دراسة نقدية بقلم الناقد خالد لسود للمجموعة القصية "الصعود إلى الهاوية " للكاتبة منجية حاجي
_ // _
"الصعود إلى الهاوية "
مرآة للواقع التراجيدي
مجموعة الصعود الهاوية " للكتابة منجية حاجي، وإن كانت الأولى في تجربتها الإبداعيّة التي كانت أساسها التّعبير الشّعري على امتداد سنوات فإنها تجربة سرديّة ناضجة حافظت على ميزات القصّ التقليدي وخصائصه القائمة على الاختزال في السّرد والاقتصاد في الحدث مع تكثيف المعنى ولكن مع ميزة أسلوبيّة قلّ أن تجدها في المجاميع القصصيّة ألا وهي كتابة القصة بلغة شعريّة أخّاذة وشفّآفة فيها كثير من الانزياحات والخيال ممّا قد يقرّبها من الكتابة الرّوائيّة التي تمتاز بالتّأمل في سرديّة الواقع. من النّاحية الدّلاليّة امتازت المجموعة بالجرأة في طرح المواضيع التي تمثّل تابوهات اجتماعية يُمنع التطرّق إليها كالخيانات الزّوجيّة وتشغيل البنات الخادمات بما يعنيه من أسرار بيوت فيها ما فيها من استغلال وتحرّش وليس بعيدا عن ذلك ظاهرة التسوّل وخاصّة تسخير بعض النّساء لتلك الأعمال المهنيّة وأفظع منها تشرّد الأطفال وما يعنيه من ألم وحرمان اجتماعي ، والأخطر من ذلك جميعا ظاهرة الاغتصاب بما فيها من فظاعات وبطش بالمرأة.هذه النّوعيّة من المواضيع جعلت أغلب نهايات القصص مأساوية وتكفي عمليّة إحصائيّة بسيطة لنكتشف أن الموت حاضر في خمس قصص بشكل واضح وترميزا في قصص أخرى وهو ما أضفى طابعا تراجيديّا على سرد يحاول أن يطاول الواقع ويتحدّاه بفضحه ومحاربته وبيان قسوة الموت الذي يسطّر أقدار الناس في واقعهم. اذ أنّ محاربة الموت هي بالنّهاية محاربة للزمن تلك القوّة الخارقة التي يقف أمامها الإنسان عاجزا وهذا يعني أن الكاتبة تكتب ضمن فلك التراجيديا الإغريقيّة الكلاسيكية التي تؤكّد أن السّقوط المدوّي للبطل لا يعني نهايته وأن الفشل ليس علامة على تواصل الصّراع لتأكيد وجود الإنسان في الكون سواء كان فاعلا أو منفعلا يسعى لأن يكون فاعلا قدر ما أمكنه التّحدّي. أمّا الصورة المثلى التي يبحث عنها القارئ في الكتابات النّسويّة فهي عادة صورة المرأة لأنّ مثل تلك الكتابات غالبا ما اِتّخذت طابعا ثأريّا يُظهر المرأة في صورة الضّحيّة، المهانة المداسة وتُظهر الرّجل في صورة المتجبّر والوحش الكاسر ينظر إلى المرأة بدونيّة واحتقار، لكنّ النّاظر في هذه المجموعة وبعد استقصاء المعنى في أقاصيصها لا يمكنه أن يصنّف كتابات منجية حاجي ضمن الكتابات النّسويّة لأنّها على ما يبدو تكتب أدبا إنسانيّا بكلّ موضوعيّة وتجرّد دون انحياز ثأري للمرأة بل بموضوعيّة كبيرة وواقعيّة صادقة تنقل الواقع كما هو دون تزييف. والعلامة على ذلك ظهور المرأة في عدّة صور سلبيّة موجودة فعلا في عالم الواقع ولم تختلقها الكاتبة. في إحدى الأقاصيص( صهوة الموت) تظهر صورة المرأة الماكرة تكيد لابن زوجها الذي تدعوه" باللّقيط" وتعمد إلى تسميم أكله للتّخلّص منه. ونقف عند صورة المرأة المجرمة القاتلة في أبشع صورة: صورة أخت تقتل أخاها لتستولي على مال الياناصيب الذي ربحه، وفي مشهد آخر نقف عند صورة المرأة الغادرة (في أقصوصة شوك وشوق ) تتكبّر على من صنع نجاحها ، تغدر به حتى ترفض العودة إليه بعد استثراء في الخارج كان هو السّبب فيه.وفي موقف آخر تظهر صورة المرأة الدّاعرة تورّث عهرها لابنتها التي نراها في آخر القصّة في صورة المرأة المنتقمة تستدرج أبيها للعهر وهو لا يعرفها ثم تقوم بتسميمه وفي أقصوصة " سيدفع الثّمن غاليا" تنتقم فتاة لشرفها بقطع أعناق خمسة شبّان سبق أن اغتصبوها. ومن باب الموضوعيّة والواقعيّة لم تكتفي الكاتبة بهذه الجوانب المظلمة من حياة النّساء بل رسمت صورا إيجابيّة لنساء كنّا ضحايا واقعهنّ الآسن ، إذ ظهرت صورة المرأة المسامحة رغم الخيانات الزّوجيّة المتكرّرة كما في أقصوصة " من الخيانة ما قتل" وفي " أقصوصة "نفسها والكفن" نشهد صورة المرأة الوفيّة المخلصة في حبّها ترافق زوجها في مرضه حتّى آخر نفس في حياته رغم خياناته وغدره وإهمال العيال. أما صورة المرأة الضّحيّة فقد تكرّرت في أكثر من موضع ولكنّها لا تعكس " نسويّة" النّص بقدر ما تظهر واقعيّته لأنّ تلك المعاناة هي جزء لا يمكن إنكاره في أصل واقع متخلّف يسحق المرأة والرّجل على حد سواء .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق