مِنْ وحْيِ الذّهُول..
***
سَألْتُ العُشَّ عَمَّنْ بَنَاه..
بِرُكنِ البَاب..
فقَال وقدْ تمَلّكهُ الذُّهُول:
"دَعْكَ مِنّي.. واسْأل العَنكَبُوت..
لمَاذَا أَغلَقَتْ مَنَافِذَ العُبُور..
بِسِتَارٍ منْ ضَبَاب."..
قَالتْ عَبْرَتِي المتوَجِّسَةُ مِنْ ألَمِ الفَقْدِ..
وَسَرَادِيبِ الغِيَاب:
"يَا كُلَّ العَنَاكبِ والطّيُور..
هَلْ هَانَ بَيتُ الأحِبّةِ..
وَأضْحَى أوْهَنَ منْ بَيْتِ العَنْكَبُوت
وعُشّ الغُرَاب؟"..
اِهْتَزَّت أوْتَادُ خَيْمَتِي..
ودَوّى صَوْتٌ هَاتِفٌ منْ بَعِيد:
"بَيْتُ الأحِبَّة!
هَجَرَهُ الأهلُ والأحْبَاب..
وَغَابَتْ عَنْ سَاحَتِه القِططُ والكِلاب..
فكيفَ تَسْألُني عَنه..
وأنْتَ تَعْلَمُ أنِّي أحْرُسُهُ..
مُذْ هُدَّتْ أرْكَانُه..
وَتَغَشّاهُ الفَقْدُ..
وأرَّقَهُ الغِيَاب.؟..
الطّيرُ والعَنَاكبُ - يَا وَلَدِي -
قد كانتْ منذُ البَدْءِ..
كائِناتٍ مُصطَفَاةً..
لِحِرَاسَةِ الغَارِ....
حِينَ اخْتَفَى فيهِ سَادَتُنَا..
منْ بَطشِ الأعْرَاب..
فَلْتَعْلَمْ يَا وَلَدِي..
أنّ الدِّيَارَ إذَا هُجِرَت..
يَسْكُنُها الحُزنُ..
ويَعْلُوهَاالبُومُ..
وَتَنْعقُ عَلى أسْطُحِهَا الغِربَان..
وَتَظَلُّ المَلائِكَةُ تَحْرُسُهَا..
مِن سِحْرِ الجَان..
وسطْوَةِ الأغْرَاب"..
...
طَأطَأْتُ رَأسِي..
وَعُدْتُ إلَيَّ..
فَإِذَا دَمْعَةٌ حَرّى..
تَشُقُّ عُبَابَ مُقلَتَيَّ..
في صَمْتٍ رَهِيبٍ..
وذُهُولٍ مُسْتَراب..
سَافَرْتُ إلَيّ علَى قَلقٍ..
في رحلةِ حُزنٍ مُضْنيَةٍ..
لاَ زَادَ لي فيها..
وَلاَ زِمَامَ..
ولاَ رِكَاب..
***
منير الصّويدي
القيروان: ذَات زِيَارَةٍ إلى بَيْتِنَا المَهْجُور..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق