السبت، 20 أغسطس 2022

قصة قصيرة- بعنوان: "وفي الهزيمة كالغزال" بقلم: عبدالكريم جماعي/ تونس.

 -قصة قصيرة-


بعنوان: "وفي الهزيمة كالغزال"


(لم يكن ما يعتريه جُبنٌ أو خوفٌ ولا حتى تهيّب أو رهبة بل هو ذعر كامل يصيبه و فزع غريب ينتابه أو قل هو ارتعاب شديد و ارتياب غامض لا يعلم أسبابه..وليس مرد ذلك تلك الحكايات التي لا تنتهي والخرافات التي لا ينفك يسمعها حول الاشباح التي تظهر ليلا فتملأ النفوس المذعورة رعبا أو حول الغيلان التي تسكن في مفاصل ذلك الجبل و شعابه ولا تغادره أبدا..لا..فهو لم يشعر على مدى سنوات صباه بأي خوف منها..لكنّ نقطة ضعفه كانت تتمثل في فصيلة الكلاب بأنواعها لذلك لم يسع طيلة حياته في امتلاك أو تربية أحدها ولو كان جروا صغيرا..فهو ينفر منها نفورا يصل حد الرعب بمجرد سماع نباحها..وقد ولّد لديه حساسية كبيرة تجاه تلك الحيوانات تحولت بمرور الزمن الى شيء يشبه "الفوبيا" لكنها فوبيا مروّعة..لازمته الى الآن لذلك فهو يخشى هذه الفصيلة وما كان على شاكلتها من الكائنات..وهو يتذكر مليا تلك الحادثة في طفولته البعيدة والتي كانت نقطة البداية لهذا الكره الذي يحمله تجاه هذا الحيوان الأليف..

ففي احدى ليالي الصيف التي غاب فيها القمر في ذلك الريف البعيد..كان عائدا رفقة خلانه من تلك الجلسات التي اعتادوها في الدكان القريب..يسيرون الهوينى في المسلك الترابي في اتجاه بيوتهم..يلوكون بقايا لغو وحكايا لا تنتهي أبدا الا عند اقترابهم من المنازل.. فينسحب بعضهم ثم يواصل البقية السير..وكان بيته هو الأبعد منهم لذلك تراه في كل ليلة يحث الخطى وحيدا دون خوف أو وجل بعد أن يفارقه آخرهم..ولم يخطر بباله أبدا أنه سيقع في ورطة كبيرة في احدى المرات..من جراء فصيلة الكلاب التي لم يكن يحبها ولا يكرهها قبل ذلك.. لكنه بعد ذلك أصبح يبغضها ولا يطيقها بل ويتجنبها..!

ليلتها كان برفقته ثلاثة أشخاص هو رابعهم..لما اقتربوا من مكان انفصلاهم..تناهى الى سمعهم صوت غريب لم يعتادوه سابقا..توقفوا للحظات حتى يتبين لهم مصدره..الظلام كان حالكا والهدوء يعم الأرجاء لا يقطعه سوى حفيف أغصان الشجر التي تتمايل مع نسيم الهواء..أنصتوا مليا..تهامسوا فيما بينهم..حدقوا حولهم..بلا فائدة..ثم فجأة تأكدوا بما لا يجعل مجالا للشك وأن ما سمعوه كان صوت احتكاك سلسلة حديدية بالارض..كان كلب الجيران مربوط فيها طيلة الوقت وأغلب الظن انه تمكن من قطعها من وتدها..وبقي يجرها معه..تفرقوا سريعا بحثا عن الحجارة حتى يتمكنوا من ابعاد خطر ذلك الحيوان المنطلق بكل سرعته نحوهم..في تلك الباحة التي هم فيها لم يجدوا شيئا لا حجرا ولا حتى عصا..والأغرب من ذلك لم يستطيعوا حتى معرفة مكان ذلك المسعور..ولا من اي جهة هو قادم..فكل شيء حولهم كان سوادا في سواد..قرروا الهرب بكل قوتهم..أطلقوا سيقانهم للريح..لسوء حظه هو كان ينتعل خفا خفيفا ( شلاكة صبع) و يرتدي قميصا صيفيا طويلا( هركة) مما أعاقه على الجري بسرعة..لما أحس باقتراب الكلب منه حاول تفاديه وذلك بأن قام بالدوران بسرعة حتى يتجنبه..لكنه تعثر في حفرة وسقط على وجهه..تفاجأ وأن ملاحقه أصبح فوق ظهره تماما..و بحركة مباغتة تمكن من ابعاده بمرفقه يده بقوة..نهض واقفا تاركا الخف الذي تمزق في مكانه..واصل ركضه حافيا..وهو يلتفت في كل مرة لكن الكلب أصر على ملاحقته..و فجأة اصطدم بكوم من التراب كان قد نسيه تماما..فوقع على ظهره بعد ان تدحرج في الجانب المقابل لتلك الكومة..في غمضة عين كان الكلب يضع قادمتيه الاماميتين فوق صدره..شعر بأنفاسه و لعابه على وجهه..أغمض عينيه لوهلة ثم بكل قوته أزاحه بعيدا ثم قفز من مكانه..شمر اطراف قميصه الطويل الى فوق..وانطلق جريا كالغزال في اتجاه منزلهم عبر ذلك المسلك المليء بالحسك والاشواك والحجارة..غير آبه بالجروح التي لحقته..و لا بالحيوان الذي يلهث خلفه..ولم يستطع اللحاق به.. فعاد ادراجه خائبا ..وصل هو أخيرا سالما..صعد الى السطح حيث يوجد فراشه..لم يخبر أحدا بما جرى..نام متعبا لكنه استيقظ باكرا..عاد الى مكان الواقعة خلسة لجلب خفه الذي تركه البارحة..حتى لا يفتضح أمره..فالهروب علامة جبن في أعراف الريفيين..!!)


بقلم: عبدالكريم جماعي/ تونس.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق