العالم يرسم تونس
بقلم سمير مجيد البياتي
أقيم السمبوزيوم العالمي الدورة الخامسة بعنوان: (العالم يرسم تونس) الذي استقبل العديد من
الفنانين التشكيليين من التونسيين والعرب
والأجانب . استقبلتنا الفنانة التشكيلية المؤسسة لهذه التظاهرة السيدة
سلمى بن عايشة ببسمتها المشرقة.
وقد كانت تشرف على كل صغيرة وكبيرة لتجهيز الصالة الكبيرة لتكون ورشة المرسم في فندق المرادي بقمرت.
وكانت الأستاذة منية مهذبي
مصممة الأزياء
ونائبة المديرة، "الداينمو"
التي تتحرك وتنظر إلى كل التفاصيل
وترتب كل شيء وتضعه في مكانه
المناسب، تنسق اللوحات وترتب طاولات الفنانين لوضع المواد الفنية وكل ما يحتاجه الفنان ليبدع في أريحية تامة مع إضافة ( باقة ورد) وهو
ما أوصت به السيدة سلمى بن عايشة – عاشقة
الورد- فأرادت أن تضيف مما تحب لنفسها، تجمل مكان الفنانين المشاركيين.
وقد شارك في هذه الدورة الخامسة
كل من :
تاتيانا– روسيا، آني موزي أكازي – كولديفار، عبد الحق جلاب – الجزائر،
سمير البياتي- العراق، والفنانين التونسيين: الصادق الطويل، وليد شقواي، طارق عبيد ،عبد اللطيف الكوساني ، إيناس
الازرق، محمد الدزيري، حسني بورقيبة، آمال بن حسين، علية التفنوتي، نادية حبيب دالي، رفيقة الدبابي، يسرى حمبلي، نجوى ديماسي،
إيمان العمري، مروى بن عاشور،
فاطمة وامي، مالك سعد الله، رفيق بوسنينة، أحمد زعايبي، أحمد الشلي، آمال زعايبي، يسرى بوميزة.
بتلك الأسماء الآتية من مدن وأوطان مختلفة حاملة
معها تجارب متنوعة اكتملت الورشة بين الفن الواقعي والتجريدي والمعاصرة الحداثوية
.. زينت الأنامل وانطلقت النفوس محلقة في عالمها الفني وخطت خطوطها على لوحات
الكانفس الأبيض وبدأت تتزين بما يجوب في الذات الفنية حتى كشفت أسرارها بتقنيات تشكيلية
متعددة . كنا نصغي إلى أغاني فيروز تارة وإلى بعض المقطوعات الموسيقى العالمية
تارة أخرى وكان الجو فعلا مهيئا للإبداع
والرسم .. وكان عطر الورد وابتسامه الأستاذة سلمى عبق المكان.
سوف نطوف حول بعض التجارب الفنية ونقرؤها..
والحقيقة أنه من المفترض قراءة كل التجارب .. لكننا محكومون بالاختزال والتكثيف.
قبل دخولنا إلى ورشة الرسم استقبلتنا أعمال النحات-
الحداد- محمد الدزيري بهيئتة وملابسة الرومانية وهو يحمل مطرقته الجبارة
وكأننا نرى أمامنا رجلا خارجا من تاريخ الجبابرة الرومان. حيث قدم أعماله الكبيرة
والضخمة التي استلهم جلها من الحضارة القرطاجينية متمثلة في جدارية من الحديد المطروق تمثل آلة البحر، أبعادها
(4,50x3) مترا. وكنت أراها في مخيلتي مثبتة في احدى الحدائق
الكبرى . وعرض أيضًا مجسما نحتيا مدورا لملكة جمال قرطاج، وأفروديت ، وتمثال نصفي
لحنبعل، والعديد من المنحوتات مواضيعها مستوحاة من التراث والتاريخ... إنه رجل
خارج من دفاتر التاريخ بامتياز .
وعند دخولنا إلى فضاء القاعة
وجدنا كل شيء أمامنا منظما مرتبا ومعطرا ونصبت أمامنا "فاترينات" تحمل أنواعا عديدة من أنابيب
الألوان الزيتية وألوان الكريليك وكافة أنواع الفرشي والدهانات المختلفة والأحبار الحديثة ومحامل
بأحجام متنوعة وألواح بمقاسات متعددة كل
هذه الأدوات تم توفيرها من أرقى المنشآت العالمية فمثلا كان هناك متجر كبير يحمل
علامة (Pebeo)..
قدم لنا الأستاذ سامي وصديقتنا الفنانة سلمى
خليف عرضًا فنيًا حول الانسجام اللوني مستعرضة بعض التجارب الفنية المعاصرة وهي
بخلط العديد من الألوان بعضها فوق بعض لتظهر لنا لوحات سحرية فنية .. أنا سميتها ( فن الصدفة): الألوان تشكل
عالمها بفعل النفخ أو التحريك من قبل الفنان فتخرج لنا مشاهد سحرية وتركيبات غريبة
.كان عرضًا شيقًا.
الفنان
الجزائري عبد الحق جلاب:
قدم هذا الفنان ستة لوحات
مختلفة الأحجام وكانت تتمحور حول جمالية الحروفيات وبنائها وتداخلها مكونة جمالية خاصة، ورسم لوحة أخرى
كانت مفرداتها الأشكال الهندسية غير
النظامية أشكال ورموز وتعاويذ رمزية مكثفة كأنها لغة يفهم مفرداتها ويتكلم بها من
خلال التداخل وتوزيع المفردات بشكل رصين كان يرسم بجهد كبير وتواصل وغزارة وابداع
مختلف. فنان هادى في محياه متوقد في داخله. ترك لنا بصمة جميلة ورفقة
طيبة.
الفنان الإفريقي
آني موزي أكازي:
رسم لوحتين فيها من بيئة
غولدفار الشيء الكثير. رسم العائلة: الأم
والأب والولد ببشرتهم السمراء وبتلك الخلفية الصافية التي استعمل فيها الألوان
الحارة الممزوجة بأشعة الشمس المحرقة. وقد ألبس رجاله ونسائه قطعا من ملابسهم
التقليدية ( قطع من القماش المحلي
وثبتها بطريقة اللصق (الكولاج)) فنان كان يرسم مشاهد من حياته ويشاركه الآخرون ذلك
الاحتفال بكل آلفة ومحبة.
الفنانة
الروسية تاتيانا
ترسم لنا مشهدًا لسيدة حاملة الجرة
الفخارية وتقدم الماء وهي
ترتدي زيا تقليديا مخططا وقبعة. إن تلك المرأة العاملة أو سيدة المنزل في المناطق
الريفية .كل شيء فيها تونسي الهوية والملامح . لكن الخط والروح والتلوين نراه موروثا من الفن
التشكيلي الروسي. فعلا فرشاة روسية محافظة خطت تلك الملامح والتعبير
والمحاكاة لعبق الحياة اليومية التونسية. كان
تفاعلا جميلا أفرز لوحة جميلة.
الفنان
العراقي سمير مجيد البياتي
رسم لوحة امرأة تونسية وهي تبتسم ابتسامة مشرقة تحمل الحب والورد ويحيط بها العلم التونسي المرفرف عالياً وحمامة السلام رمزها وديدنها دائمًا، تونس الحرية والإبداع والجمال لأفق أرحب . إنها لوحة تمثل شعار المهرجان (العالم يرسم تونس).
عبد اللطيف
الكوساني
رسم لوحة كبيرة خط فوقها اسم
الدورة وشعارها وأسماء كافة المشاركين الذين أثثوا ذلك المهرجان الدولي سمبوزيوم
الدورة الخامسة. وقدم أيضاً محاضرة قيمة حول طريقة رسم الخطوط وعنونها بـ: (الكوفي اللاتيني وألوان) وقدم
الفنان سميرمجيد البياتي مداخلة بعنوان (الفن يستلهم الحرف). وقد اثرى المحاضرة الكوساني بالصور والشرح الوافي لما تضمنته
دراسته وأبحاثه في مضمار الخط المرسوم للحروف والعلاقة بينهما.
الفنان الصادق
الطويل
رسم لوحة بعنوان: ثنائي تمثل
في الجزء الأول ثلاثة وجوه والجزء الثاني فيها صورة لرجل وامرأة ، وعند وضع
اللوحتين بجانب بعضهما أصبحتا لوحة واحدة ، نشاهد وحدة الربط بالجو العام التي تمثل صفاء الألوان بدرجاتها ما بين الأصفر
المحمر المخفف باللون الأبيض. حيث تنبت من تلك الأرضية ثلاثة وجوه وكأنها أشجار
زرعت في الصحراء وتنوعت تعابيرها وأشكالها . أما أسفل اللوحة فتغير اللون إلى
الأزرق الحاد فرسم صورة لرجلين كأشجار
مزروعة وملونة ، والأرضية رسمت باللون الأزرق وأخذت درجات الأزرق ثم أصبحت
أكثر هدوء حين مزجت باللون الأبيض . كل شيء هادئ نسبي ما عدى تلك الوجوه المشوهة
والغاضبة وهي تطلق صرخاتها وبؤسها ، و لكل وجه تعبيره المختلف عن الآخر فجاءت تلك الوجوه مرسومة بتجريد واختزال واضح
وعدم تحديد معالم الوجه هو المتغير الذي
يبحث عنه الإنسان في نفسه. الفنان رسم المتناقضات وجمع المتضادات لحالة الانسان.
حسن حسني أبو
رقيبة
جميل أن ترسم منازل كثيرة
مختلفة الأشكال متنوعة البناء، قبابها متراصة ومتداخلة . تجمع كل ذلك المشهد
الكبير للمدينة في لوحة صغيرة الحجم نوعا ما .. فكان الفنان يرسم هذا الجزء من
المدينة التي تغفو على ضفاف البحر ، إنها المدينة الحالمة . وكي لا يصيبنا الملل
من درجات اللون الأبيض فقد لون الزقاق
بلون مغاير للبيوت ، كي يعطي جمالية أخرى
وكان لصبر أبو رقيبة وشغفه برسم تلك البيوت التي تختلف في بنائها وألوانها ولكن
تجمعها القباب.. إنه عمل واقعي رائع .
طارق عبيد
رسم وخط عبارة (أنا يا تونس
الجميلة في لج الهوى) مقطع من قصيدة (تونس الجميلة) للشاعر أبو القاسم الشابي فقد خطها الفنان وهو
الأستاذ بالجمالية والبناء الفني ، ورسم الجو العام باللون الأزرق الفاتح الصافي
وقد أحاط العبارة بهلال تشكيلي بارز وهو يحمل العديد من الألوان والحروف المنسجمة
مع إضافة مستطيلين متقاربين وكأنه استمر في بناء معماري أو كأنه انطلاقة ثابتة
ورصينة. إنها تونس بما تحمله من صفاء
وجمال وتاريخ.
إيناس الأزرق
رسمت لوحة (الحالمة)..
ومواضيع الفنانة الدائمة هي المرأة الجالسة بوضعياتها المختلفة وجوها العام دائما
مزخرف بالجليز الملون ودائمًا ما تكون الأزهار احدى مفرداتها ، أما رفيقها الدائم
هو البحر بسكونه وهدوءه . الفنانة ايناس ترسم بطريقة المستشرقين الذين يرسمون كل
شيء بدقة وهي كذلك تخلق لوحتها بكل دقة وحرفة وتنسيق وبناء مدروس . ترسم لنا
السعادة من خلال الجو العام ، والنساء يحملن في دواخلهن من التأمل والأحلام كما في لوحتها هذه.
ايمان العمري
فنانة تعمل في صمت تبني
لوحاتها وكأنها عالم جيولوجي في علم الأرض وهي تضع مادتها من المعاجن باستعمال
السكين مستخدمة تقنيه المكس فهي تحلق بنا ونرى من الأعلى كـ عين
الطائر تأخذنا معها لنطوف تلك الجزر ومشاهد مياه البحر وأعماقه ودرجات الوان البحر
وأغواره. إنها فنانة تحب أن تكون محلقة
كالطائر تكتشف ونكتشف معها عالمها .. وأنا أعتقد أنها ترسم من مخيلتها وليست ترسم
من خرائط العالم الجاهزة ، إنها جزر وبحار لا توجد في أرض الواقع بل في مخيلتها
الحالمة.. الوانها منحوتة ومحفورة في جسد اللوحة، محدودة ومختزلة وصافية.
آمال الزغيبي
رسمت صورة لفتاة وهي ترتدي
الشاشية التونسية وملابسها المعاصرة ، رسمتها بأسلوب حديث ومعاصر وابتكار وجه
متعدد التعبير والتلوين وقد رسمتها بألوان نظيفة مستخدمة المساحات اللونية .. فتاة آمال الشقراء الجميلة انيقة معاصره إنها رؤية جديدة لأسلوب جديد.
عرفنا هذا التطواف الجميل
على بعض الفنانين غير أنهم لم يكتفوا بالرسم على لوحاتهم فقد أبدع الفنانون باقامة ورشات مباشرة لتجارب
تعرض تكنيكهم وتجاربهم ،كنجيب زنايدي، ووليد شقواي وغيرهم .. انها تجربة رائعة مع الفنانة سلمى بن
عايشة كرمت الفنان وبجلته بكل حب وحميمية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق