!!،،ثقافة المواطنة،،!!
بقلمى : د/علوى القاضى.
... كنت حينما أشاهد التلفاز وأرى أطفالا شردوا من أوطانهم ليسكنوا في خيام لاتحميهم من برد الشتاء القارص ولا زمهرير شمس الصيف الحارقة ، كان ينتابنى شعور وكأنهم ينتظرون عمر لينصرهم وينتصر لهم ،،، ياالله !!
... كنت أخجل أن أشكو إلى الله شدة البرد وأنا لدي منزلاً يأويني وأملك غطاءا يدفئني وهناك من تتجمد أطرافه من الصقيع ويرتجف برداً ويفترش الأرض ويلتحف السماء
... كنت أدعوا لهم الله ،، ؛ اللهمَّ أنزل دفئك ورحمتك على كل إنسان لا وطن ولا سكن له في هذا البرد ؛ حماكم الله ياصغارى
... سئل الفيلسوف جان جاك روسو ما هو ( الوطن ) فأجاب بكلمات تكتب بماء الذهب : الوطن هو المكان الذي لا يبلغ فيه مواطن من الثراء ما يجعله قادرا على شراء مواطن آخر
... ولا يبلغ فيه مواطن من الفقر ما يجعله مضطرا أن يبيع نفسه أو كرامته أو يخون وطنه
... الوطن هو رغيف الخبز والسقف والشعور بالإنتماء والدفء والإحساس بالكرامة
... ليس الوطن أرضًا فقط ، ولكنه الأرض والحق معًا ، فإن سلبت منك الأرض وأصبحت معهم فليكن الحق معك
... الوطن هو الذى يعيش فينا وليس فقط نعيش فيه
... الوطن هو المكان حيث يكون المرء في أمن وأمان وخير وسلام
... فإن إفتقد المواطن تلك الإحداثيات فلا وطن له وهذا ماتنبأ به ابن خلدون رائد علم الإجتماع العربي
... فقد كتب في مقدمته الشهيرة :
... عندما تكثر الجباية تشرف الأوطان على الإنهيار وتكون النهاية
... وعندما تنهار الأوطان يكثر :
. . المنجمون ، والمتسولون والمنافقون ، والمدّعون ، والكتبة ، والقوّالون ، والمغنون النشاز ، والشعراء النظّامون والمتصعلكون ، وضاربو المندل ، وقارعو الطبول ، والمتفيهقون ( أدعياء المعرفة ) ، وقارئو الكفّ والطالع والنازل ، والمتسيّسون ، والمدّاحون ، والهجّاؤون ، وعابرو السبيل والإنتهازيون
... عندما تنهار الأوطان تتكشف الأقنعة ، ويختلط ما لايختلط ، ويضيع التقدير ، ويسوء التدبير ، وتختلط المعاني والكلام ، ويختلط الصدق بالكذب والجهاد بالقتل
... عندما تنهار الأوطان يسود الرعب ، ويلوذ الناس بالطوائف ، وتظهر العجائب ، وتعم الإشاعة ، ويتحول الصديق إلى عدو ، والعدو الى صديق ، ويعلو صوت الباطل ، ويخفق صوت الحق ، وتظهر على السطح وجوه مريبة ، وتختفي وجوه مؤنسة ، وتشح الأحلام ، ويموت الأمل ، وتزداد غربة العاقل ، وتضيع ملامح الوجوه ، ويصبح الإنتماء الى القبيلة أشد التصاقا ، وإلى الأوطان ضربا من ضروب الهذيان
... عندما تنهار الأوطان يضيع صوت الحكماء في ضجيج الخطباء ، والمزايدات على الإنتماء ، ومفهوم القومية والوطنية والعقيدة وأصول الدين ، ويتقاذف أهل البيت الواحد التهم بالعمالة والخيانة
... وتسري الشائعات عن هروب كبير ، وتحاك الدسائس والمؤامرات ، وتكثر النصائح من القاصي والداني ، وتطرح المبادرات من القريب والبعيد ، ويتدبر المقتدر أمر رحيله والغني أمر ثروته ، ويصبح الكل في حالة تأهب وانتظار ، ويتحول الوضع إلى مشروعات مهاجرين
... ويتحول الوطن إلى محطة سفر ، والمراتع التي نعيش فيها إلى حقائب ، والبيوت إلى ذكريات ، والذكريات إلى حكايات ) ،، إنتهى كلامه ،،
... رحم الله بن خلدون وكأنه كان يقرأ فى كتاب المستقبل وكأنه يعيش معنا
... اللهم ارفع الغمة عن الأمة
... تحياتى ...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق