مارســـــــيدس ..
ـــ
" لا شيء في الطبيعة يعيش لنفسه!!
النهر لا يشرب ماءه
والبحر لا يأكل سمكه
والأشجار لا تأكل ثمارها
الشمس لا تُشرق لذاتها
وذات الضَّرْعُ لا تشرب لبنها
خلقت الاشياء لتخدم غيرها
هذه حكمة الله و رسالته لنا
لنعش لبعضنا "
الشاعرة " أم عثمان فاطمة الزهراء "
" إنّنا عندما نمدح ، فنحن نمدح ذوقنا الخاص ـ ألا يخالف هذا كلَّ ذوقٍ سليمٍ "
نيتشه Nietzsche
-1-
رايتها بذات هيبتها وهيئتها الصقيلة المسلوبة الرائعة , ووقارها القديم الذى لا يبارى أو يضاها أبدا, ولكن بعد أن ذهب جمالها ورونقها البديع الذي تشريب دونة الاعناق والانفس الحائره العليله , وبعد أن أصبحت مجرد كومة حديد خردة قديمة بخسه زهيدة الثمن , ترقد بسلام الموت بجوارتعريشة أو رأكوبة ورشة المعلم " مروان عيونة " بدلالة حلايب العشوائية , القديمة الشهيرة بغرب أمدرمان وبعد أن كانت فى يوم من الايام , ويا سبحان الله " تهز...وترز" وملئ سمع وبصر العاصمة كلها وما حولها من ضواحي , فقلت لحظتها مؤاسيا نفسي :
ـ ".. وهكذا الدهر يا سعد .. ما أن يفرح قوم ويسعدهم , حتى يأتي كما تقول العرب , وفى يوم ما قريب .. ليبتليهم ويبكيهم وفى عزيز لديهم أفتقدوة .. .
أما الذى مازلت أذكرة تماما بأن هذة " المارسيدس " نفسها , كانت تشكو وتجار بمر الشكوي دائما من حظها أو بختها العاثر , وسوء حالها وأحوالها المائلة التى كانت تسير بها متردية من بين كل يوم وآخر ومن سيئي الى أسواء , وكيف أنها أضحت السيارة المارسيدس الوحيد فى كل الدنيا الوسيعة التى غدر بها الزمان هكذا بلا رحمة , ومن دون سائركل شقيقاتها الآخريات وبنات جلدتها من ذات الطراز أوالموديل , الجميلات المنعمات المرفهات اللاتى يرقدنا الان مدلالات معززات فى بيوت أو معارض ومتاحف, ملاكهم الاثرياء فى أوربا وأمريكا والخليج وكل الدنيا .. , فهن أما يسرنا الان بغنج يحسدان علية متبخترات فى شوارعهم العريضة الفسيحة , أو يقبعنا مرطبات مهندمات بسلامة تامة وأستكانة خجلة داخل بيوتهم أو جراجاتهم الرحبة , ومواقفهم الظليلة المكيفة المتعددة الطوابق , بينما هى ترقد كما مهملا فى بقعة ما خلوية أمدرمانية صحراوية قاحلة طارده , تتساوى حتى درجة حرارتها وطقسها الحار الحارق تقريبا سجن " غوانتنامو " , الشهير العتيد السيئي السمعة والصيت كما أنها ويا لعجبي ترقد منزويه هكذا وخارجة من أنتباءة وأهتمام العالم المتمدين , بأطراف دلالة وضيعة ركيكة الشأن منسيه قديمة قدم المدنية نفسها .. , وهى تشكو لطوب الارض عن بلوتها وأهمالها المزري وزلها وهوانها على الناس وكل هذة البشرية الحمقاء الدهماء , بل يكاد حتى الدمع السخين أن يتساقط أسفا من بين مقلتيها الواسعتين الجميلتين .. , وأنا يومها كنت مجرد صبى حداده لاحول لى ولا قوه أتخذها فى آحايين كثيرة , ويا لسخريات القدر مرقد لى أستثانئا مع كل ظهيرة وآخري, لتقينى صراحة من حرارة الصيف اللاهبة الحارقة أو زمهريرالشتاء البارد القاسي الذى .. لايرحم أبدا .
-2-
غير أنها ذات يوم ما تواضعت وتنحنحت وقالت لى بكثير خيلآ وأدعاء وهى توانسني , وعلى حين غره لافض فوها أبدا :
ـ وأعلم يا أبنى أدم الصغير .. بأنني لست هينه أو لينه .. كما يدعونني الان بالخرد المهترية اليابسة من أى نفع , أو بالكهنه الرخيصة الثمن التى سوف يرسلونها غير أسفيين أونادمين , ,, أن عاجلا أو أجلا لمصنع جياد لصهر الحديد أو لمصنع أبونوب الجديد لدرفلة الحديد والفولاذ , فقد تم صنعي ولا فخر فى المانيا العظمي , وليس فى أى بلدا آخر سواها كما فى ديباجتى المعدنية القرمزية الواضحة للعيان بهندسة وتكنلوجيا فائقة وأيدى أمينة , وأشترتنى بأدى ذى بدأ طبيبه شابه جميلة من مدينة " كولونيا " بالتقسيط المريح , تزوجها تاجر ماس من بلجيكا المجاورة لم يستقر بهم الحال هناك طويلا , فودعا أوروبا وبروكسل فجاءة ليموتا بعد ذلك سويا فى حادث تحطم مروحية غامض بالكنغو فتشأمت منى والدتها وعرضتنى للبيع , غير مأسوف على شبابي ليبداء من بعد ذلك مباشرة مسلسل الضياع والعذاب وسوء الطالع , الذى أصبح حقيقة يلازمنى حتى اللحظة , والاسواء لم يشتريني أصلا سمسار سيارات رسمي لة رخصة تصدير دولية نظامية , وأنما وقعت بعد طول أنتظار وترقب فى يد بحار مغامر مغربى الهويه , هربنى بمشقة لجبل طارق ومنها بالطرق الملتوية لبلادة ولسوء حظة العاثر قبضت علية السلطات الجمركية , فى كمين مدبر فسجن وصودرت أملاكة جميعها فباعتنى عائلتة وهى غير أسفة أيضا , لسائح فرنسى شاب قوى الشكيمة متهور وخالي ذهن تماما عن المخاطر والمهالك المحدقة , ذهب بى مجازفا وعنوا رغم تحزيرات القنصلية العامة الفرنسية بطنجة ,بخطورة السفر تلك الايام لجزيرة صقلية الايطالية الغير آمنة , فاختطفتنى تحت تهدد السلاح عصابة خطرة من المافيا التى لاترحم أبدا.. أبدا .. , أستخدمنى رئيسها بلا رحمة كواجهة للابتزاز فى الحانات الليلية وموائد .. القمار وخاض بى لقوة حديدى التصفيحى " بي 4" , أشرس المعارك ضد غرماءة من أوغاد المافيا الآخريين , المتنافسين للسيطرة على المناطق والمدن الصقلية الساحلية الصغيرة الغنية بالمتاجرة بالبشر والممنوعات , أوفى المواجهات الطاحنة الماحقة مع الشرطة الامنية الرسمية هناك .., فذقت الآمريين .. حتى أنه لم يتبقي مكان فى جسدى أو موضع فى جسمى , الا وكانت به طلقة مسدس طائشة أوخبطة قنبلة أو مدفع رشاش قاتل .. , الا أننى بعد عدة سنوات من هذة الحالة المزرية البأئسة لم يغمض لى جفن أو أحس الا وأن أجد نفسي محمولة , على ظهرحاملة بترول غير مسجلة فى أى دولة , وبصحبة بحار آخر شقي يوناني عربيد جبان بلا هوية تنازل عنى طوعيا وغير أسف لغفر السواحل اللبنانية , أثرا سلامتة الشخصية من أن يلقي بة فى عرض البحر نكاية بة لتسلله الغير قانوني , لاجد نفسى أساق بلا جريرة والى قلب بيروت .. وما أدراك ما بيروت تلك الاعوام .. , لاعيش فى آتون المعارك الطاحنة الدائرة يومها سجالا بين الفرقاء اللبنانيين , وأظل هناك طيلة سنوات الحرب الطويلة وحتى أجتياح أسرائيل لبيروت .
مع رحيل " عرفات " الداؤوى من لبنان أعيد تصديرى من طرابلس - الشرق لقبرص , ومنها رحلت بالطبع لجارتها تركيا التى تعتبر حينها أكبر سوق رائجة ومتخصص فى كل أنواع السيارات والشاحنات الالمانية المستوردة المستعملة , ومن حدودها الجنوبية تحديدا وبعد طول مساومات وترضيات وصفقات حدودية ركيكة , تمت مقايضتى مقابل شحنة أغنام مع تاجرعاديات سوري بدوى وجية , أرسلني مدير أعمالة رأسا على عجل لبرالسودان البعيد الشرقي ومنة لرجل أعمال مغرم أرمينى شهير بالخرطوم , أعجب
بأطلالتي عليهم الشديدة الحضور وبأشد ما يكون العجب هو وكل أفراد أسرتة الكبيرة , فكنت أحملة هو .. وزوجتة الست الهانم بصلف وعنجهية لاماكن عملهم , ولكافة مناسباتهم الاجتماعية العديدة التى يذهبون اليها .., أما أبناءة الشباب الصغار فكنت أحرص ما أحرص لايصالهم باكرا لمدارسهم بالبعثة التعليمية العربية وكمبونى , وأعود بهم مع كل ظهيرة بانتظام لا يخل أبدا , أما السائق العم " حميدان " فقد كان وأحقاقا للحق دائما ما يحرص على تنظيفي وغسلى وتلميعي صباحا ومساءا .. , وعلى هذا النحو والوتيرة من العظمة والوجاهة وعلو الشأن والقدر سارت بي الامور ومضت بي الايام وعلى أحسن حال لعدة سنوات .., الا ذاك اليوم المشئوم الذى جاءت فية الآزفة والطامة الكبرى وبلا مقدمات , فافلس فجاءة التاجراللارمني وأصيبت زوجتة الطيبة بداء عضال .. , فبيعت أملاكة المرتهنة وهاجر مع أبناءه لعلاجها والعيش بالخارج , الم أقل لك قبلها يا أبني .. بأننى فعلا نذيرة نحس ..وشئوم ووش نكد .. .
بالطبع بعد عدة أشهر على ذلك تم بيعى مباشرة فى مزاد علني بالمحكمة الكبرى , ووقعت هذة المره من نصيب أحد ألاعيان وشيخ طائفة دينية كبيرة مشهود لة بالصلاح والفلاح , فكان أبناءه الفقهاء الشباب الصغار شديدى الولع والاعجاب بى لدرجة الهوس , عكسة تماما فهو شخصيا لم تطأنى قدمة .. الا لماما وكان كثيرا ما يشيح بوجهة زاهدا بعيدا عنى , تاركا الباب على مصرعية مفتوحا لابناءة الصغار البررة للتنافس والتسابق الشديد فيما بينهم على قيادتى , وبطريقة متهورة غير مسئولة بمناسبة أو آخري .. , بل الادهي وفى أحدى المرات ولولا لطف الله الكريم لتسببت بحماقتى ورعونتي وسرعتى الفائقة , فى موت أبنة الوحيد من زوجتة الصغرى وفى حادث حركة مروع بطريق التحدى .
-4-
عندها لم أشعر الا بالفقراء ياتون عشاء من مشارق الارض ومغاربها يتباكون وهم مستعجبين , من مسلك أبونا الشيخ الشاب الورع وغفلتة التى فاقت الحد, ولدرجة تأثره المقيت وأبناءة بحداثة أهل البندر وجلافتهم الزائدة الممجوجة , ومدنيتهم الزائفة المتصنعة فى كل شىء , وتندرهم على تنعمة البائن والظاهر للعيان الذى فاق الحد, ليعودون بة القهقري لايام .. وأيام للاتعاظ باسلافة الاوائل وبالاحري بجدة الكبير في الوراء شائب الصوفية " أب سما فائر " والذي يزعم حتي بترويب ماء بحر النيل الزلال .., وعندما تنعم وبطر..هكذا فجاءة أبن أختة الكبري شيخ السجادة المنتظر وبلا مقدمات ذات يوم محفوظ في ذاكرة ذاك الزمان القديم الاول , وظهرت علية دلائل النعمة والتنعم فلبس فجاءة الحرائر والثوب العشاري الطويل وركب الجمل البشاري وحتى جمل البديد , فناصحة جهارا نهارا ذاك الزمان البعيد وعلى رؤوس الاشهاد قائلا :
" ها شيخنا قالو بالحيل .. ركبتا المعلوف ..
وحقبتا السيوف .. ولبستا المنتوف
وتركتا دراعة الصوف ..
كل ذلك كنايه عن بطره وتنعمه الظاهر وتخلية تدريجيا لمسالة الزهد والتقشف فى الدنيا الحقيرية , وبعيدا من عادات الاجداد الاوائل الشديدة الرسوخ , حتى هو بنفسه ولم شعر حقيقة بما علية من تنعم وتعدد وفى كل شىء دنيوى بهيج , عندها قال لهم وحتي بدخيلة نفسه :
ـ والله لاودبنا نفسي اليوم .. بالصلاة مائة ركعة " , زجرا وهضما للنفس الاماره بالسوء من التكبر وأمتثال لرضاء مريدية وشيوخة فى علم الظاهروالباطن , وهو الان خريج جامعة السودان ومحاضرها الاسبق والاستاذ المشارك وشيخ الاسلام والامام الفقية المتكلم اللغوى النحوى بكل كليات التربية بالعالم الفسيح , فلا غرو وأذا ما جاءوا هكذا هذة المره مدفوعين منكسري الخاطر يتباكون .. ليكفروا لابنة أولا كسورة ورضوضة التى كادت أن تقعد به عن أمانيهم بالقرأءة فى الليحان والرياضة مع الحيران, ليناصحوة نصيحتهم الكبري العلنية كشيخ سجادة وحيد .. يشار الية بالبنان , وأيضا بما فى نفوسهم من غل وكره لى أنا شخصيا وحضوريا ولما احدثتة من عاهة مستدامة للخليفة الاصغر الانجب.. , الوريث الشرعي عندهم والمحتمل للسجادة العريقة الكبري .., لينبري فجاءة أصغر المريدين وليحلف باغلظ الايمان .. " قائلا :
ـ وتربة أبونا .. الشبخ "أبو قرينات " ما عافين منك .. لوتصلحها وتركبها تانى .., دى سيارة شئوم وروم يا شيخنا .. ووش فقر عديل .. بيعها خردة ساكت ولا عزاء حتى .. للمارك والدولار..
ـ حتى أخوك شكر الله راجل " ويركت والقربين " , ما أن وقعت عينة عليها .. حتى كاشفنى قائلا :
ـ قول لود خالك البطران ما يخلي أوراد الصباح ودلائل الخيرات .. , ويختي السيارة دي عديل والله كجنتها عديل ..
ـ كان يرضي ولا ما يرضي .. , وخطوتها تب لا سعيده ولا بخيته عليكم تب ؟اا ..
ولى أسع ولى باكر .. , وقال ليك وهو يضيف ممتعظا :...ـ
ـ صحيح يا شيخنا وكما يقول المطاميس سيارتك جميلة وعجيبة وفريدة ..
ـ ولكن عديل كدا .. واللهم لا حسد .. قول ليه :
ـ " يا فقر بالعجلة .. يا موت مستعجل .. أيش قولك " قال ليهم : ..
ـ والله فوق كلام أبونا الشيخ " أبو قرينات " .. حاشا ما عندي قولا .. تب ؟ااا .
,,,
تمت
فتحى عبد العزيز محمد
ود المقابلي ـ البادراب
4/1/2014م
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق