الأربعاء، 24 أغسطس 2022

 كتاب صورة المرأة في الأمثال العامية التونسية للكاتب الصحفي التونسي والمفكر محمد المي. بقلم الناقد والكاتب الصحفي محمد المحسن

 كتاب صورة المرأة في الأمثال العامية التونسية للكاتب الصحفي التونسي والمفكر محمد المي.


..من أين انبجس التخلّف،وكيف ولج عتبة ديارنا دون استئذان؟وكيف لنا،والحال هذه معالجته ومن ثم تجاوزه؟..

هذا هو السؤال اللجوج الذي حاول الحداثيون الإجابة عنه بأشكال مختلفة،فقد دعا بعضهم إلى حقوق المواطنة وسلطة تساوي الناس في الحقوق والواجبات،ونقد البعض الاخر"طبائع الإستبداد"وندّد بالإستبداد الديني الذي تفرضه سلطة مستبدة،ودافع محمد عبدة في إنتاج تأويل للنص الديني يركن إلى العقل وحاجات النّاس العملية،كما دعا طه حسين إلى الفصل بين العلم والدين،محدّدا مجالا خاصا لكل منهما دون مرتبة أو امتياز،أعلنت الأسئلة عن مجتمع يجب تغييره،يعاني من الإستبداد السياسي والإنغلاق الديني واضطهاد المرأة وتحريم الحرية الفكرية والتخلّف في مجالات العلم والمعرفة،إلا أنّ هذه المواضيع الإجتماعية الأساسية لا تزال تبحث عن حل لها حتّى اليوم،عن شواغل فكرية صحيحة يحرّر حلّها المجتمع من قيوده المتوارثة..

في هذا السياق يتموضع كتاب محمد المي:صورة المرأة في الأمثال العامية التونسية*،وهو كتاب جسور في مضمونه،إذ يعالج الأمثال العامية التونسية من منطلق فكري ينتصر أساسا للمدرسة"الحدادية"**التي أولت المرأة المكانة التي تستحق ضمن سياقها الطبيعي بإعتبارها طرفا مشاركا للرجل في الوجود والحياة كما أنّها ذات فاعلة داخل المشهد الإجتماعي..

على هذا الأساس يسائل هذا الكاتب/الصحفي الأمثال العامية التي تحطّ من منزلة المرأة وتقصيها عن المشاركة العملية في مختلف شؤون الحياة،وهو يهدف إلى تخطي عتبة القديم/البائد والتأسيس لعقلية متحرّرة ترقى بالذات البشرية إلى مراتب يتساوى فيها الرجل مع المرأة دون تهميش لطرف على حساب الآخر،يدفعه في هذا الأمر انبهار بالتجديد والتطوّر والإصلاح ورفض صارخ لكل ما من شأنه أن "يجعل المرأة مدعاة للرحمة أو مدعاة للإزدراء والنظر إليها نظرة الريبة والشك.(1)مثلما تشير إليه الأمثال التالية:"السعد لا يحرم منه ولية"/"الولية ولية كيف يكون حلق باب دارها ذهب.."/ "البنت إذا كبرت مالها إلا ذكر وإلا القبر".."البنت سلعة الذل".."اللي عنده البنات ،عنده الهم بالحفنات" (2).

يعتمد محمد المي في -هذه القراءة-منهجا تنويريا حداثويا يتناغم في جوهره مع ما ذهب إليه-الحداثيون-من قبله في حثهم الإنسان العربي على التحرّر والإنعتاق رغم أنّ هذه القضايا مازالت تحتفظ براهنيتها حتى اليوم ،إلا أنّه يفرط في انتصاره لتحرّر المرأة دون أن يصوغ جدلية توافق بين المرأة والرجل،ذلك أنّ تحرّر المرأة إنّما هو إشارة إلى تحرّر الرجل والمجتمع ككل،لأنّ المجتمع الذّي يقيّد المرأة يقيّد بدوره الرجل حتّى ولو توهّم غير ذلك ..

والسؤال الذي ينبت على حواشي الواقع أثناء مقاربتنا-لهذا المنجزالفكري المتميّز-:

ما هي القضايا الحداثية التي لا تزال تلهث خلف حلول جوهرية؟

قضايا أربع:المجتمع المدني،الذي يقول ببشر متساويين في الحقوق والواجبات،بمعزل عن المعتقد الديني والإنتماء الفكري والأصول الإثنية،الإصلاح الديني،الذي يعترف بحقوق الإجتهاد وتاريخية النصوص وتطوّر الحاجات الإنسانية،الذي يقرأ القديم على ضوء الجديد،والفصل بين العلم والدين،وهو موضوع مشتق من سابقه،يقرّر العلم الديني فرعا من فروع المعرفة الإنسانية،بعيدا عن دعوى"علم العلوم"أو"فلسفة الفلسفات"التي تحوّل المعارف إلى مراتب والمراتب إلى معارف،أما الأمر الأخير فهو-كما أسلفنا-تحرّر المرأة الذي يتناوله محمد المي في كتابه هذا معتبرا أنّ صورتها في الأمثال العامية التونسية جدّ قاتمة وتنمّ عن احتقار وازدراء لشخصيتها،وهذا الأمر مرده-حسب رؤيته-فساد بعض الأوضاع واهتراء عقليات لا تزال ترسف في قيود الترجرج والإنحطاط مما يستدعي من -أهل الثقافة وحملة الأقلام- بذل المزيد من الجهد في سبيل تحقيق عقلية تنويرية ترقى بالذات البشرية إلى مراتب الإنسانية الفذة.. 

من هذا المنطلق بالذات،تعامل الفكر الحداثي مع: مواضيع:المدرسة،الدين،المرأة،اللغة،الإستبداد،الآخر المستعمِر،وتعامل مثقفون عرب في أزمنة لاحقة،مع هذه المواضيع،وبمعرفة أكثر تقدّما،مع فرق أساسي بين الزمن النهضوي الأوّل والآن:ففي مقابل مجتمع ضعيف اقترن بسلطة سياسية ضعيفة،يوجد اليوم مجتمع عربي ضعيف وسلطة إستبدادية قوية،ولذلك فإنّ الحديث عن أيّة نهضة محتملة،يفرض نقد السلطة كمقدّمة ضرورية لمقاربة أيّ موضوع آخر،ويأمر بإدراج المقولات النهضوية السابقة في خطاب أكثر إشراقا واتساعا وتعقيدا..

كانت غاية الكاتب من خلال –هذا المنجز الفكري- هي مساءلة الأمثال العامية التونسية المتعلقة بالمرأة من منظور نقدي محايد ونزيه يصبو –كما أسلفنا-إلى تحرير المرأة وفك عقالها،دون أن يحمّل أجهزة الدولة مسؤولية القضاء على العقول البالية التي ترفض الإصلاح والتطوّر-على حد تعبيره-بل إن الأمر برمته موكول إلى رجال الفكر والثقافة-ومهندسي الأفكار والأرواح-داعيا إيّاهم إلى سبر أغوار عقلية الجماهير"انطلاقا من تراثها الذي هندس خيالها وشكّل وجدانها"(3) ،وقد نحا-محمد المي-"بمكره الأدبي المعهود "المنحى القائم على حسن استشراف المسالك المحايثة للعملية الإبداعيّة،حتّى يضمن -لكتابه-حسن التلقي وجودة التأتّي..وهذه السياسة الأدبيّة تجعل القارئ عاديا أو غير عادي يسلس القياد ويذعن للنصّ وشروطه القرائية.ولكنّ أمر النصّ آخر..إنّه نصّ الكشف والإنكشاف في ذات الآن.فهو يخترق سجوف الصّمت وبعرّي المستور ويلج بجسارة المسكوت عنه.

وهنا-أختم-:إنّ ضمان كل مشروع يقول بتساوي البشر،حقوقا وواجبا،يحتاج إلى مسيرة شاقة،يقطعها بثبات دعاة الإصلاح والتجديد،وإذا أخفق هذا المشروع،ولم يحقق ما وعد به،وهو محتمل وشديد الإحتمال،فإنّ في دنيويته،التي تبدأ بحقوق الإنسان وتنتهي بها،ما يصلحه ويعيد بناءه على أسس جديدة،قابلة للإصلاح من جديد..


محمد المحسن


الهوامش:

*كتاب أنيق تصميما وإخراجا،صادر عن الشركة التونسية للنشر وتنمية فنون الرسم-سنة2007،ويتضمن 96 صفحة.

**نسبة إلى المفكر الإصلاحي الراحل:الطاهر الحداد(1899-1935)صاحب كتاب"امرأتنا في الشريعة والمجتمع".

1-المي،محمد :صورة المرأة في الأمثال العامية التونسيةص:43.

2- المرجع نفسه:ص42/43../83

3-المرجع نفسه:ص86.

*محمد المي:كاتب تونسي،له اهتمامات بالفكر الإصلاحي في الثلث الأوّل من القرن العشرين ومحاضر في عدة ميادين لها صلة بالشأن الثقافي الراهن.وهو منسق منتدى الفكر التنويري التونسي

عضو بإتحاد الكتّاب التونسيين.

-له العديد من المؤلفات:الحداد وفكر الإختلاف قراءة في وثائق مجهولة-حركة الطليعة الأدبية من خلال رموزها-مسألة المرأة بين قاسم أمين والطاهر الحدّاد-صورة المرأة في الأمثال العامية التونسية..إلخ.





ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق