الاثنين، 10 يوليو 2023

تَوهُّجُ الرؤى والأحاسيس.. في قصيدة “ارتحال” للشاعر التونسي القدير جلال باباي بقلم الناقد والكاتب الصحفي محمد المحسن

 تَوهُّجُ الرؤى والأحاسيس.. في قصيدة “ارتحال” للشاعر التونسي القدير جلال باباي

إنّ من يقرأ للشاعر التونسي القدير جلال باباي سيلاحظ مغزى عنوان قصيدته المسمّىاة(ارتحال)،دون تحديد لجنس النص،يدلّ على وعي الكاتب بأنّ مؤلفها يحوي أو لا يقتصر على جنس نثري أو شعري محدد،فكتب في أكثر من صنف أدبي واحد،بما يظهر الموضوع المحاكي في صورته الدّالة،واللفظ الخطابي المراد إيصاله بما يتناسب مع أكثر من ذائقة قارئة واحدة،فالقراءات متعددة لتعدد قرائها،وكذلك الأجناس الأدبية متعددة لتعدد موضوعتها المختلفة،بحسب ما يرى كلّ مبدع ٍ لموضوعه الذي يريد أن يحاكيه بالصور الأدبية التي يتقنها ومتمكن منها،ومن ثمّ شعوره تجاه كلّ موضوع،ما القالب الأدبي الذي يحتويه وفي أيِّ جنس شعري أم نثري يصل للقارئ..؟.
ما أريد أن أقول ؟
أردت القول أن الشعر مدى واسع من التأمل والبوح والإفاضة الروحية،وهذا السحر الذي ظلت أمة العرب تردد إيقاعاته،وهي تؤرخ فخرا وتشدو أحداثا وتؤكد وقائع ،هو السحر الكلامي الأكثر جدلا بين الفنون التعبيريّة .
وهذا الجدل ارتبط بطبيعة التجديد التي اجترحت ثبات شكله عبر قرون،ليشهد حركة تحويله إلى نمط قصيدة التفعيلة أو ” الشعر الحر” الذي جاء على يد رواده السياب ونازك والبياتي وبعض الشعراء الذين عاصروهم،ورغم التزام قصيدة التفعيلة ببحور الشعر،إلا أنها واجهت ردود أفعال متشنجة من شعراء العمود،الذين اعتبروا الخروج عن- الإطار الفراهيدي-عبثا لا مبرر له..
و لا أريد الخوض هنا في تفاصيل هذا الصراع الذي كتبت عنه مؤلفات ونوقشت فيه رسائل جامعية عديدة ،حتى صار واقع حال وشهد انتشارا وفرسانا أبدعوا وجددوا في جسد قصيدة التفعيلة..
وفي العقود الأخيرة ،أخذ الشعراء يشتغلون على تجربة “قصيدة النثر”التي مازالت حتى هذه اللحظة مثار اختلاف وجدال،بين اعتراف بها كلون من ألوان الشعر،وبين رفض لها كونها خالفت شروط الفراهيدي في العروض والإيقاع وبحور الشعر العربي الستة عشر،وكذلك اجترح شعراؤها لأنفسهم منابر تعبير مختلفة،حتى غدت قصيدة النثر بسبب غياب الضوابط المنظورة،ميدان واسعا ضم الجميع،بجيدهم،ورديئهم،بمن يتمتع بموهبة استثنائية واضحة،وبمن لا يعرف من الشعر غير رصف كلمات معينة،الهدف منها الإثارة أو الإختلاف،أو تحقيق هدف شخصي ما..
ولكوني-أزعم-أني أحد المتابعين للشعر والشعراء،ولاسيّما من يكتبون في مجال قصيدة النثر،فقد استوقفني قليل من شعراء هذا اللون الصعب جدا،لا كما يبدو في ظاهره بسيطا متمكنا منه، سهل الأداء،وهذا القليل من الشعراء،يعرفون أسرار الاشتغال ضمن مضمار هذه التجربة،التي تبدو بلا محددات أو ضوابط واضحة،لكنها مع شعرائها المتمكنين من أدائها أداءً مبدعاً جاداً تجد ضوابط وإن كانت خفية أو غير مؤشرة في قالب أو إطار،إلا أنها تتضح مع حرفية وخبرة وجدية من تعاملوا معها من الشعراء.
أقفُ اليوم مع شاعرٍ تونسي أنهكته المواجع ونالت منه الأزمنة المفروشة بالرحيل في نخاع العظم،لكنه ظل من أبرز الشعراء التونسيين ممن يكتبون الشعر بحبر الرّوح ودم القصيدة..
أعجبتُ بوعيه وجديته في تعاطي القصيدة الجديدة،وعندما قرأتُ قصيدته المسماة”إرتحال” ارتحلت معها صوب الآقاصي دون التفكير في الهبوط على سطح الأرض،إذ وجدتُ في لغته ثراءً،وفي جملته حدة وتوتراً ووجعا يتخفى بين السطور،وفي موضوعته تحليقاً في فضاء من التخيّل المنطلق من هموم الإنسان وأوجاعه وقضاياه المختلفة،فالشاعر التونسي القدير جلال باباي،قادم بقوة،وبخطى واثقة،ليضعنا-جميعا-قسر الإرداة-في طريق الشعر المعبّد بالآمال والطموحات وكذا المواجع ،التي شحذت عزيمته وزادت من ابداعه وهجا والتماعا..
وحتى لا أطيل على القارئ نستمتع معا بمقطع بهذه القصيدة التي لولا بقايا كبرياء عربي لبكيت :
في قصيدة (ارتحال) يقول الشاعر-الأكودي-(نسبة إلى مدينة أكودة من ولاية سوسة الساحلية-موطن شاعرنا الجميل جلال باباي):
“الآن..و هنا أتٌكأ على وتدين..
أفترش الارض منفاي..مستقرا لفوضاي
وأخضر القمم
تلك لغتي تشيٌد حصن نخوتي
وتتطاول على مقامات السقم..
كنت أحسب شذى الوردة وجهتي الأولى
وجرعة المرهم
خلت خريف عمري في حضرتها ربيعا
..فعمٌ اليباس ونضب ياقوت المنجم
تهاوت في مخدعها اهازيج العشق
وأمطرت سحابات يتيمة عويل وجعي ونواح الندم
لبستني وحدتي غشاوة من الألم
هو مجد العزلة في جسدي يتفحٌم
هي مازالت في شقاوتها تنعم
جفٌت ينابيع جنتها وتفشت رائحة الوهم
” كذب المنجٌمون ولو صدقوا “
صدقت نبوءة المتيمين
وجنحت القصائد من حرير الهمم
ثم و بلا هوادة اسامقت ملحمة جنوني الناعم ..”
نتأمل هنا الوجع الإنساني والدور البديل،الذي يضطر كل فرد في المجتمع بسبب الضغوط الحياتية والوجودية إلى تقبّل هذا الدور وتحمّل وجعه..
وهكذا يرصد الشاعر(جلال باباي) بإحساس عالٍ من الرهافة،التحولات التي يعانيها الإنسان -بصبر جميل-،لينتهي أخيرا بنتيجة صادمة تمثّل صرخة،تصلها القصيدة بحدة وإشارة ذكية للذات التي تأبى إلا أن تكون كما يراها الفرد الشاعر،الذي استعار قناعا،ليدلي ببوحه وينسج نصا متوترا جميلا،يعد من نصوص قصيدة النثر المؤثرة حقا..
وسأكتفي بهذا القدر من إشاراتي لبعض مفاصل-هذه القصيدة الموغلة في الإبداع..والمضمّخة في ذات الآن بالوجع-
قبعتي..يا جلال..يا من رفضت الإنحناء..في زمن الإنكسار والرضوخ..
محمد المحسن

اشراقات قصيدة الومضة لدى الشاعرة التونسية القديرة فائزة بنمسعود بقلم الناقد والكاتب الصحفي محمد المحسن

 اشراقات قصيدة الومضة لدى الشاعرة التونسية القديرة فائزة بنمسعود

“نحنُ نجدّد في الشعر،لا لأنّنا قرّرنا أن نجدّد،نحنُ نجدّد لأنَّ الحياةَ بدأت تتجدّد فينا،أو قُل تجدّدنا”(الشاعر اللبناني الراحل يوسف الخال)
تقديم :
أن تكتب عن الشّعر فهي بلا شكّ كتابة وعرة قد لا تفي الشّعر حقّه،فالشّعر حمّال للوجوه والأبعاد،هو مرآة لذات الشّاعر وانعكاساتها، يولد من رحم قضايا الإنسان حاملا همّ البسطاء والفقراء،ينغرس مع سنابل الأرض في ترابها، ويعلو بالحرف ليسمو به فوق السّحاب.وكأنّ الشّعر وما فيه من كلمات إنما هو نور مخبّأ في جيب اللّغة،يمنح الشّاعر سرّ الحرف وسريرة الحياة.
تعتبر قصيدة الومضة هى قصيدة التكثيف الشديد والتلميح الأشد،حيث تكون فيها مساحة المُصرَّح به أقل بكثير من مساحة المسكوت عنه،وفى هذا النوع من القصائد يحيل الشاعر المتلقي بإعمال فكره واستخدام كل مهاراته الثقافية والأدبية واللغوية لفك طلاسم هذه القصيدة،وقصيدة الومضة تعتبر قصيدة المثقفين ولا يمكن-لأنصاف المثقفين- أن يتعاملوا معها أو حتى يستمتعوا بها.
ويمكن أيضاً أن نقول إنها قصيدة النضج واكتمال المعين الشعري لشاعرها،ويمكن أيضا أن نقول إنها قصيدة الصمت الإيجابى أو الصمت المقروء.
قصيدة الومضة أيضاً هى قصيدة الدهشة فى أنقى معانيها..
ويمكن القول باختصار أنها القصيدة التى تستنفر عقل وفكر المتلقي ليكون على قدر مستواها الفكري والأدبي.
ولعل أهم أسباب الإنتقال إلى القصيدة الومضة أو التوقيعة انتقال الشعر من المباشرة والخطابية إلى الإيحاء،أو الانتقال من الشعر الذي يُلقى أمام متلقين في مهرجانات شعرية لغاية التوعية،والتنوير،إلى الدعوة إلى قصيدة تقرأ في جو خاص.
وقد شهد عصرنا تواتراً في الأحداث الساخنة التي لم تعد تسمح بنظم القصائد الطوال،الأمر الذي أدى إلى وجود سمة الانفعالية والتعبير المقتضب والموحي.فظهرت قصيدة الومضة وهي ذات مجموعة من التوقيعات النفسية المؤتلفة في صورة كلية واحدة،وهو أمر يعني أن للصورة أهمية استثنائية في قصيدة التوقيعة.
ويتطلب هذا الشعر ذو اللحظة الانفعالية،والدفقة الشعورية،ذكاءً نافذا من الشاعر،ونباهة عالية من المتلقي،أو القارئ،لأن القصيدة المدونة مبنية على صورة واحدة تحمل فكرة واحدة، وانطباعاً واحدا بتكثيف شديد لا يخل ببنيتها الشعرية البلاغية،الا أنها تفتح آفاقا واسعة في المعاني والمدلولات.
وقصيدة الومضة،أو التوقيعة،تحدث عند متلقيها،قارئا أو سامعا،فجوة توتر شعري،وهي سمة شعرية تصاحب القصيدة الناضج,..هذه السمة يمكن من خلال قارئ نوعي حصيف للشعر أن تولّد عنده سمة أخرى ومهمة هي سمة الإنفجارية،إن كانت تلك الإنفجارية في الإيحاء،أو التأمل،أو الدلالة،إنها حالة الدهشة المتولدة من ذلك الإنفجار،ومن ثم تنتج متعة القراءة أو السماع،فيتم التبادل المبدع والمثمر بين الشاعر ومتلقيه.
شعرية التوقيعة واشراقاتها الخلابة لدى الشاعرة التونسية القديرة فائزة بنمسعود :
قد لا أجانب الصواب إذ قلت أنّ الشاعرة التونسية فائزة بنمسعود تعد من أبرز الشاعرات التونسيات اللاتي أبدعن في صياغة نصوص شعرية تداعب الذائقة الفنية للمتلقي..وترتقي بجماليات الشعر إلى منصة الإحترام التونسي والعربي..
في قصيدة النبضة التي أبدعت في-نحتها-اتكأت-على حقول دلالية محددة أبرزها : الزمن،والحب،والحزن،والثنائيات الضدية..وقد سميت توقيعة،لأن الشكل الشعري يشبه التوقيع في الرغبة في الإيجاز،وكثافة العبارة،وعمق المعنى،فيحوّل عبر التوقيعة شعريته إلى خطاب اتصاليّ يثير انفعالات المتلقي،ويجعله يشاركه مشاعره،فتثير التوقيعة لدى المتلقي الدهشة، وتدخله إلى عالم الشاعر،وتنجم شعريته عن موقف انفعالي،وقد تأتي في خاتمة المقطع أو القصيدة،وقد تكون القصيدةُ قصيدةَ توقيعة/ ومضة.تقول فائزة بنمسعود :
من خمرة حبك شربت..
ششربت حد الثمالة..
أردت نسيان حبك..
أترى النسيان استحاله..
أبرز ما تميزت به الشاعرة في تجربتها الشعرية،ان رسالتها ذات سمة وجدانية مولدة للوظيفة الانتباهية لدى المتلقي وصولاً إلى لحظة الذروة والإدهاش من خلال احتفائها بالعشق المتوقد والحساسية المرهفة،والوحدة العضوية،والصورة الشعرية،كما أنها تسعى بشكل حثيث للابتعاد عن الحشو والزيادات..
ولعلّ أهم ما يخرج به قارئ ومضات فائزة بنمسعود أنها تركّز على ردة فعل القارئ ومدى استجابته مع النصّ الذي يشكّل جملة قراءات ناجمة عن قدرة تأويلية لديه وشد انتباه القارئ من خلال الاهتمام بالمقاربة،والتركيز على الجملة القصيرة المكثّفة جداً كقولها :
بربك يا بلبلا غرّد على فنن..
ما يفعل الصب..والقلب للقلب سكن..؟
ها أنت تشدو وخلط يطرب..
فلا عاش الشجن..
وها أنا وحدي قلبي منفطر..
يعصره الحزن..
لا تقوم التوقيعة أو الومضة على شعرية الجملة الواحدة،بل على شعرية الرؤيا في إطارها البنيوي.فترتقي الشاعرة (فائزة بنمسعود)باللغة مشكّلة كلمات يرتفع مستواها الدلالي،وحين يتمكّن المتلقي من القبض على جوهر النص تحدث المتعة الفنية..
إن الشاعرة التونسية-فائزة بنمسعود-تسعى إلى البحث عن فضاء خاص،ومدار للحب،وبناء معبد بعيد عن معابد الآخرين معتمدة على التنافر بين عناصر الصورة،فيبدو للمتلقي أن طرفي الصورة متضادان من جهة الأثر الفني.وهذا التضاد من أهم العناصر المولدة لدينامية الصورة، لأنه يولّد الحيوية،ويجسّد التعارض بين القوى البشرية والواقع.كما أن صور التقابل والتنافر والتضاد يميزها الصراع بين نزعتين في الإنسانية.وقد ركزت -فائزة بنمسعود-على العناصر الشعورية والنفسية للتضاد،لتظهِر نقائض الذات في جدلها مع الواقع والزمن،ولتعبر عن توترها النفسي الحاد.
حزين وموجع جدا..
أن يكون أحدنا وحده..
وهو الذي نفخ في روحه..
إنه لا يعوّض..
تمثل التوقيعة السابقة مفارقة شعرية.فكل توقيعة قصيدة قصيرة،لكن ليست كل قصيدة قصيرة توقيعة،لأن هذه القصيدة أشبه بالبرقية،تقدّم صورة واحدة،أو انطباعاً واحداً بإقتضاب شديد، تهدف الشاعرة من خلاله إلى إحداث تأثير جمالي لدى المتلقي،وتقدّم لقطة سينمائية درامية تهتم بالإيقاع الموسيقي في التشكيل الفني..
وهنا أضيف : الومضة شكل من أشكال الانزياح الذي يباغت بها الشاعر المتلقي من خلال التركيبة الأسلوبية المتميزة القائمة على مصاحبة لغوية غير عادية.فالصورة تكشف عمقها بطريقة لا شعورية،إذ تجعل المرئيَّ روحاً خفية،وتجعل للروح الخفية طبيعةً مرئية..
ولأن قصيدة الومضة تختزل الموقف والمفردة والشعور كي تعطي للمعنى بعداً مغايراً،وتمنح الصورة روحاً تجعل القارئ يحلّق إلى حيث تشظياتها ليمسك بخيوطها،لذا فهي قادرة على التوصيل للمتلقي كل دفقاته الشعرية والشعورية،ضمن تعبير متميّز يحمل الروح والفكرة والشاعرية بكل ألق وإبداع لكونها ترتكز على الشحنة الدافقة والتي من طبيعتها تدهش القارئ كقولها-أقصد الشاعرة الفذة فائزة بنمسعود :
وعدتَ مع العيد تأتي..
وحدثني قلبي أنك لن تأتي..
والعيد في حياتي فرح مؤجل..
العيد من دمعي يستحي ويخجل..
وهذا قلبي في الركن مهمل..
وما يفيد الشعر وترتيب الجمل..
وكل لحروف الحب همزة وصل..
ركّزت-فائزة بنمسعود-على جمالية السياق،ليكون لخطابها وظيفة انفعالية تولّد وظيفة تنبيهية لدى المتلقين،يصل بعد السرد الشعري إلى لحظة الإدهاش.ولعل أجمل ما في شعرية التوقيعة أنها تولي أهمية كبرى للمتلقي،فتظهر الشاعرة درجة من الذكاء تتطلب بالمقابل من المتلقي أن يكون على درجة عالية من النباهة،ليستوعب التوقيعة المتضمنة رمزاً وعتابا،والمولدة غير المُنتظر بالمنتظر على حد تعبير جاكبسون-.وأهم ما يميز التوقيعة السابقة نهايتها الخاطفة التي تبلغ عندها ذروة الختام،وهي متعالقة بشدة مع البداية،ونتيجة لها،لأنها تبلور الرؤيا الشعرية،وتجعلها في حال تنام داخلي إلى أن تصل إلى النهاية.وذلك كله بفضل الإنزياحات والإستعمال غير العادي للغة،فتأتي النهاية غير عادية،وهي"طرفة أسلوبية"تعتمدها الشاعرة-فائزة-لتوليد اللامنتظر من المنتظر،فإذا بالكلمات القوية تتلاحم،والألفاظ المتنافرة تتماسك،ونصل إلى التوقيعة التي تثبت أن النظام اللغوي يجسّد النظام المعنوي لدى الشاعرة فائزة بنمسعود.
ما يميز قصيدة الومضة الخيال المتأجج،والنأي عن الزيادات والحشو الذي لا طائل شعريا منه، والتركيز على الجمل القصيرة ذات الكثافة العالية،و المفاجأة التي ترافقها الدهشة،والوحدة العضوية القادرة على ايصال المعنى.
إن الومضة الشعرية هذه،أو التوقيعة-التي أبدعت فائزة بنمسعود في صياغتها-،لا تنهض في الشعر الا على الرؤية،والرؤية البنيوية،حيث يختار الشاعر/الشاعرة لغة تنسجم في مستواها الدلالي والرؤيوي التي يقدمها في ومضته أو توقيعته.
وسيميائية الومضة حاضرة بقوة في تجربة فائزة بنمسعود،فهي إيقاع لأوجه مختلفة توصل كلها إلى قيمة واحدة،هي معادل سيميائي للقصيدة،الحبيب،الأرض..الوطن..الوجود..الإغتراب..الشوق والإشتياق..إلخ عبّرت من خلالها عن رغبة في الحياة بطريقة أفضل.فالتوقيعة/ الومضة حاضرة بقوة،تمثل بؤرة الشعرية،ومبعث الألم الذي تعانيه،لأنها حافلة بالشحنات المنفعلة،والملتئمة بما هو جوهري وعام.ومن ثم تضفي على جماليات التشكيل الفني دفقاته الشعرية الكثيفة،فتحول الشاعرة شعريتها إلى خطاب اتصالي،وتثير بالتالي انفعالات المتلقي،وتجعله يشارك الشاعرة في فضائها الشعري حين تتفنّن في حسن الإختيار،وجودة التأليف،لتفجّر لغة شعرية عذبة،وومضة شعرية مدهشة.
وفي الختام نقول : القصيدةُ الومضية هي التي تتعدّد فيها الأصوات الشعريّة وتحيل إلى بنية جديدة ونسيج وعلامات وإشارات متعدّدة تنطوي ثناياها على علاقات متنوّعة فيها من الإثارة والإدهاش ما يجعلها تثير المتلقّي وتجذبُ انتباهَه..
وهذا ما قامت به الشاعرة المتميزة-تونسيا وعربيا-فائزة بنمسعود-لذا كانت للصورة أهمية استثنائية في نصوصها الومضية لأنها تُلتقط في لحظة انبهار ضوئيّ يكشف جزئيات،وحساسيات ذهنية في غاية الحدة.
قصيدة الومضة أو الأدب الوجيز لدى الشاعرة والأديبة فائزة بنمسعود هي مجموعة من الضربات أو النقرات تشبه ضربة الفرشاة أو نقرة طائر أو عزف،كل ضربة ترسم لك لوحة ستجدها متنافرة مع اللوحات الأخرى ما لم تجد مفتاح الربط بين عناصرها..
وفي مقاربة لمدى التفاعل الأجناسي لدى فائزة بنمسعود تجد فارقا ضوئيا دقيقا بين الومضة والقصة القصيرة جدا..
وإذن؟
نحن إذا،أمام شاعرة مثقفة،واعية،ومدركة لماهية الشعر،هي مجددة في الصور،ولها بصمة خاصة تميزها عن سواها،بالإضافة إلى تناول الموضوعات بإنسانية،إذ جعلت شعرها يصل إلى قلب المتلقي،ولقد نجحت فائزة بنمسعود في الوصول إلى الجمهور،لأنها مست مشاعره، وتحدثت في العديد من قصائدها بلسانه..
إننا نبارك ونثمن هذا العمل المدهش،وهو إضافة جادة ومفيدة وثرية للمكتبة التونسية والعربية،وللشعر والشعراء المعاصرين و للأجيال القادمة في موكب الآتي الجليل.
هذه إطلالة سريعة على أدبها وسأحاول أن أكمل قراءاتي حول نصوصها في المدى المنظور..
لها مني باقة من التحايا..مفعَمَة بعطر الكلمات..
محمد المحسن

الأحد، 9 يوليو 2023

للتي راودها الشك في حبّي لها أقول: بقلم الشاعر فتحي بالسعيدي تونس

 للتي راودها الشك في حبّي لها

أقول:
لسّه بحبّك زي الأوّل
عمري ما فكّر يوم أنساك
كل العالم لو يتحوّل
حفضل عايش وأنا بهواك
إنت عيوني اللّي بشوف بيها
ظلّي فكل خطوة أمشيها
دقّة ڨلبي بتحسّيها
روحي بتتنفّس هواك
من غيرك إنت مقدرش أعيش
ڨمر في ليلي ما ينطفيش
جمال ورقّة زيّك ما فيش
هدية من الله... ملاك
بڨول يا ربّ يخلّيك ليا
لآخر لحظة في الدنيا ديا
ثانية تغيبي عن عينيا
بْحَرِّ شوڨي بستنّاك
لسّه بحبّك زي الأوّل
وعمري ما فكّر يوم أنساك
فتحي بالسعيدي تونس
Toutes les réactions :
فارس محمد, أحلام بن حورية et 11 autres personnes

إعتراف بقلم الشاعر فتحي بالسعيدي / تونس

 إعتراف

كل مرّة أشوفك فيها
عمري يبدأ من جديد
والحياه بحسّ بيها
أحلى بوجودك أكيد
ما تڨلّيش إنّي بحبّك
بس واضح من عينيك
هي اللّي بتحكيلي عنّك
وهي اللّي بتشهد عليك
أشوف الدنيا شكل تاني
وڨلبي فرحان وسعيد
الأرض تبقى مش سيعاني
طايرة فوق عالم بعيد
خلّيك معايا ما تسبنيش
وخلّي كل أيامي عيد
غيرك في الدنيا ماليش
إنت يا حبّي الوحيد
كل مرّة أشوفك فيها
عمري يبدأ من جديد
والحياه بحسّ بيها
أحلى بوجودك أكيد
فتحي بالسعيدي / تونس

سألت البائع بقلم الشاعر عبدالله النجار

 سألت البائع

عن بعض الأشياء
قال مد يدك
وخذ ما تشاء
فنحن العرب
والعربي موصوف
بالكرم والسخاء
اعتذرت منه
وقلت لا تستهزئ بي
وداعا زمن النبلاء
يا صاحبي أنت تهزي
إن كنت تتعاطى
مخدرا فتوقف
وضع على وجهك
بعض الماء
أنسيت بأنك لست
من الأثرياء
أراك تجاوزت الحقيقة
وتعيش خيال البلهاء
خيال يجعلك تترنح
وتعض أصابعك
إن تقاسمت البزلاء
أعرف بأنها حيلة
فما يقال عنهم الأوفياء
أكلو طعام الضعفاء
فالجوع مصنف
قبل البلاء
لاتستاء مني
إن صفعتك
وتراجعت للوراء
فسعادتي لم تعد تخلو
من شريط دواء
//عبدالله النجار
Peut être une image de fruit