العصفور الأبيض والثُّرَيَّا قصة للأطفال
أطلَّ أَنْوَرُ مِنْ النَّافِذَةِ، رَأَى فِي حَدِيقَةِ المَنْزِلِ عُصْفُورًا أبيضًا يَحُطُّ وَيَطِيرُ عَلَى أَغْصَانِ الأَشْجَارِ، فَرِحَ بِرُؤْيَتِهِ.
خَرَجَ أَنْوَرُ إِلَى الحَدِيقَةِ، وَمَا أَنْ وَصَلَ إِلَيْهِ حَتَّى قَفَزَ العُصْفُورُ وَاِبْتَعَدَ كَثِيرًا، وَرَكَضَ أَنْوَرُ وَرَاءَهِ، كَانَ العُصْفُورُ يَطِيرُ مَرَّةً وَ يَحُطُّ مَرَّةً أُخْرَى وَ هُوَ يُزَقْزِقُ وَ أَنْوَرُ يَتْبَعُهُ.
تَعِبَ الطِّفْلُ فَاسْتَلْقَى عَلَى الأَعْشَابِ، وَعَادَ العُصْفُورُ إِلَيْهِ، وَرَفْرَفَ فَوْقَ رَأْسِهِ ثُمَّ طَلَبَ مِنْهُ أَنْ يَقْطِفَ بَاقَةَ وَرْدٍ مُخْتَلِفَةِ الأَلْوَانِ وَ الأَنْوَاعِ، ثُمَّ يَضُمَّهَا إِلَى صَدْرِهِ وَيُغْمِضَ عَيْنَيْهُ، وَ يُتَمْتِمَ بِكُلِّ مَا يُحْتَاجُ إِلَيْهِ.
اِعْتَلَى العُصْفُورُ غُصْنَ شَجَرَةٍ وَارِفَةِ الظِّلَالِ، وَبَسَطَ جَنَاحَيْهُ، وَسَافَرَ أَنْوَرُ فِي زَوْرَقِ الأَحْلَامِ الوَرْدِيَّةِ.
بَعْدَ لَحَظَاتٍ فتحَعَيْنَيْهُ لِيَجِدَ نَفْسَهُ فِي قَصْرٍ رَائِعٍ، وَانْدَهَشَ لَمَّا رَأَى غُرْفَةً وَاسِعَةً فِيهَا أَثَاثٌ مُرَتَّبٌ، وستائرٌ مُلَوّنَة، وزرابيٌ مَفْرُوشَةٌ، تُحَفٌ جَمِيلَةٌ.
فَتَحَ خِزَانَةً كَبِيرَةً فَتَحَرَّكَتْ الثُّرَيَّا المَوْجُودَةُ عَلَى سُقُفِ الحُجْرَةِ الوَاسِعَةِ، وَسَمِعَ صَوْتًا ملائكيًا يَقُولُ:
أَنْوَرُ كُلٌّ شئٍ فِي هَذَا القَصْرِ هُوَ مُكَافَاةٌ لَكَ لِأَنَّكَ طِفْلٌ خيَّرٌ تَحْبُ الآخَرِينَ، وَتُسَاعِدُ الضُّعَفَاءَ وَ تُتْقِنُ أَعْمَالَكَ، تُمتِعْ بِمَا هُوَ بَيْنَ يَدَيْكَ.
فَرِحَ أَنْوَرُ كَثِيرًا، وَلَبِسَ بَدْلَةً جَمِيلَةً عَلَى مَقَاسِهِ وَأَكَلَ مَا لذَّ وَ طَابَ مِنْ الطَّعَامِ الشَّهِيِّ.
أَخَذَ بَعْضَ المَلَابِسِ وَ همَّ بِوَضْعِهَا فِي حَقِيبَةٍ لِيَأْخُذَهَا إِلَى أَخِيهِ، لكنَّ الثُّرَيَّا تَحَرَّكَتْ وَسَمعَ صَوْتًا يَقُولُ:
لَا تَأْخُذْ شَيْئًا لِهِشَامَ فَهُوَ طِفْلٌ كَسُولٌ، وَ سُلُوكُهُ سَيِّئٌ فِي البَيْتِ وَالمَدْرَسَةِ، سَيَغْضَبُ مِنْكَ العُصْفُورُ الأَبْيَضُ، أَمَّا أَنْتَ إِذَا احْتَجْت يَوْمًا إِلَى أَبْسَطِ الأَشْيَاءِ فَأُخْرج إِلَى حَدِيقَةِ مَنزِلكُمْ وَانْظُرْ إِلَى أَغْصَانِ الأَشْجَارِ مُنَادِيًا العُصْفُورَ الأَبْيَضَ فَإِنَّهُ يَأْتِيكِ بِسُرْعَةٍ لِيَأْخُذَكِ إِلَى قَصْرِ الأَحْلَامِ بِشَرْطِ أَنْ تَبْقَى طِفْلًا مُطِيعًا مُجْتَهِدًا.
دَخَلَ أَنْوَرُ قَاعَةَ الأَلْعَابِ، وَأَخَذَ لُعَبًا كَثِيرَةً وَمِنْ بَيْنهَا الدَّرَّاجَةُ الَّتِي وَعدَه بِهَا أَبُوهُ وَ لَمْ يُحْضِرْهَا لَهُ، وَرَكِبَ طَائِرَةً صَغِيرَةً تُنَقَّلُ بِهَا دَاخِلَ القَصْرِ قَلِيلًا ثُمَّ أُغْمِضَ عَيْنَيْهُ، وَطَارَتْ بِهِ فِي الفَضَاءِ الوَاسِعِ، ومرَّ بِالسَّحْبِ والنُّجومِ، إِلَى أَنْ وَصَلَ إِلَى بَيْتِهِمْ.
حَكَىَ لِأُمِّهِ مَا حَدَثَ لَهُ، وَكَانَ أَخُوهُ هِشَامُ يَسْمَعُ بِشَوْقٍ فَطَلَبَ مِنْهُ بَعْضَ اللَّعِبِ لكنَّ أَنْوَرَ أَخْبَرَهُ عنِ الثُّرَيَّا وعنِ الصَّوْتِ الخَفِيِّ.
تَأَسَّفَ هِشَامُ ووعدَ أَخَاهُ بأنّه سَيُحَسِّنُ سُلُوكَهُ وَ يَكُونُ نَشِيطًا مُجْتَهِدًا فِي دُرُوسه لِكَيْ يَرْضَى عَنْهِ العُصْفُورُ الأَبْيَضُ.
من مجموعتي القصصية الصادرة عن دار بنت الزيات بالقاهرة
تأليف زهراء كشان -جديلة ياسمين-
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق