السبت، 22 نوفمبر 2025

تأمّل في وجه الأمّة بقلم الكاتب رشدي الخميري/ جندوبة/ تونس

 تأمّل في وجه الأمّة

هل نلوم أنفسنا أم نلوم العدوّ؟ سؤال يتردّد في أروقة الوجدان العربيّ منذ بدأت هزائمنا، كصوت  تاه في ثنايا ودروب صحاري ووديان الأرض العربيّة ولم ينته لأنّه لم يجد إجابة. إنّنا نوعز هزائمنا في هذا الزّمن إلى سطوة الغرباء على ديارنا وتدخّلهم في كلّ كبيرة وصغيرة تخصّنا، وننسى أن الهزيمة لم تكن متأتّية من الخارج فقط، بل كانت شرارتها الأولى من داخل صدورنا حين خمدت فيها نار الوعي.

كم مرّة علّقنا خيباتنا على مشجب العدوّ؟ كم مرّة رمينا بؤسنا في وجه الغريب، ونحن نعلم علم اليقين -لكنّنا نداري- أنّ الغريب لم ينتصر إلاّ لأنّنا غفلنا، ولم يتقدّم إلاّ لأنّنا سمحنا له؟ نحن الّذين فتحنا له الأبواب باسم التّخاذل او باسم الحياد والعقلانيّة، وسقينا يده بدمائنا ونحن نظنّ أنّنا نحمي أوطاننا أو نتفادى ضربة أخرى.

أين دورنا؟ أين الحميّة الّتي كانت تسري في عروق القبيلة حين تمسّ كرامة واحد منها؟ لقد ذابت الحميّة في دوّامة المصالح الصّغيرة والزّائفة، وتحوّلت قيمنا إلى شعارات ترفع في الخطب على الملإ ثم تدرج أو توارى في المكاتب المظلمة. صار العربيّ غريبا في وطنه وحيث يرفرف علمه، وهو مغترب في شوارع تلهج لغته.

أرهقنا التّبرير، وأرهقتنا الأسطوانة المكسورة: العدوّ غدر، هذه مؤامرة أجنبيّة، ونحن الضّحايا الأبرياء. ولكن هل المؤامرة إلّا تخاذلنا وتقاعسنا؟ هل الغدر إلّا نتيجة سباتنا الطّويل ولامبالاتنا إلّا بمصالحنا الضّيقة؟ إنّ الأمّة الّتي تنتظر من التّاريخ أن ينصفها دون أن تنهض، وتنتظر من الدّعاء في المساجد والكنائس أن يقوم مقام الفعل الإنساني في واقعه، كمن ينتظر من البحر أن يعيد له المركب بعدما غرق بإرادته. او ينتظر من شاة ان تعود حيّة بعد أن تمّ سلخها.

كم نحن بحاجة إلى وقفة صادقة، لا وقفة خطيب في ساحة مكتظّة، بل وقفة ضمير أمام مرآة الحقيقة. متى نكفّ عن تعليق خطايانا على شمعدان العدوّ؟ متى نعترف أنّنا أهملنا بذرة النّهضة حين كانت في أيدينا، ونحن الّذين بدّدنا نهر القوّة في صحراء الفرقة؟

لسنا بلا رجاء، ولكنّ الرّجاء لا يسكن القلوب الكسلى. سيعود للعرب مجدهم حين يكتشفون أنّ النّهضة لا تستجدى من الخارج، بل تستولد من الألم  وتصنع بالأيادي حين يتحوّل إلى وعي. وحين ندرك أن العدوّ الحقيقيّ ليس ذاك الّذي يقف وراء الحدود، بل ذاك الّذي يسكن داخلنا في صورة الكسل، والأنانيّة، واللاّمبالاة.

فيا أبناء العروبة، قبل أن نرفع أكفّنا نحو السّماء للدّعاء، لنسلّط نور الوعي على ذواتنا، فربّ حرب لا تكسب إلّا في ساحات الفكر، وربّ نصر لا يولد إلّا من رحم الاعتراف بالخطأ. وحين نصل إلى لحظة الصّدق مع الذّات عندها فقط، سنجد أنفسنا حاملين وجعنا بأيدينا  وسيوفنا موجّهة إلى أصل الدّاء،  وسيتحوّل وجع الأمّة إلى انبعاث، وستتبدّل الأسئلة إلى إجابات تكتبها الأجيال القادمة بالعزّة والكرامة لا بدموع الخنوع والنّذالة.

رشدي الخميري/ جندوبة/ تونس


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق