السبت، 17 يونيو 2023

من طفل الحياة إلى طفل المعنى بقلم الأستاذ : شكري بن محمد السلطاني تونس

 من طفل الحياة إلى طفل المعنى

الحياة جسر عبور من عالم المادّة والحسّ والكثائف والفناء إلى عالم الكشف والغيب والبقاء  .
 يعيش الإنسان في الدّنيا فرصته الوحيدة حيث ينمو ويتطوّر ويتحوّل يلاحق الزّمان بسعيه وجهده وحرصه ويحتويه الزّمان لتتأثّر سحنته وبنيته الجسديّة .
إنها مسيرة حياة البشر بكل أطوارها وتنوّعها وتعدّد أوجهها ليمرّ الحيّ الموجود بمراحل حياتيّة متّصلة ببعضها تُبْنى فيها أحلامه وآماله وتعلو أوهامه ويُحقّق فيها ما أستطاع بسعيه وكدحه وقدراته وإمكانياته الذاتيّة والموضوعية المتاحة وحظوظه الدنيويّة وحكمة الأقدار ثمّ يفارق مسرح الحياة بعد حين وإن طال الزمان فلن تدوم رحلته الحياتية إلى ما لا نهاية " فكلّ من عليها فان ".
إن المسألة التي اعتبرها أساسية وهي وجوديّة-أنطولوجية
بالأساس قد يغفل عنها عموم البشر  بتجاهل وسهو وغفلة
هي عمليّة التحوّل التدريجي التّي تعترض ويتعرّض إليها الإنسان ، من طفل الحياة حين كان طفلا  في مرحلة حياته الأوليّة -الإبتدائية حيث البراءة والعفويّة والتلقائيّة والبساطة والفطرة السليمة وحبّ الحياة والإقبال عليها بكل براءة الأطفال مستعملا بنيته الجسديّة الغضّة وعضلاته غير مكتملة النموّ ممارسا انشطته العديدة الحسّ- حركيّة ،حيت يتعلّق ويرتبط بجزئه العلوي الدّماغي-القحفي مستمتعا بأحاسيسه الشعوريّة وخاصة حاسّة الإبصار حيث التشوّف والشوق إلى الحياة والتعرّف على الوجوه والأشياء المحيطة به والتّفكير تدريجيّا فيها وبها .
إنها الطفولة الحالمة التي " ترنو إلى الدّنيا وما فيها بعين باسمة ".
فلا علاقة للطفل حينئذ بجزئه السّفلي حيث جهازه التّناسلي لغياب الغريزة والهرمونات  الجنسيّة وإثارتها وتحفيزها ليبقى على فطرته وبساطته طالما تفكيره منصبّ متّجها صوب اللّعب واللّهو .
" فللّه ما أحلى الطفولة، إنّها حلم الحياة ".
ثم ينتقل الإنسان  بعد ذلك من طفل الحياة في مرحلته الأوليّة إلى مرحلة ثانوية مرحلة النضج والمسؤولية وخوض غمار الحياة ببلواها وبلائها حيث يغادر حمى وظلال مرحلة طفوليّة حالمة لتعلو نفسيته بتطلّعه كشاب يافع إلى مدارات حياتية مفتوحة على العلاقات والتعلّقات والإنتماءات والتوجهّآت زمن يتفاعل فيه جزئيه العلوي الدّماغي-القحفي والسّفلي التّناسلي -التكاثري  ليسير بخطى حثيثة من عالم المبنى إلى عالم المعنى حيث المشاركة في مغزى ومعنى الوجود بكينونته وصيرورته ، إذ أنّ حياته ليست لهو وعبث .
فإن أمكن للإنسان الحفاظ على بساطته وعفويته وتلقائيته وارتباطه وتعلّقه بمعاني الحياة الغير مشوّشة بماديتها وقاذورات الحياة البشرية وقيمها السّقيمة المتعالية على الأخلاق النبيلة حيث صفات التنمّر والغرور والكبرياء والتّعالي والتفاخر والكراهية والحقد والحسد والإحتقار  لينتقل إلى طفل المعنى معافى غير مُبتلى وغير مُثقّل بأعباء الحياة الدنيا وأغلالها فلا يتدثّر ويتّصف بالصفات السلبية البشرية .
إذ رغم مروره إلى مرحلة حياتية موالية فإنه لم يفقد بساطته وعفويته وفطرته السليمة فلم تسلبه العوائق والعقبات والقواطع حقيقته ومعناه فلم تعزل طفل المعنى الكامن في ذاته برحيل طفل الحياة  وإنتهاء زمن الطفولة .
إن تواصل وإتصال طفل الحياة بطفل المعنى لهي من النعم الكبرى لمن أسعفه حظّه السّعيد للحفاظ على أُسّ معناه إذ "من لا أّسّ له ينهدم ومن لا حارس له يضيع " .
فمن براءة  وبساطة وعفوية وتلقائية فطرية غريزية إلى براءة وبساطة وعفوية وتلقائية مكتسبة بدربة وخبرة حياتية وحرفة وإتقان لفن العبوديّة للّه وحده وما التّوفيق حقيقة إلا باللّه سبحانه وتعالى.
 فلا حول ولا قوّة إلاّبالله العلي العظيم.
فيا سعادة من تيسّر سيره من طفل الحياة إلى طفل المعنى ،فطفل الحياة أقرب لمعنى الوجود بما إستودع من فطرة سليمة نقيّة خاليّة من الشوائب والشواغب والشواغل والدواخل وهو بذلك أقرب لربّ الوجود وخالق الكون وبتحوّله بعد ذلك لطفل المعنى يسهل التّواصل مع الحليم المنّان ومع الوجود الأعلى بكل سلاسة ويُسر ودون تكلّف فتتيسّر تبعا لذلك عبوديته لربّه سبحانه وتواصله معه.

الأستاذ : شكري بن محمد السلطاني
تونس

الجمعة 16 جوان 2023

 


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق