!!،،ثقافة السن الوسطي،،!!
بقلمى : د/علوى القاضى.
... ذهبت لزيارته وبصعوبة إستطعت الجلوس معه بعد محاولات ومناقشات مع والدته فقد فرض علي أسرته العزلة وعدم الإندماج لا فى مجتمعه ولا فى المجتمع الخارجي فقد أصيب بالإكتئاب الشديد والصعب علاجه رغم أنه طبيب
... صورته إختلفت عما قبل فقد ، إشتعل رأسه شيبا ، وخطت خطوط الشيب بشرته ، وانحنى ظهره ، وتلعثمت كلماته ، وزاغت عينه ، وضعف بصره وسمعه وبطأت حركته ، وتيبست مفاصله
... وبعد إحتساء فنجان القهوة أشارت لى والدته أن أتكلم معه لعله يخرج من هذه الحالة المعقدة ، وكانت المفاجأة حينما حكى لى تجاربه فى الزواج والتى كانت سببا فى إصابته بعقدة نفسية من النساء جميعا حتى أنه كتب على باب حجرته《 عدو النساء 》
... الأمر الذى كاد يودى به إلى مستشفى الأمراض العقلية لولا لطف الله به وبأمه بأن أبقى له القليل من عقله وفكره
... بدأ يحكى لى قصته منذ عشرين عاما قال :
... أنه في أيام الكلية كان يحب زميلته لدرجة الهيام ، وكانت معجبة بحيويته وشبابه ومستواه الدراسى فقد كان متفوقا وكانت تستعين بملخصاته ومذكراته ، آنذاك كانا فى العشرين من عمرهما وكان قوى البنية مفتول العضلات فتيا
... ورغم إعجابها الشديد بشخصه وشبابه لكنها لم تعجب بفقره فقد كان متواضعا إقتصاديا فقد نشأ فى أسرة فقيرة بالكاد توفر له مصروفاته الدراسية
... تكلم معها عن مكنون قلبه وصرح بحبه وهيامه بها وأنه يريد أن يخطبها
... ولكنها إرتأت أنه من الشجاعة غير المحسوبة منه أن يفكر فى ذلك فقد كانت تنظر له نظرة فوقية من أعلى التل ، بل إعتبرت أنه من الوقاحة أيضا أن يفكر فى التقدم لخطبتها من أهلها فهى متطلعة وهناك فجوة كبيرة بين المستويين
... ولما عرض الأمر على والده قال له إن هذا مستحيل أن يعرض نفسه للإحراج مع والدها
... وهكذا قرر أن يعتزل بعد أن تحطم قلبه ، وسهر أيامه ولياليه مابين كتابة الشعر ليواسي به نفسه وبين إحتساء القهوه بشراهه
... آلمته أعصابه ومفاصله خلاف آلام الجوى وجروح الفؤاد
... حاول أن يعد نفسه لحل مشكلة فقره ليحظى بحبيبة قلبه فقضي عشرين عاما من عمره يحاول جمع المال تارة من العمل المصنى وتارة من السفر للخارج
... وبعد أن بلغ الأربعين صار لديّه ما يسمح بأن يطلب يد ( ليلاه ) حبة القلب ، بحث عنها حتى أضناه البحث إلى أن وجدها ولكنها لم تكن على سابق عهدها ، فقد تزوجت وكعادة البنات بعد الزواج والإنجاب صارت تعانى من السمنه المفرطة وآلآم المفاصل وفقدت رونقها وزهوة شبابها ولديها أطفال وتغير طبعها من رقة الشباب إلى قسوة الطباع فقد أصبحت مسؤولة عن خمسة أبناء ووالدهم
... ورغم الصدمة والشرخ النفسى الذى أصابه إلا أنه ظل يحلم بصورتها القديمة ، ورغم أنه صرف نظره عنها إلا أنه وجد فتاة تشبهها تماما فى شبابها ، لها نفس الطباع ونفس اللمسة الرقيقة
... طلب منها أن يتقدم لها ونسى فارق السن فقد تجاوز الأربعين بشهور وهى فى العشرينات
... لكنها نظرت له باستغراب وتأمل وتعجب ، ثم واجهته بحقيقته وقالت له :
* أنت في وضع مادي لا بأس به ، لكن معذرة فقد إشتعل رأسك شيبا وخط الشيب خطوطه فى وجهك ، إنك لو تزوجت في سن العشرين لكانت عندك إبنة في سني !! *
... ثم راحت تثبت له فارق السن والثقافة والتفكير والإهتمامات فسألته عدة أسئلة دارجه بين أقرانها من الشباب :
. . هل تعرف آخر أغنية للمطرب فلان ؟!
.ماذا تعرف عن زواج الممثل فلان؟!
. . ماهى نتيجة آخر مباراة للفريق القومى؟!
. . ما هو آخر فيلم للممثل فلان ؟!
. . ماهى آخر خطوط الموضة ؟!
. . طبعًا لم يجيب وانعقد لسانه ولم ينطق ببنت شفه وأخذ يحدثةنفسه ويقنعها أن :
. . معها حق فهى في العشرينات وهو فى الأربعينات فهو فى ( السن الوسطى ) وما أدراك
. . حيث لم يعد بوسعه الظفر بحبيبة قلبه زميلة الدراسة
. . ولا يريد واحدة أخرى مصابه بالسمنه وخشونة المفاصل
. . وحتى لو قرر الزواج فى هذا السن وبلا حب فلن يتزوج فتاة فقيرة حتى لوجميلة ومتأججة العواطف فهي ليست من طبقته
. . ولن يتزوج فتاة أرستقراطية مدللة تسكن الفلل والكومباوندات وترتاد النوادى فهى أيضا ليست من طبقته
. . ولكنه سوف يتزوج عروسًا من الطبقة الوسطى مثلا إبنة أستاذه مدرس اللغة العربية والدين ، لأنها تؤمن وتعتقد من خلال تربيتها بأن الإرتباط به سيكون تضحية وثمن باهظ لابد من دفعه مقابل أن تظفر ببيت وأطفال ولأن تصير أمًا لأطفال تحمل همهم وهم أبيهم وتلك سنة الحياة
... إقتنعت بكلامه بشدة وودعته وهو مرتاح البال فقد فضفض لى عن مكنون قلبه وأفكاره المكبوتة بداخله والتى ظلت جاثمة على صدره وتؤرقه ليل نهار ، وباح لى بما لم يستطع أن يبوح به لغيرى ، وحمدت الله أننى لم أقع فى هذا الفخ وقد وفقنى الله فى حياتى الإجتماعية ،
وعند توديعه وعدته بأن أسأل عن أستاذنا معلم اللغة العربية والدين إن كان عنده بنات للزواج أم لا وإن لم أجد أسأل عن معلم الفلسفة حتى يأذن الله بفك كربته ولم شمله
... نعم مشكلة أن تكون رجلاً في السن الوسطى مشكلة عويصة فى كل شئ وبالذات فى الزواج
... على رأي المثل 《 كمن رقص على السلم 》
... تحياتى ...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق