السبت، 9 سبتمبر 2023

انفصال ـــــــــ عبد الغفور مغوار


 انفصال

عندما نظرت إليها، كانت عيناها تعكس قسوة لم أكن أعتقد يومًا أنها قادرة على أن تصير بتلك الصرامة. كانت تلك لحظة الانفصال الأليمة، أدركت خلالها أن الحب الذي امتد لسنوات طويلة قد وصل إلى نهايته. ظللت واقفا هناك، أمام جدران الفواصل التي بدت وكأنها تعكس حالة قلبي المشتتة.
أمسى المكان مليئًا بالحزن الكامن، الأرائك القديمة والأثاث باتت تفتقر إلى الحياة التي كانت تعبر عنها في السابق. الستائر الثقيلة كانت ترتفع ببطء مع حركة الهواء، وكأنها تودع الأمل الذي عاش هنا طويلاً. ضوء الشمس المنخفض بدا لي يتسلل بتكاسل من خلال النافذة، وهو يسلط بشكل شاحب انعكاسه على وجهينا، كأنه يكشف كل شيء بلا رحمة.
- "أكان يجب أن نصل إلى هذه المحطة؟" سألتها بصوت مرتجف.
وقفت هناك بجانب اللوحة المعلقة على الحائط، وكأنها كانت تحاول إخفاء مشاعرها خلف قناع البسمة الهزيلة:
- " ربما لم يبق لدينا خيارات أخرى"، أجابت بصوت مكسور.
تنفست بعمق وحاولت التركيز على ملامح وجهها، ربما لأجد فيها دليلًا على أن كل ما كان يحدث ليس إلا حلما وسينتهي قريبًا.
مضت الدقائق كأنها ساعات، وكل كلمة نطقناها على قلتها حملت وزنًا ثقيلًا من الماضي والحاضر. الحب الذي اجتمعنا عليه، اللحظات السعيدة التي قضيناها معًا، كلها أضحت مجرد ذكريات غرقت في الماضي. وفي الوقت نفسه، كان اليأس يتسلل إلى كلماتنا ويمزجها بالصمت المرير.
- "هل تذكرين عندما كنا نجلس هنا على هذه الأريكة، ونحن نتحدث عن مستقبلنا؟" قلت بصوت هامس، محاولًا استحضار تلك اللحظات التي كانت تجمعنا فيها الأحلام والأماني.
أبدت علامات الحنين من خلال طرف عينيها، ولكنها سرعان ما أغمضت لتهمس بعد ذلك:
- "نعم، أتذكر ذلك، ولكن الأمور تغيرت، ولا يمكننا تجاهل هذا".
كنت أعلم أنها على حق، ولكن لم أكن أقو على تجاهل الألم الذي ملأ قلبي. ربما كان الوقت قد حان لنترك الخلاف ونسلك طريقا جديدة، لأن الانفصال أمر قاس بالنسبة لكلينا. كنت أحاول إقناع نفسي أنه، من يدري، ربما قد يفتح الباب أمام فرص وتجارب تعلم جديدة.
كانت تلك اللحظة عبارة عن صدمة مؤلمة لروحي. تجمدتُ لحظة عندما التقطتُ نظرة من عينيها، عينان كانتا تتلظيان من القسوة والخيبة والانكسار. سيفا حادا أصبحت كلمة "انفصال" يشطر قلبي نصفين، لم أتوقع أبدًا أن هذه العلاقة سيأتي لها يوم تنهار فيه بهذه الطريقة. شعرت بأن الجدران تهاجمني وتضغط على صدري لتخنقني. المكان، الذي كنت أشاركها يومًا ما الأحلام والتطلعات لمستقبل مشرق، غدا وكأنه ينبض بألم الذكريات المنتحرة، يرتعش تحت وطأة وجودنا مختلفين ومتنافرين.
الأثاث الذي كان يعكس مرحلة زمنية سابقة من حياتنا الفرحة والسرور، الأرائك الرائعة التي جلسنا عليها متقاربين في همس وانسجام، الطاولة التي استضفنا عليها ضيوفنا فرحين، كلها أصبحت الآن مجرد قطع بلا روح تشهد على نهاية شيء خلته لن ينتهي أبدًا. وكأن الستائر الثقيلة كانت تودع تلك الأوقات السعيدة بصمت مطبق، ترتفع ببطء لتكشف عن وجهين محطمين. ومع كل شعاع من ضوء الشمس الذي اخترق النافذة، شعرت وكأنه يحدق بروحي، يكشف كل ما يكتنفها من آلام وجراح.
- "ما كنت أتوقع يوما أن تكون نهاية قصتنا انفصالا." قلت بصوت مرتجف.
صار صوتها ينعكس في الهواء كأنه نداء استغاثة. وما كانت تلك اللوحة المعلقة -عبارة عن عشيقين تشابكت أيديهما- على الحائط إلا تعبيرًا عن الحزن الصامت والذي لم نجد لسانًا للبوح به.
- " لم يبق لدينا خيارات أخرى." همهمت بصوت مكسور، كما لو أن كل كلمة خرجت من فمها كانت تراقص سكرة موت.
نظراتنا التقت حيرى، تتقد مرارة، وكأنها تقاسمت الألم في صمت، وكأننا قد أخذ كل واحد منا يمرر رسالة اعتذار للآخر، لأننا سنترك كل شيء وراءنا، بما في ذلك أحلامنا المشتركة.
مرت الدقائق ببطء شديد، تمرغت فيها كل كلمة في الأسى وكأننا كنا نحمل ثقلًا لا يمكن تحمله. الذكريات صارت تلتف حولنا مثل خيوط غزيرة تحاول أن تلتقط أخرى، محاولين في الوقت نفسه الهروب من هذه الحقيقة المؤلمة.
- "هل تذكرين وعودنا بعدم الافتراق عن بعضنا مهما حدث؟" سألت بصوت هامس، حاولت أن أستدعي ذكرى تلك اللحظات التي كانت تضيئ وجهينا بابتسامات مشرقة للضغط عليها علها تحنو.
لم تستطع أن تخفي الحنين في عينيها، لكنها سرعان ما أغلقتهما وهمست بكلمات كالسهام تخترق قلبي:
- "نعم، أتذكر، وعلينا أن ننسى ذلك".
كانت هذه الجملة مثل سحابة داكنة تلوح في الأفق، تشير إلى ما هو قادم بصراخ داخلي لم أكن أستعد له. كانت تلك هي العقدة، اللحظة التي كنت أخشاها، تلك اللحظة التي كان يجب علينا مواجهتها بصدق وبلا رحمة.
لم أدر بأي شكل نطقتها، لكني أحسست ساعتها وكأني يٌستأصل من جسدي عضو دون عملية تخدير:
- " أنت طالق."
اخترقت هذه العبارة كل خلية من دماغي حتى لتعطلت معها حواسي. هوت كموجة عاصفة تتلاشى على شاطئ الواقع المؤلم. لقد تحولت من مجرد كلمة إلى واقع مرير أمام عيوننا. كان الحب الذي جمعنا قد وصل إلى الطريق المسدود، وكل مسار بعده صار يبدو مليئا بالمآسي والتحديات.
أخذ اليأس يتسلل جارفا إلى قلبي، وكنت أدرك أن الزمن قد حان لأدرك حقيقة مؤلمة: قد حلت النهاية لتلك الرواية التي كتبناها معًا.
لما خرجنا من تلك الغرفة المعتمة، تركنا وراءنا لوحة تعبر عن كل شيء ماضٍ ومفقود. توجهنا نحو طريق جديد، مررنا بجدران الفواصل ونظرنا إلى الوراء بألم وندم، ولكن بدواخلنا كانت هناك شرارة من الأمل. قد تكون النهاية حزينة ومؤلمة، ولكنها قد تكون بداية لشيء جديد، لحياة نستطيع فيها تجاوز الأوجاع ونبني جسرا على ركام الذكريات.
عبد الغفور مغوار - المغرب
فاس، في: 08/09/2023

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق