. نظرة عابرة على نص طعم الغياب
شعر د/ رضا عبد النبى بقلم الناقد شعبان البنا
على الرغم مما كتب عن شعراء العامية ..أقول شعراء بمعني هؤلاء النفر من الشعراء الذين استطاعوا ترسيخ مفهوم فن القول الصادر على ألسنة العامة على هدي من أصول هذا الفن والذى يندرج تحت مسميات عدة أقتصرت هذه المسميات على العرب دون سواهم..تتمحور هذه المسميات تحت مجموعة من العناوين التى شكلت النمط العام لشكل القوالب التى جاء عليها شعر العامية والتي اندرجت تحت:
١/المواليا
٢/ الكان كان
٣/ الدوبييت
٤/ السلسلة
٥/ القوما
٦/ الزجل
٧/ شعر العامية بشكله المتعارف عليه الأن رغم اختلاف أشكاله وتعددها.
وعلى كل حال فأن شعراء العامية كانوا دائما الأ حظا فى كثرة ما أتيح لهم من فرص تجلت فى هذا الكم من العناصر السابق ذكرها على خلاف شعراء الفصحى والذين تم علي حد زعم البعض
سجنهم في قيد القافية والروى والذى حاولوا التخلص منه فأنشأوو مدرسة الشعر الحر فى منتصف القرن التاسع عشر وما خلفته هذه المدرسة من فروع تشكلت فى هذه المسميات الفضفاضة فسمعنا عن أسماء :
الشعر الحر
الشعر المطلق
شعر التفعيلة
قصيدة النثر
وأصبح لكل عنوان من هذه العنوان جمهوره ومؤيديه وشعرائه.
على أننا ونحن لسنا بصدد الحديث عن المفاضلة
بين اسم وأخر فأن الشعر فن يعتمد على الصورة والتعبير وعاء حافظ لمادة الشعر نفسه
أضافة إلى عاطفة الشاعر وهي الألوان الشاعر وريشته التى يرسم بها مشاعرة ويزين من مادتها خياله ويثرى وجدانه...
فإذا تكلمنا عن أغراض الشعر فأننى وقد جنحت إلى غرضه الأسمي وهو شعر الرثاء...والتى منه هذه القصيدة والتى قدمتها الدكتورة الشاعرة / رضا عبد النبي رئيسة نادى الأدب بايتاى البارود
حيث حلت ضيفة منذ أسبوع على نادى الأدب
بكوم حمادة وعلي مسرح نقابة المعلمين قدمت هذه القصيدة فى رثاء جدها ..وقد اختارت العامية وعاء لقصيدتها.(طعم الغياب)
تقول:
مكانش حل أنك تغيب...
وتسيبنى أشحت روحك الخضرة النبية..
وعلى الرغم من لفظ النبية قد حمل صور مختلفة الا أن وقع صدمتها برحيل جدها جعلها تسأل..( مكانش حل أنك تغيب) فهى تخاطب انسان غيبه الموت..(مكانش حل) فهل ياترى هناك حلول بموت الأعزاء..أن الرحيل دائما لا يخلف غير الدموع والأحزان..فلم نر راحلا قد وجد محبيه حل فى رحيله..فلتبحث الشاعرة لها عن حل...
تقول: وتشوف سكاتك سكة سهلة وحل ممكن يختصر حد البعاد.
العتاب عند الشاعر يجوز للحي... أما أذا كان هذا العتاب للميت الذى فارق الحياة فهذا مالم اجد
له أثرا فى ديوان العرب الا فى النذر اليسير..والعرب (الفصحاء) قد اهتموا بفن الرثاء ومهروا فيه . الا أن الحزن المستطيل عند الشاعرة قد عبد له طريقا عبر أسماع الجمهور
تقول:
يانن عيني بلاش عناد..
أن تعلق الشاعرة بجدها وثقتها فى مدى حبه لها
جعلها على غير يقين فى هذا الجد والذى بدأ من خلال القول أنه يمتلك مفتاح النجاة من منيته (بلاش عناد)..
مازالت الشاعرة غير مصدقة أن لكل أجل كتاب
والا فأى عناد يمتلكه الميت بعد أن فارقته الحياة...
لا حظ اللفظ الحزين ...(نن عينى).لتؤكد بحق أن هذا الجد كان ذلك النور الذى تمضى على هداه.
تقول:
وحياة كفوفك لما بتطبطب عليا...
نلاحظ اللفظ الحنون (بتطبطب). لتتخيل معي علاقة الجد بالحفيد..والطبطبة هي الدرجة الأغلى سموا والأدق تعبيرا عن عاطفة الأنسان
تقول:
خلينى أشوفك.
من يوم غيابك والشجر بقى عوده ناشف
والورود حالفين يمين أبدا ما تحمر ف غيابك.
غايب بقالك ييجي عمر وروح وجثة
غايب ونايبك جوا مني حتة حتة.
إلى أن تقول:
طرحت فى قلبي الصبارات
من يوم ما أوضتك ضلمت
واتعلمت ليه القلب تشحت فى ريقك من عيالك
والألفاظ..
ناشف
حالفين يمين
ما تحمر
أوضتك ضلمت
القلل...
هذا الارتباك والهرج ينم عن وقع مصيبة هذا الموت المفجع.. فراحت تجري باللغة خبط عشواء على غير هدى...
تقول:
ازاى يخونك طعم حضنى
وتكتفى بحضن التراب
والا عشان اكمن طينك أشتهى طين الغياب..
أقول لقد نجحت الشاعرة فى توظيف لفظ الطين فى العامية للمرة الأولى ..بعد أن كنا نقصر ورود هذا اللفظ على قصيدة (الطين)
وهو رجوع الإنسان إلى أصله..
تقول :
عاجباك ياخويا النومه دى.!؟
إلى أن تستشرف جدها وهو فى اللحد لتناجيه
بقولها:
مش واجعة راسك سندة الرطوبة !؟
غانياك يا جدى عن سند رجلي!؟
إلى أن تقول:
(عطشانة يا جدى الأرض لعينيك)
فهي تتخيل أن ارض الغيط مشتاقة لعيني جدها وهي تنظر إليه كل صباح تتفاعل معه وتستمد منه حياتها وأسباب وجودها.
تقول:
كان الصفصاف بيشوفك بيجي يضلل مطرح رجليك..
ويغير التوت يطرحلك واحنا ف عز الصيف !
لم تجد الشاعرة بدأ من استدعاء صور :
الصفصاف
التوتة ..تلك المفردات التى تخص حياة الفلاحين ..راحت الشاعرة تنقل الصور المتلاحقة فى بساطة وصدق فلم تدع أن السماء
قد انشقت لموت جدها ؛ وأن الطيور الصادحة قد كفت عن الغناء ...فذكرتنى بشجرة توت كانت لنا وعند موت أبي أردت تصوير ذلك العندليب وهو يقسم الا يعود للغناء عليها مالم ير صاحبها تحتها ظهرا .وهو يقيل تحت ظلها
فلم أتمالك نفسى لحظة أذن وطرحت القلم جانبا وانخرطت فى بكاء طويل..ولم أستطع اكمال القصيدة. وأنا اتذكر ذلك الطائر المخزون على رحيل أبى.
تقول الشاعرة:
محناش قادرين نتعود على انك ضيف
جيت خدت الواجب مننا ومشيت !!
هنا يصل الحزن مداه ويبلغ غايته من قلب الشاعرة المنكوبة.
تقول:
كان لسه ناقصنى علام من كف ايديك
رغم انك حافظ (صورة ) الفاتحة عن ظهر القلب
عمرك ما عرفت ازاي شكل الأعداد..
رغم انك راسك
تحسب كل حصاد الغيط !!
خسرانة يا جدى الحسبة
إلى أن تقول:
نقصانى يا جدى الدنيا وناقصاك
لكن وغلاوتى بلاش تهجر أحلامي
وتتجنى وتغيب ما تجيش.
أنا هجمع كل العصافير
وهلون كل الشجر الناشف
يخضر
وهشغل صوت الست
على الراديو
وهلم ف قطط الشارع
وأحنن قلب القلة على غيابك
وتعالى نقضي. العصرية.
وهسيبك ترجع للتربة
واعدلك طوبتك بأيديا...
أستطيع أن أقول:
مما دفعنى إلى تناول هذه الدفقة الشعرية الملتاعة للشاعرة (رضا عبد النبي) هو لهجتها
المصرية التى تناولت فيها ألفاظا ربما هي قاصرة على المصريين تؤكد ثراء قاموسهم العامي بين جل الشعوب العربية . وهي لغة السهل الممتنع إذا ما توفر لها الشاعر الذى يعيش كيف يقوم بتوظيف اللفظ لخدمة المقصود وبلوغ المراد . وسبر أغوار العاطفة
عند الشاعر. وهذا أمر لا نحفل به كثيرا فى العامية بزعم أن العامية ما هي إلا ذلك الجسر الموصل للشاطئ الأخر بغض النظر عن الكيفية التى تم بها هذا الوصول..
وعلى كل حال فإنني قد تركت فى هذا النص بعض النوافذ المفتوحة لوعى القارئ واعطائه فرصة التدقيق فيه بعيدا عن تقعر العرض
أحيانا فى عرض نصوص الشعراء لاسيما الشباب منهم..
والله ولي التوفيق.
.........
شعبان البنا
مصر
...........................................................
. طعم الغياب
شعر د/ رضا عبد النبى
ماكانش حل إنك تغيب
وتسيبني أشحت روحك الخضرة النبية من الخريف
إزاي تسيب قلبي الصبي في البعد عنك يتعصر ؟
وتشوف سكاتك سكة سهلة وحل ممكن يختصر حد البعاد !!
يا نن عيني بلاش عناد
وحياة كفوفك لما بتطبطب عليا
خليني أشوفك حتي مرة ترد روحي
من يوم غيابك والشجر بقي عوده ناشف
والورود حالفين يمين أبداً ما تحمر ف غيابك !
غايب بقالك يجي عمر وروح وجِتّة
غايب ونايبك جوا مني حتّة حتّة
طرحت في قلبي صبارات من يوم ما أوضتك ضلمت
واتعلمت ليه القلل تشحت في ريقك من عيالك ؟
لكنهم سرقاهم الدنيا الجديدة
والتكنولوجيا..
والقلل بالنسبة ليهم شيء رديء
بيخافوا من ريم القلل
وكركبات (التيك واي )علي قلبهم زي العسل !
وطعم الغياب أنا بلمحه لما بمد إديا أغمس من صحونك
فإزاي يخونك طعم حضني وتكتفي بحضن التراب ؟
ولا عشان إكمن طينك يشتهي طين الغياب
عجباك يا أخويا النومة دي ؟
دانت ماكانش النوم بيعرف يغلبك
غير لما راسك تشتهي النوم في حجري
مش واجعة راسك ساندة الطوبة ؟
غنياك يا جدي عن طعم رجلي؟
والله يا جدي البيت من بعدك بقي يبكي عليك علي شكل شقوق !!
وإن زاد الشوق بتنشع روحي ينشع جدر البيت
والشق اللي إنت نسيته فقلبي بشوفه ف أرض الغيط
عطشانة يا جدي الأرض لعينك
رغم إن أبويا تلمي بيروي حنينها
كات لما الأرض يا جدي بتلمح طيفك
تخضر وتطرح من غير مواعيد
كان الصفصاف بيشوفك جي يضلل مطرح رجليك
ويغير التوت يطرحلك وإحنا في عز الصيف
محناش قادرين نتعود علي إنك ضيف
جيت خدت الواجب مننا ومشيت
كان لسه ناقصني علام من كف ايدك
رغم إنك حافظ صورة الفتحة عن ظهر القلب
عمرك ما عرفت ازاي شكل الأعداد
رغم إنك راسك تحسب كل حصاد الغيط
أجدع من أجدع آلةْ حاسبة
خسرانة يا جدي الحِسبة
لو منتش ساكن جوا ف حضن البيت
بقي يجي علينا العيد ناقص تكبيرة
مكسورة يا جدي الروح من بعدك
وانا عارفه إن الارواح ملهاش تجبيرة
من يوم يا حبيبي ما سيبت البيت
رمضان بقي يجي ويمشي ما بنشوفهوش
من إمتي يا جدي بقيت قاسي؟
من إمتي الحزن عرفته معاك ؟
دا أنا كنت بشوف رحمة ربنا في عنيك
وبحس إنك مخلوق علشان تتمسح فيك قطط الشارع
وتسرسب ليهم رحمة مع المية وحنان مع طعم الأكل
من بعدك والله الدنيا فقدت خيرك
حتي العصافير مبقوش بيحنوا عليا
ولا يجو (صباح ومسا )
ولا صوت الست علي الراديو يشبه لغناها وأنا معاك
نقصاني يا جدي الدنيا ونقصاك
لكن وغلاوتي بلاش تهجر أحلامي وتتجنى
وتغيب متجيش
أنا هجمع كل العصافير
وهلون كل الشجر الناشف يخضر
وهشغل صوت الست علي الراديو
وهلم ف قطط الشارع
وأحنن قلب القلة علي غيابك
وتعالي نقضي العصرية
وهسيبك ترجع للتربة
وأعدلك طوبتك بإيديا
رضاعبدالنبي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق