نقرأ لنحيا مرتين...وأكثر
دعها تعيش حياتها بعيدا عند
-------
وضعت لوحتي على طاولتي...كانت تستهويني لعبة القراءة منذ الصغر..قرأت الصبر في تجاعيد جدي الذي كانت ذكراه الضبابية تحتل مخيلتي. قرأت وجع أمي عندما حملت اخوتي وأرضعتهم حولين كاملين، وتقاسمت معها أجواء الحضانة. تبينت وقرأت عشق أبي للحياة عندما وجدته لا يهمّه الغد بل اليوم...قرأت بشغف تفاصيل أمومتي وأنا لازلت طفلة. أدركت أن العشق لا يُقدم عليه الضعفاء وأن لعبة القراءة لا يطالها إلا الصابرون على ضربات الهجر الدورية...علمتني القراءة أن أقرأ البعد في عيني طالبتي...وأن ألحظ الحزن في وجه تلميذ صغير...
نذرت للقراءة فقرا..واكتشفت إني قرأت كل شيء منذ يومنا الأول..قرأت ظلالا مسيجة وحبا قديما لم يغادر. قرأت حزنا كان يعصف بنفسك ويضعها أمام العدم....كان كتابك مفتوحا...وكلما حاولت غلقه انفتح في حلمي وفي ليلي على هيئة طفل ساجد للحياة...كانت كل أحلامي قراءة للحياة...قراءة لما غاب عني فيها من أسرار...ولذلك فأنا أنام على القراءة...ولا أزال اقرأ تفاصيل المعنى في نومي..العميق...
ولكن الرواة ينهكون نصوصهم بالمتابعة كما يرهقون ابناءهم، اتركوا نصوصكم تعيش بعيدا عنكم، هي تريد أن تتحرر بعد ان نفختم فيها اوجاعكم واحلامكم. ستعود لكم على هيئة احلام اخرى، لكنها فلتكن حرة في غياب كاتبها. وحده الله يعطي للخلق حرية الفعل والحلم، فكونوا آلهة مرحين، يخلقون الحرف والحلم، على هيئة سحابة يمكن أن تمر في سماء الحالمين المتاملين..
د.فوزية ضيف الله
تونس
الصورة. احدى لوحاتي وفق تصميم Benbrahem Boubakr
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق