرة السورية السامقة ميساء علي دكدوك
محمد المحسن
2023 / 7 / 30
الادب والفن

التجربة الشعرية للشاعرة السورية المتمرسة -ميساء علي دكدوك-غنية وحافلة بالعطاء الإبداعي والتنوع الموضوعاتي,كتبت عن الوطن (سوريا) وعن الوَجد والحب بأبعاده الإنسانية والحياة والوجدان والقصيدة..
ولكن قبل أن يخوض المرء في الحديث عن صورة الوطن في شعر-ميساء علي دكدوك-يجدر به أن يحدد تعريفاً لهذه المفردة التي لم تكن ذات حضور كبير في الشعر العالمي،والشعر العربي(1) كذلك.ويبدو أن بروزها أخذ يطفو على السطح،ضمن فهم جديد،في مرحلة نشوء الدول ذات الكيان السياسي المحدد جغرافياً. «والوطن بالمعنى العام منزل الاقامة،والوطن الأصلي هو المكان الذي ولد به الانسان،أو نشأ فيه.
والوطن بالمعنى الخاص هو البيئة الروحية التي تتجه اليها عواطف الانسان القومية.ويتميز الوطن عن الأمة (Nation) والدولة (Etat)بعامل وجداني خاص،وهو الارتباط بالأرض وتقديسها،لاشتمالها على قبور الأجداد»(2).
ونقرأ في المعجم الفلسفي المختصر،تحت مفردة «الوطنية»،ما يلي : «مبدأ يعبر عن حب المرء لوطنه وعن استعداده لخدمة مصالحه.انها انشداد المرء الطبيعي نحو مسقط رأسه، نحو اللغة الأم والتقاليد الوطنية،واهتمامه بمصير البلاد التي ترتبط حياته كلها بها».
ونقرأ أيضا : « ولكن المشاعر الوطنية لا تأتي عن أسباب غيبية،من «صوت الدم» أو «العرق» كما يزعم المنظرون البرجوازيون.فهي تظهر تاريخاً،بتأثير ظروف حياة الناس الاقتصادية والاجتماعية،ولذا فان مضمونها يتغير تبعاً لتغير تلك الظروف” وتحضر تيمة الوطن في قصيدة " دمشق..قلعةُ السّلامِ" للشاعرة -الدمشقية-المتميزة -ميساء علي دكدوك
-موضوع الدراسة،بشكل قوي ومهيمن،حيث تحتفي فيه الشاعرة بوطنها سورية،وتجعله في قلب الشعر والخيال والتفكير وفي قلب الأحداث،هو المحور المركزي وفي فضائه الأنا والجماعة روحا وجسدا. “دمشق..قلعةُ السّلامِ
قُولي:
أيَّ قميصٍ من البيانِ أنسجُ ليليقَ
بكِ؟
ما عساني أُهدِي إلى عينَيكِ شِعراً؟
أيّةُ أبجديَّاتٍ أستعيرُ لعناقِ العيدِ في
تشرينَ؟!
يا أنتِ
ياسلطانةَ الوردِ في السَّماءِ والأرضِ
يا زهوَ الأُغنياتِ
ياسيّدةَ القصِيدِ بصَحوِنا مُعطّرةٌ
ياصحْوةَ العربِ
يانسمةً تلفُّ الشّموخَ العريقَ في
السفحِ والجبلِ
في البيدِ والبحرِ
في القلبِ والمُقلِ
أيّتُها الأناشيدُ المرتَميَةُ في مهدِنا
العظيمِ اشتياقاً إلى الإخاءِ والسلامِ
في هدأةِ واحاتِك الغنَّاء
تغرّدُ العنادلُ ويهدلُ اليمامُ تراتيلَ
وجدٍ تعبقُ بالقرنقلِ والبخّورِ والجمالِ
أرنو إليكِ على المدى
ألقاكِ حلُماً هائماً، مضرَّجاً بالوئامِ
أراكِ صاغيةً، مُبصرةً العواصفَ والرّياحَ
أراكِ غيماً دفيقاً مُطفِئاً النيرانَ والأحقادَ
أيّتُها السَّاقيةُ الزّمانَ
تُشرقينَ كالشَّمسِ على الكرومِ
في يديكِ ملايينُ الخَوابي والكؤوسِ
يادُرّةَ البلدانِ
صافيّةٌ، نقيّةٌ أنتِ كالسّماءِ
كقطرةِ النّدى على حبّةِ آسٍ
كحبَّةِ لوزٍ في ليلةٍ مُقمرةٍ ٍ
سحابةٌ ربيعيَّةٌ تتوقُ إليها قلوبٌ
مُتصحّرةٌ ٌ
أيُّها الصّوتُ الرّخيمُ الشّادِي السَّلسبيلُ
الغادقُ قمحاً وخوخاً ونخيلاً وياسمين
أيَّتُها المُتّزنةُ بالوقارِ الحكيمةُ،الرؤوفُ
الرّؤومُ ُ
تُحلّقينَ على جناحَينِ رقيقينِ كهمسِ نايٍ
بلسمُ الجراحِ في النَّائباتِ
كوشوشاتِ جدْولٍ بينَ الشَّجرِ
بحّةُ القُبلةِ بين العاشقينَ
تَروي العطاشَ بالحبِّ الدَّفين
تَأتينَ كفكرةٍ تمرَّدتْ على الرُّؤى
تُنشدينَ للسَّلامِ بغمغمةِ نهرٍ وموّالٍ
تَعبقينَ بعطرِ الرّياحينِ
ملاكٌ يسقي النَّدامى نبيذَ الكلامِ
تُنصِتُ لهمسِكِ الكائناتُ ُ
تصحُو وتشربُ وتنتَشي
يُنصُتُ الفردوسُ نشوانَ إلى النّداء
وتَحظى بالنَّشوةِ أعصابُ الأرائكِ
والأعشابِ
دمشق،أيّتُها السّيدةُ المُحبّةُ، العاشقةُ حدَّ (النَيرفانا) الرّومانسيّة المُتوّجَةُ على العرشِ
تَنقَّلي على نخيلِ القلوبِ كرفيفِ القُبَلِ
وامنحِي الأجيالَ والقصيدةَ
الدروبَ والسُّبلَ
تنقَّلي عبرَ شبابيكِ الهوى من نبضٍ لنبضٍ
تنقّلي من الموجِ إلى الذُّرى، إلى السّهولِ
تنقّلي صلاةَ قدّيسٍ إلى الفجرِ المبتَسِمِ
دمشق أيّتُها الهادرةُ كالشّلال
تعبقينَ بالعزّةِ والعذوبةِ والعروبةِ والجلالِ
شَدوُكِ الحبُّ والتسامُحُ والإخاءُ
أيّتُها الحسناءُُ، المضيئةُ عيناها في الحالكاتِ
النّاسكةُ التي تُغالبُ الحزنَ والألمَ
وتُهدي قمصانَ الحبِّ والنِّعمِ
أيّتُها الحالمةُ بوطنٍ يعرّشُ ضياءً في المُقلِ
العاشقةُ العنقاءُ القادمةُ من أمواجِ
الّلؤلؤِ
المنْبثِقةُ من فصلٍ عبقريِّ المُشتهى
القادمةُ من أنهارِ الرُّخام
القادمةِ من يناعةِ التّاريخ المجيدِ
الوفيَّةُ للنّذورِ والقرابينِ
أنقَذتِ البحرَ الغريقَ
أيَّتُها العاشقةُ الحالمةُ بوطنٍ مُضيءٍ
أنا ارتمَيتُ شِعراً وعشْقاً بين يدَيكِ.
(ميساء علي دكدوك)
حينما قرأت هذا النص توقفت عند عتباته المهمة من حيث التشكيل في الصورة والسينوغرافيا والالوان واللغة والمشاعر من جهة،،والابداع والتألق والانطلاق في عالم كتابة الشعر..
لغة الشاعرة السورية اللامعة -ميساء علي دكدوك-تتميز بالدلالات المتغيرة (غير ثابته) لوصف الصورة التي تتشابك في ذهنها وخيالها،وتعصف لنا صورا شعرية متحركة..لأن الصورة الشعرية وبحجم الشاعرية التي تحملها تكون جوهراً للشعر،كما هي روح القصيدة التي تمتد من أول عتبة الى اخر عتبة لتثبت للقارئ الصلة بين الواقع والتأثير المهم جداً،لذلك تأتي الصور قوية ! كل مفردة لها خصوصية في حواس القارئ وشعوره،لأن فن الصورة مرتبط بمفهوم الفن لدى الشاعرة -ميساء علي دكدوك-.. والناقد بطبيعة الحال يبحث عن الجمالي في الصورة وعن التجربة الفنية والحالة النفسية للشاعر..وايضا يبحث الناقد في مستويات الشاعر المتميز من حيث كيفية تجدد الصورة ونشاتها في فكره وخياله وعكسها للقاريء لان الحواس وحدها غير كافية بتوصيل ما نصبو اليه،بالاضافة الى بحثه عن الانزياح اللغوي وتحديث اللغة عند الشاعر،وبين الذاتية والموضوعية نتوقف كثيرا،لأن حجم الشاعرية والانزياح اللغوي،وتشكيل الصورة الجديدة،وسعة الخيال والمخيلة وسائل نكتشف بها معايير مهمة لجمالية الصورة الشعرية عند اي شاعر،وهي بصراحة مفاتيح للناقد مهمة لتفكيك اي نص شعري،حتى نصل الى جوهر النص وجمالياته الفنية..
الشاعرة-ميساء علي دكدوك-لم تأتي بالصدفة ابدا إنما هي ثمار تجارب عديدة حاولت أن تمزقها،لكنها كانت قوية من الداخل،حيث تمتلك الذائقة الشعرية لتبوح نتتكلم وتصرخ،لها الشغف الكبير والمعرفة في حب الوطن،لذلك جعلت اهتمامها في الشعر في قلب اهتماماتها،وجعله صوتها المنحدر من أي مكان يسكنها صوب الوطن (سورية الشتامخة شموخ الرواسي أمام العواصف)..وليس رجع صدى.
الصوت والكلمة والطاقة التي يمتلكها الشاعر ضمان كبير في تركيبة الصورة وانعكاسا لحياته، وبنفس الوقت انعكاس لمفهوم المكان-الوطن -لأن الزمان ماعاد يشكل شيئاً الآن..فالذاكرة تعتمد المكان اولا ًثم تخوض في الازمنة لاحقاً لتثبت من قبل الاسماء كدلالات معروفة للقاصي والداني،ومن اهتم بشأن الادب والتاريخ .
وهذا التقابل الفني بين واقع الشعر المعيش وبين ركام التاريخ يؤسس لوعي ولاحساس الشاعر في فكره ووجدانه بحب الوطن ومتابعة معاناة الناس..
نص شعري تتدفق منه مشاعر خليطة من قوتين أساسيتين هما الفكر الانساني الذي تحمله الشاعرة (ميساء علي دكدوك)ونبضات قلب حساس رهيف شفاف،يشكلان قوة نابضة في دعائم النص،وهما في نفس الوقت الجسر الذي تعبر به الشاعرة-ميساء-إلى الانسان القاريء وبالتالي تضيف تفاعلاً عضوياً في المجتمع،وبالمحصلة يتحول النص الى ثمرة جميلة فيها من التكامل الروحي والانساني..وتسكن في مخيلة القارئ ويتدفأ بها وبأحضانها ! كعاشقة، كحبيبة ! كمعشوقة،كمعشوق ! فالنص يسري على المذكر والمؤنث بنفس التوجهات،لأن الجميع يعيش داخل الاسوار..أسوار حب الوطن (دمشق الصامدة)..
وانا هنا بصراحة لا اتساهل في مسؤولية الكتابة النقدية من حيث المحاباة في الاصدقاء،كوني ولسبب بسيط لا اعرف الشاعرة-ميساء علي دكدوك-عن قرب أبدا..انما أعرفها عن بعد لمتابعتي اعمالها الشعرية وما تكتب بالفن والادب وهذا من تخصصي انا !
وقد استحوذ علي هذا النص لأن أسجل له ما يستحق من حق واستحقاق وكنشاط ابداعي له ولتجربتها الشعرية وفي قصائدها المتعددة وهي إبنة سورية-مهد الصمود والتصدي لحفاة الضمير والآفاقين-ممن تأمروا على اغتيال الحلم..الدمشقي..
ابنة الشعر وابنة السرد والحكايا ومكامن الوعي الجمالي في العلاقة بين السحر في اللغة والشعر وما بينهما من انتاج للوعي المتجدد في فضاء وروح الشاعرة السائرة على درب العالمية بخطى ثابتة ..
قبعتي يا ميساء..
لك مني وللشعب السوري العظيم باقة من التحايا..وسلة ورد تعبق بعطر الإبداع..
المراجع:
1-لم تتكرر كلمة وطن كثيراً في الشعر العربي.وفي لسان العرب المحيط للعلامة ابن منظور،وهو معجم لغوي علمي قدم له الشيخ عبد الله العلايلي وأعده وصنفه يوسف خياط ونديم مرعشلي.ورد التعريف التالي لمفردة وطن : موطن: اقليم يتسم بخصائص طبيعية تلائم احياء معينة.بيئة: مكان له ظروف خاصة يستوطنه بعض الأحياء مثل ساحل البحر والغابة والمستنقع.الموطن الأصغر: هو الموطن البيئي الخاص الذي يعيش فيه كائن
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق