شوبان
"شاعر البيانو الحزين"
تمهيد :
في قصيدة شوبان يستعيد الشاعر محمد الناصر شيخاوي سيرة "شاعر البيانو الحزين" لا بوصفها مجرّد رثاء لموسيقار، بل بوصفها مرثيّة للمنفى الإنساني والاغتراب الوجودي. تتقاطع أنغام شوبان مع صور الأرامل، بائعات الهوى، والثوار الساقطين على أرصفة التاريخ، لتغدو الموسيقى صوتًا للخراب والحنين معًا.
من باريس إلى وارسو، من نهر السين إلى بير لاشيز، يمشي النصّ بخطى جنازة طويلة، حيث القلب في الوطن والجسد في المنفى، وحيث تظل الموسيقى آخر وصايا العابر الشريد.
*
ما الذي يُبكيكَ يا شُوبانْ ؟
الخريفُ في باريس كما الشّتاء
مواسمٌ للأسى والحنينْ
نوارس متعبةٌ
تحطّ على كفوفِكَ الصّغيرة
كلّما هطلَ المطرْ
وحين تذرفُ الدّموعَ أناملُ البيانو الحزينْ
تستردّ الكنائسُ القديمة روحها
وتصحو المقابرُ من سُباتها العميقْ
*
ما الذي يُبكيكَ أكثر
يا شُوبانْ
انكسار بائعات الهوى تحت وقع خُطى الرّصيفِ
أمْ أنينُ الأرامل بعد حربَيْنِ بلونِ الحريقْ ؟!
فوانيسُ باريس المُضيئة كالنّجوم
لا يُمكنُ أن تُضيءَ * ليل الغرباء * (1)
والنّبيذُ الباريسيّ الفاخر لا يُمكِنُ أن يُعيدَ لبولندا
ثُوّارَ الثلاثيناتِ،
رفاقا قُدامى كانوا قد سقطوا
كما أوراق الخريف على الطريقْ
*
بين الفتى البولندي ونهر السّين
قصّة عشق لا تنمحي
تُرى كم عاشق غرق في ليلك الطّويلِ
يا نهر السّينْ ؟
*
غيّرٌ النّهرُ مجراهُ مُذْ رحلتَ
يا شُوبانْ !
* مسيرةُ الجنازةِ * (1)
و
* بالادْ * (2)
آخر الوصايا لعابرٍ شريدْ !
*
َوقبل سويعاتٍ من الرّحيلِ
يعهدُ شوبان لأحبّته المُقرّبين
بوصيّةٍ في مُنتهى الغرابة :
أوصى أن يُقتلعَ قلبه
ليُدفنَ في تُرابِ موطنه الأصيل
بينما تُدفنَ الجُثّةُ في مقبرة
* بير لاشيز * (3)
بباريس
عاصمة الوطن البديل
(1) : مقطوعات موسيقيّة عديدة ومتنوّعة
(2) : اربع مقطوعات من أروع ما ألّف الموسيقار شوبان.
و "بالادْ" Balade كلمة فرنسيّة وتعني
نُزهة و تِجوال
(3) : " بير لاشيز " Père Lachaise
مقبرةُ مشاهير الفنّ والسّياسة في باريس.
محمد الناصر شيخاوي
تونس

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق