الأربعاء، 24 أغسطس 2022

  د. جبار فرحان العكيلي يكتب ( مريم خضراوي .    شاعرة الفاكهة وانتحار الجسد .. تعلن ثورتها...)

 ( مريم خضراوي .

   شاعرة الفاكهة وانتحار الجسد .. تعلن ثورتها...)


كتبها ؛

        د. جبار فرحان العكيلي ( دكتوراه إعلام صحافة 

ورئيس اتحاد الأدباء الشعبيين العرب والعراقيين)

     


            الإبحار في لجة الكتابة ، إبحار محفوف بالمطبات والتهويمات والأحلام ،والإقتراب من ضفاف الشعر إبحار مجاز للجميع ،لكن يتوقف ذلك على من يجيد لغة العوم وتفسير ثورة الأمواج .

الكثير من الذين امتهنوا واحترفوا تجارة الشعر قليل منهم يعرف كيف يطوع حروفه لمفهوم الشعر من حيث التضاد اللغوي والتماهي الجمالي لخليط من الاذواق قد تقترب أو تبتعد هنا وهناك؛ 

بعضهم يكون مجنونا ومهووسا بفن الكتابة،سواء كانت شعرا او سردا ، خلقا او ترميما لبناء سبق ان احتلته جيوش الذواقة . 

هذا الجنون او الهوس الشعري هو من ينتج لنا شعرا يمكن ان يتماشى مع ذائقة المثقف بشكل إيجابي يؤشر ضمن مساحة الشعر الحي ..

وشاعرتنا التونسية ( مريم خضراوي ) شاعرة تمتلك أدوات كتابتها تحت إطار معرفي وقصدي ..

ولجنا تجربتها الشعرية من خلال عدد من القصائد المنشورة على صفحتها ..

في أول خطوة في طريق القراءة ،أمسكنا بخيط الإبهار والإعجاب والتوقف عند تجربة غنية وناضجة لها حدود التثوير الذوقي على مسطحات القراءة العميقة ، كون الشاعرة لم تترك للقارئ فسحة من عبور مجسات أبياتها الشعرية ضمن القصيدة الواحدة لذلك انا أمام تجربة غنية بمفهومها القصدي والمعرفي من خلال صورها الشعرية أو طريقة بناء الجمل الشعرية المرهونة بتشبيهات وتوصيفات ربما يعتقد البعض أنها تتعامل برمزية حادة أو تغريب معين ، لكن حينما تدخل ميدان فروسيتها تكتشف أن في غبار عدوها هناك ذرات من ذهب الخيال . 

وهذا وحده يؤشر للمتصدي للشعر إمكانية الخلق المعرفي وبالأخص الشعر السردي الذي بدأ يحتل مساحة كبيرة من مساحات الشعر الحديث .

وحينما توغلت في الكثير من قصائد شاعرتنا ( مريم ) برزت لنا دلالات شعرية عديدة قد نتوقف عندها ونمر بها وبأهم محطاتها التي يجمع عليها النقاد ..

تجربة أي شاعر محكومة بيئيا بعناصر الخزين الثقافي المتنوع من حيث الرصيد المعرفي الزمنكاوي لقبل وبعد تجربته الحياتية . منطلقا من مفهوم ( التشبيك اللفظي ) لأي نص مكتمل الأبعاد أو لثيمة البيت الشعري منفردا بحيث يدرك الشاعر ماهية هذا التشبيك ومرجعياته اللغوية التاريخية ..

ومريم تدرك ليس بالحفظ الببغائي إنما بسليقة الرصد الثقافي المعرفي حتى أنها تدخل محتوى التشبيه الإطاري لمفهوم الشاعرة وليس لما يؤوله القاريء أو الناقد ..

وبهذا ترمي حجارتها في بركة الناقد ليقرأ دوائر المسطحات المائيةبمعاني ورؤية غير ما ذهبت إليه الشاعرة .

قد نقترب من المفهوم العام لكننا نجد بين سطورها حكايا ذاتية تعمم على ذائقة القاريء ..

تشطير الجملة لدى الشاعرة ليس تزويقا لفظيا إنما هو إدراك ذاتي لتناسق الجمل الشعرية في القصيدة الواحدة .. ومن هذا تنطلق بتناص جميل مع آيات وسور الكتاب المقدس لتصنع منها جملا شعرية دالة ..

وهذا لم يكن مصادفة إنما هي تعني ما تقول ..

لذلك تكررت في أكثر من قصيدة لغة شعرية قرآنية التركيب، وهذا ربما محاولة منها لتأكيد مرجعية العرب لنصوص مقدسة حافلة بالحياة ممنجهة ومن جهة أخرى إضافة هالة قدسية لما أنتجته من أفكار 

حياتية محسوسة ..

* اذا جاء فتح القلب

* قضى لقلبي ألا يمسسه حب غيرك

* فإذا جاء وعد المحبين

* سبحان من أسرى بقلبي .. وعرج إلي بقلبك

* ونحن نحب الحياة .. إذا ما استطعنا إليه سبيلا

* أصدقني من قلبك وتزكى .. قد أفلح من هوى ..

وهنا انتقل لدالة أخرى ذات علامة واضحة فيها استهجان وترغيب وتورية لغوية من خلال تكثيف بعض المفردات ااتي تتعايش معنا بأسلوب يحمل أكثر من معنى للرمز ..فهي قد يراها البعض بأنها شاعرة الفاكهة .بينما انا أراها شاعرة التورية الحياتية الغارقة بأدوات التشبيه التكويني لفصيلة تفاحة حواء، 

فهي تحاول أن تؤكد بأن جميع أنواع الفاكهة هي تمثل تفاحة حواء سواء من وجودها أو من نتائجها الحسية ..

ربما تحاول مريم أن تثأر من ذكورة الشيطان لبراءة حواء في كل الأزمنة ، وقد كانت موفقة جدا في استخدام الفاكهة كأسلحة للثأر...

* نقتسم زيتونة او ليمونة 

* بعد لم يخجل مشمش من شمس 

ولا احمرت خدود رمان

ما حان قطف ولا دنا خوخ

* ما استبحت يوما تين الحب 

ولا لمست تمر بلدنا 

* أتزوج التفاح عطر النار ... وفاكهة النار

* وهذا الزيتون الذي تعصرون 

وشهوة الرمان في غمد قاتله .

إن الشاعرة خضراوي لم تكتف بإشهار أسلحتها تجاه ذكورة الحياة فانتهجت أسلوبا دلاليا آخر ..ألا وهو شطب مجسات الجسد أحد نتوءات الضعف الانثوي بشهوة الجسد اليومية ، فصنعت لخطابها دلالية أخرى أكثر جرأة من فاكهة الشعر ، وكحق مكتسب سواء كان شعرا سرديا أم تكوينا إلاهيا فسيولجيا .. كذلك نجحت في طرحها فاستطاعت أن تؤشر خطوتها ضمن مضمار السباق الذاتي مع الزمن ..

* خذ بقاياك .. واترك لي أذرعا 

طالما تحملت أرق خصر .. تعود أسرك 

* وجهان نحن في شفة السماء 

نسقي ونملأ حلبتنا خمرة الارض 

* كأن العمر في حضنك 

* كل فلسفة تعنيني .. كل تراجيديا .. كل فن ..

ان لم يرسم ضمة سافلة .. وحنانا منحرفا 

* ازرع سجادتك على مصلى صدري 

* سنلتقي معا وتحتمي الشفاه بالشفاء 

* علينا ان نأثم ونحرق تائبين 

ليغتسل العذاب في جسدينا ..علينا أن نكفر معا

* يا فائزا بالشعر تطارح شهوتي

* سأقلق قناعة نهدك 

كل هذه الدلالات نتجت وبكل تاكيد من خلال ثورة الشاعرة التي أمسكت بصولجان تمردها على القوالب الجاهزة في عمق الخيال ..

* انا امرأة لا اخفي ثورتي 

* انا امرأة قررت ان ..

ابيع الضعف بالحرية 

اعيش الجرح واغني للقضية 

استهوتني القراءة فرحت استمتع بالصور الشعرية الباذخة ، فأنا أمام فسحة من قراءة شاملة لتجربة مكتملة الأدوات والعناصر تتمدد على بساط التاريخ وفق إضاءات شعرية محسوبة .. أجمل ما قرأت من الشعر السردي المبني وفق أطر السلاسة اللغوية دون الدخول في ترميزية الاشياء ..

مريم خضراوي صوت شعري محترم ليس ما بين حقيبة الشعر النسوي انما هي صوت شعري خرج من معطف التخصص الى التعميم بين إطار الكتابة الحية التي باتت تشكل علامة شعربة رائعة في وطننا العربي.

استطاعت الشاعرة أن تشكل دوائر ضوئية عبر التمدد الفكري لثيمة البيت الشعري في أهميته لتفعيل القصيدة كبناء فكري ومسؤولية أخلاقية . لم تكن عبثية الخلق إنما يبدو لي أنها تدرك حتى الحرف أن تفعله كمنجز ذوقي على الرغم من نزعتها الثورية الحالمة بالثأر من جسمانية حواء . لم تلعن التفاحة إنما أخذت منها شعارا للتمرد على ذكورية الشعر....

مريم شاعرة ومحطة فسحة للذائقة العربية وبالأخص ديوانها 

( أحاول ان اكتب عن السنابل )

هنيئا لنا بمريم شاعرة مهمة تستحق التفاعل والاختلاف....



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق