الأحد، 18 يونيو 2023

نحن الآباء ، بقلم د. زهيرة بن عيشاوية

  نحن الآباء ،

نطيل رقابنا أعمدة يحط عليها حمام أمانيهم
ننثر قلوبنا فتاتا تقتات عليه عصافير براءتهم
نطيل الصمت حتى يظنوا أننا تمثال نسيته يد الحرب في ساحة مجهولة المنشأ والمعالم ..
نحن الآباء ،
نطلي وجوهنا بإسمنت الصلابة حتى لا تتشقق تحت وطأة همومنا الغزيرة
نضع بلورا على أحداقنا كي لا تتسرب منها دموعنا نهرا
نلف قلوبنا بغشاء محكم الغلق حتى لا يفتضح نزف الوجع من شراييننا
نهديهم الورد خاليا من الأشواك حتى لا تدمى أرواحهم الخضراء الغضة ..
نحترق ،
نصير رمادا يحجب حدة شمس الواقع الحارقة
نذوب حتى نصبح مرهما ضد أشعة المصائب فوق الإحتمال ..
نحن الآباء ،
نرصف ضلوعنا سدا ضد انجراف النوائب
نبني من قسوة الأيام جدارا يستند عليه كتفهم
نحني ظهورنا كي يركبوا فننقذهم من طوفان الخيبات
نعرض صدورنا هدفا واضحا يتلقى عنهم ، بكل دقة، سهام القدر و ضربات الغدر و سطوة الأوجاع ..
نحن الآباء ،
نبني من ملح العرق بيتا ليسكنوا
نصنع من تبخر العمر وسادة ليناموا
نتمدد طريقا آمنا يمشون فيه
نشتعل شموعا تدل عيونهم البريئة على خط الوصول
نطلق أيدينا نحو السماء أشرعة دعاء تقود زوارقهم نحو جزيرة تحقيق الأحلام
و نعدل القلب بوصلة تشير إلى مرفأ النجاة ..
نحن الآباء ،
تمتلئ رؤوسنا بأفكارهم
بمخاوفهم
بأحلامهم
بشكوكهم
بيقينهم
برغبتهم في الهروب من سجن التبعية
والإنعتاق من قضبان الحنان المفرط في القسوة ..
نحن الآباء ،
نعدّل من مشيتنا
و نرفع رقابنا عاليا حتى لا يسقطوا منا في حفر الضياع
نمشي وحيدين في زحمة أناهم ،
نمسك بأيديهم ليصلوا إلى نقطة الإختيار
ويوم الإختبار ،
يسلكون بثبات ، طريقا جديدا
لا يؤدي إلينا أبدا
نواصل طريقنا بظهر مقصوم وقلب اسفنجي
بغلاف صلب و دواخل تنهمر صديدا و رمادا و خيبة و دمارا ...!
نحن الآباء ،
لا ننحني حتى أمام تفتت أكبادنا وانقسام تركة خيباتنا ، نسقط مرة واحدة في محطتنا الأخيرة
ولا نلتفت حتى لنظراتهم النادمة ..
نحن الآباء ،
نتلقى الكدمات من مطارق نكرانهم فنُغرَس كالمسامير في جدب صحرائهم و ننبت واحات تظلل طريقهم نحو الغياب
يصنعون من أشجارنا نعشا مناسبا لعطائنا و يشيعون جنازة العمر إلى قبر الجحود ..
نحن الآباء ،
لا نسرق من حضن الأمهات مكانا لنا
و لا نختلس من بنك المحبة رصيدا لنا
ولا نصرف من محفظة الثرثرة كلاما لنا
نأتي ونمضي ولا أحد يشعر بحضورنا ولا بغيابنا
إلا !
عند اختفاء الظل و سقوط الجدار و ميلان السقف وشح السماء !
نحن الآباء لا يعلمون أننا كنا هنا إلا بعد رحيلنا ..
زهيرة بن عيشاوية
Zouhaira Ben Aichaouia
Peut être une image en noir et blanc de 1 personne, foulard, écharpe et lunettes

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق