استفحال ظاهرة العنف المنزلي* في زمن كورونا..من يحمي النساء..؟!
(تحقيق صحفي )
لا يزال فيروس كورونا يلقي بظلاله القاتمة على العالم أجمع،حيث معظم الناس محبطين، والأفق رمادي فيما يتعلق بتداعيات الجائحة على كل الأصعدة.
وحسب تقارير رسمية تفاقمت معاناة النساء والأطفال والمرضى، ونشطت خفافيش العنف وتوفرت للمعتدين ظروف مواتية للإساءة.
لقد كان ومازال العنف الأسري ضد النساء والأطفال وكبار السن والمرضى وذوي الاحتياجات الخاصة معضلة حقيقية تزداد تعقيداً في الظروف الاستثنائية كما هو الحال الآن وكذلك في حالات الحروب وعدم الاستقرار عموماً.
ةقد يتجلى العنف في الغيرة المرَضية المفرطة،وقد يكون أيضاً جنسياً كالتحرش والإجبار على ممارسة العلاقة الزوجية بالقوة والعنف، أو باتخاذ وضعيات جماع محرمة أو مؤلمة، أو الاعتداء والإجبار على تناول الكحول أو المسكرات، أو يكون اقتصادياً كالحرمان من الحقوق المالية أو التحكم في صرف الأموال واختيار الأماكن والملابس والأكل وغيرها من الممارسات المرَضية التي لا يسندها مبرر شرعي أو قانوني، بل ترفضه الفطرة البشرية وتعافه الأنفس الإنسانية السوية.
تحولت البيوت إلى "مكان خطير جدًّا" لضحايا العنف الأسري خلال جائحة كورونا، وانضم إلى دائرة العنف مُعنفون جدد،وفقًا لما رصدته مراكز الدعم وتلقِّي الشكاوي في مصر وبلدان مختلفة حول العالم،وتصاعدت التحذيرات الطبية مؤخرًا من اضطرابات نفسية وانحرافات سلوكية متوقعة في حال أهملنا علاج آثار العنف المُمارَس خلال الجائحة.
وغالبًا ما يزيد العنف ضد النساء في أوقات الطوارئ والأزمات،بما فيها الأوبئة.ويمكن أن يتفاقم خطر تعرُّض النساء للعنف بسبب الضغط النفسي، وتفكُّك شبكات الحماية الاجتماعية، والتعثُّر المادي للأُسر نتيجة زيادة الصعوبات الاقتصادية.
في هذا السياق،توصلت دراسة حديثة أجرتها مؤسسة مانوشير جونو في بنغلاديش،إلى أن هناك 4 آلاف و249 امرأة و456 طفلًا تعرضوا للعنف المنزلي خلال شهر إبريل الماضي فقط، من بينهم ألف و672 امرأة و424 طفلًا تعرضوا للعنف لأول مرة في حياتهم، وذلك عبر إجراء مقابلات هاتفية مع 16 ألف سيدة وطفل في 27 من أصل 64 مقاطعة في بنغلاديش في مايو 2020.
وأفادت الدراسة أن اللوم يقع على ظروف الإغلاق المصاحبة للكورونا، وأنه لا يمكن للإحصاءات أن تُظهر سيناريو العنف الحقيقي ضد الأطفال والنساء خلال فترة الإغلاق.
كما حذرت ورقة بحثية،نُشرت في شهر جوان 2020،تحت عنوان "العنف المنزلي خلال جائحة كوفيد-19.. من منظور الطب النفسي الشرعي" من أن زيادة معدلات العنف المنزلي المصاحب لكارثة طبيعية غالبًا ما تمتد إلى 6 أشهر بعد انتهائها،وأن التدخلات النفسية ضرورية في هذه الحالات، وأنه يجب على المتخصصين أن يكونوا على دراية بالاحتمالية العالية لزيادة معدلات الإيذاء في أثناء الجائحة وبعدها بفترة طويلة،خاصةً وأن الأمر قد يتطور إلى الإصابة بأمراض عقلية أو إعاقات دائمة،وربما إلى موت الضحية.
ورصدت دراسة نُشرت في أأوت/أغسطس 2020،تحت عنوان "تفاقم عنف الشريك الحميم في أثناء كوفيد-19"،ارتفاع معدل عنف الشريك الحميم المصاحب بوقوع إصابات أكثر خطورة، في الفترة ما بين 11 مارس و3 مايو 2020، وذلك بالرجوع إلى نتائج فحوصات الأشعة في مركز طبي كبير في الولايات المتحدة الأمريكية،خلال نحو 9 أسابيع بعد الإغلاق المصاحب لكورونا،مقارنةً بالسنوات السابقة؛إذ عالج المركز 28 إصابةً خطيرة، بينها 5 انتهاكات جسيمة،مقابل 16 إصابة خطيرة من عام 2017 إلى 2019.
وأفادت الدراسة أن هذه الإصابات "العميقة" نتجت عن الخنق والطعن والحروق أو استخدام السكاكين والبنادق. وشددت على أن التباعُد الاجتماعي أثبت فاعليته في السيطرة على انتشار فيروس كورونا المستجد، ولكن كانت له آثار اجتماعية واقتصادية ونفسية سلبية، منها زيادة معدل اضطرابات الصحة العقلية.
هذا،وتُقدِّر هيئة الأمم المتحدة للمرأة، وهي كيان تابع للمنظمة الدولية يعمل على تمكين المرأة والمساواة بين الجنسين، بأنه من بين 87 ألف امرأة قُتلت في جميع أنحاء العالم عام 2017، مات أكثر من نصفهن على أيدي أزواجهن أو بعض الأقارب.يعني ذلك أن هناك حوالي 137 امرأة تُقتل يوميا على يد أحد أفراد أسرتها.
إلى جانب ذلك، ذكرت اللجنة الاقتصادية لأميركا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي أنه،عام 2018، قدر عدد حالات قتل النساء بحوالي 3529 على الأقل في 15 دولة في المنطقة.
وقالت الكاتبة كارولينا مونيوث، في تقرير نشرته مجلة "ريفستا فال" المكسيكية، إنه بعد الالتزام بالتدابير المفروضة في جميع أنحاء العالم بسبب وباء فيروس كورونا، وعلى ضوء هذه الأرقام،اتضح أنه لا ينبغي إثارة الإنذارات بسبب انتشار الفيروس، وإنما أيضا بسبب الوباء الآخر المستفحل ألا وهو موت الآلاف من النساء اللواتي خضعن للحجر الصحي في المنزل مع معنفيهن.
وقالت الكاتبة كارولينا مونيوث، في تقرير نشرته مجلة "ريفستا فال" المكسيكية، إنه بعد الالتزام بالتدابير المفروضة في جميع أنحاء العالم بسبب وباء فيروس كورونا، وعلى ضوء هذه الأرقام، اتضح أنه لا ينبغي إثارة الإنذارات بسبب انتشار الفيروس،وإنما أيضا بسبب الوباء الآخر المستفحل ألا وهو موت الآلاف من النساء اللواتي خضعن للحجر الصحي في المنزل مع معنفيهن.
في السياق ذاته،دعا الأمين العام للأمم المتحدة،أنطونيو غوتيريش،إلى اتخاذ تدابير لمعالجة "الطفرة العالمية المروعة في العنف المنزلي" ضد النساء والفتيات، المرتبطة بحالات الإغلاق التي تفرضها الحكومات كنتيجة لجهود الاستجابة لجائحة كوفيد-19.
وفي إشارة إلى نداءاته المتكررة لوقف إطلاق النار في النزاعات حول العالم، للتركيز على النضال المشترك ضد فيروس كورونا، قال الأمين العام إن العنف لا يقتصر على ساحة المعركة. "فبالنسبة للعديد من النساء والفتيات،إن أكثر مكان يخيم فيه خطر العنف هو المكان الذي يُفترض به أن يكون واحة الأمان لهنّ: منزلهن".
وقال إن الجمع بين الضغوط الاقتصادية والاجتماعية الناجمة عن كـوفيد-19، وكذلك القيود المفروضة على الحركة، أدت كلها إلى زيادة كبيرة في عدد النساء والفتيات اللواتي يواجهن الإساءة، في جميع البلدان تقريبا، مشيرا إلى أن الإحصاءات أظهرت،حتى قبل الانتشار العالمي للفيروس التاجي المستجد، أن ثلث النساء حول العالم تعرضن لشكل من أشكال العنف في حياتهن.
ولئن أصبحت البيوت المكان الأكثر أماناً للوقاية من انتشار فيروس كورونا المستجد،فإنّها لم تعد آمنةً للكثير من النساء اللاتي بتن يتعرّضن للعنف بشكلٍ شبه يومي، بسبب ملازمة الزوج العصبي المنزلَ، وتدخّله في كل شؤونه بدءاً من التنظيف حتى الطهي، إلى الاعتناء بالأطفال، وغيرها من التفاصيل الصغيرة.
أما بتونس،قإن ارتفاع عدد المُعنَّفات أثناء الحجر الصحي لا يمثل حقا النسب الحقيقية للإحصائيات،لأن الخوف من الشكوى أو من نظرة المجتمع لضحية العنف يحول دون الإبلاغ، وتبقى بذلك المرأة رهينة لنزوات زوجها وحالته النفسية إلى أن تتفاقم المشكلة أكثر فأكثر وتصل لمرتبة جريمة الاغتصاب أو القتل.
وهنا نذكّر بأن الحكومة التونسية استنكرت بشدة ارتفاع منسوب العنف المنزلي المبني على النوع الاجتماعي بـ تونس في الآونة الأخيرة،لا سيما أثناء الجائحة وخلال شهر رمضان.وذلك على إثر الحادثة التي راحت ضحيتها رفقة الشارني (25 عاماً) على يد زوجها وهو رجل أمن استعمل سلاحه الوظيفي في تنفيذ جريمة.
ونددت الحكومة في بيان صدر عن وزارة المرأة والأسرة والطفولة وكبار السن بتنامي منسوب العنف القائم على أساس النوع الاجتماعي خاصة. مشيرة أن العنف الأسري بصفة خاصة قد بلغ أقصاه وارتقى إلى الصبغة الإجرامية الخطيرة بالإقدام على إزهاق روح بشرية.
وحذر البيان من التطبيع مع كل أشكال العنف ضد النساء سواء في الفضاء الخاص أو العام والذي وجب التعاطي معه بالقطع مع سياسة. الإفلات من العقاب ضد ما تتعرض له خاصة من تهديد بالقول،أو الفعل أو الإشارة أو غيرها وضرورة التدخل الحيني والعاجل في إطار إنفاذ القانون. منذ أولى الانتهاكات التي تطالهن حتى لا يتحول هذا التهديد إلى ممارسة مقبولة يؤدي تفاقمها إلى نهايات أو نتائج غير محمودة العواقب. وفق البيان ذاته.
ختاما:
لم يَعُد الإعتراف بمجهودات المرأة ونِسَب وعيِها وتحصيلها الأكاديمي أساسيٌّ ولم تَعُد تدخلاتها البطوليّة وتضحياتها في مواجهة هذا الكائن الخفي مَحط الأنظار بل لا نرى سوى عبارة مُهينة واحدة تَشغل وسائل التواصل الاجتماعي وافتتاحية المجلات الرقمية وهي » العنف ضدّ المرأة « .
ومن هنا أطلقت مجموعة من الجمعيات النسائيّة ومنظمات المجتمع المدني حملات تضامُنية بهدف حماية المرأة التونسية من العنف المسلط ضدها خلال فترة الحجر الصحي الإجباري.
وعبَّرت عديد القَامَات النسائية في تصريحات إعلامية على وُجوب وَضع حَدّ لهذه الممارسات القمعية وخاصة في ظِلّ إغلاق المحاكم لأبوابها.
ويُعد العنف ضد المرأة والفتاة واحدا من أكثر انتهاكات حقوق الإنسان انتشارًا واستمرارًا وتدميرًا في عالمنا اليوم،ولم يزل مجهولا إلى حد كبير بسبب ما يحيط به من ظواهر الإفلات من العقاب والصمت والوصم بالعار.
كما تؤثر العواقب السلبية المترتبة عن العنف ضد المرأة والفتاة على صحة النساء النفسية والجنسية والإنجابية في جميع مراحل حياتهن.
على سبيل المثال،لا تمثل سلبيات انعدام التعليم المبكر العائق الرئيسي لحق الفتيات في التعليم وتعميمه فقط،بل في النهاية تقيد الوصول إلى التعليم العالي وتؤدي إلى محدودية خلق فرص الشغل للمرأة داخل سوق العمل.
وهنا أختم : إن تحديد العنف لا يزال طبق التعريف القديم الكلاسيكي،وهو ما تعكسه الأرقام الحالية، فقانون مناهضة العنف ضد النساء،جاء ليكون أشمل ولحماية النساء والأسرة إلا أننا بعيدون عن الأهداف التي وضع من أجلها،ذلك أن الأرقام تكشف حقيقة مفزعة،وهو ما يستدعي معالجة ظاهرة العنف والإحاطة بالنساء أكثر،ومحاولات إيواء الضحايا وتوفير المعالجة النفسية لهن لأن هذا هو المطلوب،خاصة وأن ظاهرة العنف تؤثر على التنمية وتمس الكرامة الإنسانية وحقوق الإنسان،وبات بالتالي من الضروري تطبيق الدستور التونسي ووضع الآليات لحماية الحقوق الاقتصادية للنساء..
محمد المحسن
*لمزيد من التوضيح،فإن إعلان القضاء على العنف ضد المرأة الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة في 20 ديسمبر1993 بموجب القرار عدد 48/104،يعرف العنف ضد المرأة كالتالي: "أي فعل عنيف تدفع اليه عصبية الجنس ويترتب عنه أو يرجح أن يترتب عليه، أذى أو معاناة للمرأة سواء من الناحية الجسمانية أو الجنسية أو النفسية،بما في ذلك التهديد بأفعال من هذا القبيل أو القسر أو الحرمان التعسفي من الحرية،سواء حدث ذلك في الحياة العامة أو الخاصة."


ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق