الأربعاء، 23 أغسطس 2023

لعبة الحُروف.. بقلم الكاتب منير الصّويدي

 لعبة الحُروف..

***

في روضة السّنافر نثرت المعلّمة الحروف الأبجديّة أمام أبنائها اليافعين من قسم العصافير.. ودعتهم إلى جمعها بعد أن طلبت منهم أن يتنافسوا في تكوين كلمات عربية ذات معنى. 

وبعد هياط ومياط شرعت في الاستماع إليهم وتقدّموا تباعا لوضع الحروف في السلّة المخصّصة لذلك وسماع الكلمات التي كوّنها كلّ واحد منهم..

فكانت المحاولات مبهرة وابتهجت المعلمة كثيرا بما سمعته من مفردات وشروح جعلتها سعيدة بما حصّلَه عصافيرها من معَارف..

وقد لفَت انتباهها تلكّؤ العصفور ياسين وتردّده في الإجابة عن المطلوب.. فنادته بصوتها العذب:

ياسين ! شاركنا الإجابة.. 

احمرّت وجنتاه وتلعثم: آنستي لم يترك لي أصدقائي سوى حرفين لا معنى لهما..

تعجّبت من الأمر وقالت له مستفسرة: وما هما هذان الحرفان يا ياسين؟..

- الهمزة والميم يا آنستي..

- الهمزة والميم؟!..

- نعم .. وإنّي لا أقدر على تكوين أي كلمة منهما.. 

- لماذا يا بنيّ ؟.. اجمعهما دون تعقيد وستفيض منهما معاني البذل والحبّ والعطاء.. اجمعهما يا بنيّ.. واشتنشق منهما روائح العطر والبخور بل ستشمّ منهما رائحة الجنّة..

تسمّر ياسين أمام معلّمته ثمّ أجهش بالبكاء وانساب يولول: يا سيّدتي تعرفين جيّدا أنّني مهما حاولت.. فلن أفلح.. فأنا لم أرها قطّ.. لأنّها توفّيت يوم ولادتي.. فما أحسست بعدها أبدا بمعنى الأمومة.. ولا شممت مُذ فقدتها ريح الجنّة.. ولا شعُرت مُذ دفنوها بمعاني الحبّ والعطف والحنان.. فكيف لي أن أدرك هذا وذاك وأنا الذي أُلقِيَ بي في ملجأ الأيتام غضّا طريّا.. وتقاذفتني أهوال اليتم في كلّ زمان ومكان..

عذرا سيدتي فليس لهذين الحرفين من معنى في حياتي سوى أنّهما حرفان في عداد الحروف الهجائيّة..

سارعت المعلّمة بإنهاء حوارها مع ياسين وهي تكفكف دمعة حرّى غالبتها فغلبتها وسالت على خدّها النّاعم كحدّ مُديَة الحديد..

تيقّظت من لوعتها ونظرت يمينا وشِمالا إلى عصافيرها.. فإذا بهم قد تحلّقوا حول تِربِهم يُربّتون عليه ويخفّفون من أحزانه على أوتار الشّجن وآهات الوجع..

***

منير الصّويدي 

ذات فيضٍ من المشاعر..


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق