تراثنا الشعبي بين الحقيقي والزائف
مقال بقلم الأديب المصري/ مدحت ثروت
توارثنا منذ النعومة بعض الأمثال الشعبية التي تحكي خبرات وتجارب، وبعضها ما يرسخ لقيم أخلاقية جميلة، أو ينهي عن افكار خاطئة هدامة كانت تضر بالمجتمع آنذاك، ولكن سطحية التفكير، ورغبة المضللين في وأد تلك الأمثال الشعبية والأقوال الماثورة في قبور الجهل المظلمة دفع بالشفاه التي بلغت والآذان التي سمعت بتحريف تلك الأقوال الطيبة الجميلة لتجعل منها قيما سلبية او تعاليما خاطئة لأجيال جديدة خرجت لتسأل عن ماهية هذه الكلمات وكيف تكون تلك الأقوال مكتوبة بهذا الأسلوب، بل تعدى الأمر ذلك ليصبح عادة جديدة رسخت في أذهان الكثيرين لتشكل علاقاتنا الاجتماعية وعاداتنا الصحية بشكل خاطئ تماما والأمثلة على هذا كثيرة أورد لكم منها اليوم على سبيل المثال وليس الحصر ما يلي:
- " اسأل مجرب ولا تنسَ الطبيب " وقد تحرفت كلمات هذا القول الماثور لتصبح: ولا تسأل طبيب وهذا يدعو لترك الأخذ بأسباب العلم والطب الذي جعله الله سبحانه وتعالى أملا لخدمة البشر وصالحهم، ليذهبوا عنه بسؤال المرضى؛ فكيف لمريض ان يشفي مريض ولكل منهما اسباب علته وسبل الشفاء؟
- " بينهم ما صنع الحدَّاد " الذي تحرف ليصبح مصانع الحداد والفرق واضح جلي في المعنى.
- " أنا كافي غيري شري " وقد تحرفت كلماته لتصبح خيري شري، والمقصود الحقيقي ان يكفي الإنسان غيره شر ما قد يفعل ولا يؤذيهم بشره وليس ان يكفيهم خيره ويكفيهم شره، أي ينصرف عنهم ولا تكن بينه وبينهم مودة ولا رحمة.
- "من علَّمني حرفًا صُنتُ له عهدًا " مش صِرت ولا عبدًا.
- "كتر السلام يجِل المعرفة " أي يجعلها جليلة وهي الكلمة الجميلة التي تحرفت لتصبح: يقل المعرفة، وتقليل المعرفة تدريجيا يجعلها غير موجودة وطبعا لن يكن السلام ابدا سبيلا لإنهاء المحبة والعلاقات الاجتماعية الطيبة.
- " ابعد عن الشر وقنِّ له " والمقصود هو أن تبني بينك وبينه قناة وليس المقصود الغناء للشر، فمن هو العاقل الذي يريد أو يحب الغناء للشر؟ ثم كيف يبتعد الإنسان عن شئ ويغني له؟ كلها أسئلة تبادرت لأذهان اليقظين من شباب هذا الجيل الذين فطنوا لاستحالة وجود هذا المثل على هذا المنحى بتلك الكلمات، لذا وجب علينا التنويه بأن هناك من التراث الشعبي الجميل ما قد يشوبه التزييف من قبل قوافل الجهل التي تريد الزج بنا في هوة التخلف السحيقة، أو تصدير أفكارها عن جهالة مزعومة لتراث ثري لأجداد عظماء؛ فلنحافظ على ما قد ورثناه، ونزيد على ما تعلمناه ثقافة وعلما وإتقان.
مدحت ثروت
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق