اشراقات الإبداع وتجليات الكلمة في قصيدة-أعتاب قافيتي-للشاعر التونسي القدير-د-طاهر مشي
تصدير : دفقة كبريائية حارة المعنى لذيذة الايقاع..عذوبة لغوية فاتنة..ما اجمل هذه الصرخة التي تحرج الرعود ..نعم..تلك كرامات الشاعر التونسي الفذ د-طاهر مشي حين يضع الوجود في جيبه ويمضي الى حيث الحلم يتقافز فوق الأنجم مثل غزال عنيد..
عندما سئل أدونيس عن دور الشّعر في المجتمع المعاصر، قال: «الآن يبدو أنه لم يعد للفلاسفة والعلماء ما يقولونه،ولكنّ الشّعراء نعم»
ويرى كذلك : «أنّ الشعر حتى إن كان لا ينطوي على جانب علمي، وقد لا يكون في مقدوره تغيير العالم، إلاّ أنه ـ مع ذلك ـ يمكنه تغيير رؤية الإنسان حيالَ هذا العالم، ونوعية علاقاته مع الآخرين»، ويرى أدونيس من جانب آخر: «أن الرّوائييّن لم يعد لهم أيّ تأثير كبير في المجتمع المعاصر، حتى إن كان لهم قرّاء أكثر ممّا لدى الشّعراء، فالرّوائيّون يمرّون في عقل أيّ إنسان بطريقة أفقيّة وسطحيّة،وهم يؤثّرون في القرّاء المستهلكين، أمّا الشعراء فإنهم يؤثّرون في القرّاء المبدعين، فسرد العالم يعني نسخه، وإذا كنّا ما نقوم به هو استنساخ الحياة، فإننا لا نقوم بأيِّ شيء حقيقيّ، فالفنّ والإبداع ينبغي لهما خلق طاقة منتجة، والشّعر يتميّز برؤية خاصّة وشاعرية نحو العالم».
وأنا أقول : لا شك في أن للمتخيل الجمالي قيمته المثلى في الكشف عن خصوبة الشعرية،ذلك أن الشعرية في جوهرها الإبداعي خلق، وتوازن، وإبداع،وطاقة تخييل خلاقة،لا يمتلكها إلا الشاعر المبدع،وطريقة تشكيله النصي،وهذا يعني أن درجة وعي الشاعر،ومهارته الإبداعية هي التي تثير الحساسية الشعرية،وتحقق متغيرها التخييلي الجمالي الخلاق،الذي يتأسس على سعة الأفق،وعمق التأمل،وسحر الرؤيا الوهاجة.(الشاعر التونسي القدير طاهر مشي نموذجا)
وبتقديرنا:إن قيمة أي عمل فني جمالي مؤثر تزداد أهميته بمقدار الرؤية التخييلية المتوهجة ؛وانميازها إبداعياً حتى حققت منتوجها الإبداعي المؤثر،ودليلنا أن الشاعر المبدع يرتقي بمتخيلاته الشعرية آفاقاً من الحراك الرؤيوي الجمالي الذي يضمن عمق التأثير،وبلاغة الرؤيا، من خلال العوالم المبتكرة التي يرتادها؛والآفاق الجمالية التي يجسدها،وتأسيساً على هذا يمكن القول::”إن عوالم الشاعر الخارجية تفرض عليه أن يواكب العصر،وإذا تمايز عنه في جانب معين،فذلك لإعادة الخلق،والإبداع،وترتيب الوجود حوله؛أما دقة الشاعر في عمق الصورة المدهشة،والتي توافيه من ذاكرة الحزن،أو الفرح،أو الحب؛فلها زمنها التوليدي في التخيل والتخييل،فاقتران” الرؤيا”بالصورة الشعرية يتم بالتخييل مثلاً،لأنه معطىً هيولي يتحقق شعرياً بالصورة المجردة للروح،حيث يخرجها من الكلام الظاهر إلى الكلام الباطن،ومن الزمن الزائل إلى الزمن السائل،أي من الزوال إلى الثبات،والخلود،والإستمرار”.
وهي تحمل في طياتها عوالم ممزوجة بصور المحبة والجمال والمعاناة ،هذه القصيدة التي كتبها شاعرنا القدير والأديب المرهف الإحساس وحامل هموم الإنسانية والوطن والقلوب التي تنبض بحب الوطن والأرض والعشق السامي الشاعر التونسي المتميز عربيا وليس محليا فحسب-د طاهر مشي.
هذه القصيدة التي أختار لها عنوانا مناسبا ”أعتاب قافيتي ” غاية في الجمال والروعة من حيث المضمون والمعنى الإنساني حيث الجرأة المميزة التي نادرا ما نراها بأسلوب دقيق وبسيط يلامس القلب والروح وحينما تقرأها لا تود أن تنتهي أبدا،هذا حال الشعراء المهرة الذين يلامسون بقصائدهم العذبة نرجس القلب،هذا في الوقت الذي تزدحم فيه الساحة الشعرية وطنيا وعربيا بأنصاف الشعراء ممن يكتبون-تعسفا على ذكاء القارئ-قصائدَ لو سلطنا عليها “المقاييس المدرسية”لقلنا أنها كتابات خارج الموضوع..!!
لنقرأ معا هذه القصيدة العذبة التي-رسمتها-في شكل لوحة فنية في منتهى الروعة والتجلي،أنامل الشاعر القدير طاهر مشي..
وسألتزم الصمت في إنتظار اختمار عشب الكلام :
أعتاب قافيتي
صمت على أعتاب..قافيتي
والبوح يلجمني بموهبتي
والليل أضناني به السهر
والحرف مشتاق…بأوردتي
والبدر والأنواء والسحب
قد خيمت والشوق … مقربتي
حيث انتشى نبضي بلا طرب
لا طيف يدنو اليوم …مملكتي
لا طير يشدو في روابينا
حلم الأنا موؤود من شفتي
كنا أنا والبدر في وله
نلهو بدرب العشق …ملهمتي
واليوم فالأشواك تلحفني
والنبض أشتات بها لغتي
أنشودة أنت …الهوى رحل
شهد على الأطلال ..ملحمتي
اليوم رحال بها الذكرى
حتى يجيش الشوق …قافلتي
أحنو على الأوتار أسرجها
كي تعزف الألحان من هبتي
إني أنا المشتاق في لهف
أتلو على العشاق …موعظتي
أهذي بذي الأشواق لا أسم
في موطن العشاق ..يا أمتي
(طاهر مشي)
لقد تميزت لغة شاعرنا بالشفافية والوضوح ،فهي بعيدة عن لغة التعتيم والتهويم في سرف الوهم واللاوعي ، تلك اللغة التي تلفها الضبابية القائمة والرمزية المبهمة ، فلغته ناصعة واضحة لا غموض فيها ، وتعبر عن مضامينه بأسلوب أقرب فيه إلى التصريح المليح منه إلى التلميح ، هذا يعني أن الشاعر ذو مهج تعبيري سلس ، وقاموسه الشعري لا يحتاج إلى كد ذهني وبحث في تقاعير اللغة ، وأنا إذ أصرح بهذا إنما أغبط شاعرنا على الرؤى الواضحة والألفاظ المعبرة بذاتها
كلمة أخيرة أقولها:
-خريطة الشعر العربي ما زالت واضحة المعالم على الرغم من محاولة بعض المتشائمين طمسها،فللخارطة رموزها وتضاريسُها الإبداعية،وهناك شعراء رواد شكّلوا قمماً إبداعيَّة لهذه الخارطة لا تطالها رياح التعرية المحملة بغبار العولمة،من أمثال السياب والبياتي والفيتوري والماغوط وصلاح عبد الصبور والجواهري.. وكذا الشاعر التونسي القدير طاهر مشي..
دمتَ-يا شاعرنا الفذ-(طاهر مشي) لامعَ الحرف..وذائقا لمعانيه العميقة..
محمد المحسن
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق