الجمعة، 12 أبريل 2024

ليلة القدر بقلم:الباحث التونسي محمد المحسن

 ليلة القدر*..أفضالها وروائع الدعاء فيها

تصدير : ليلة القدر نعمة من الله تعالى على أهل الأرض، وجائزة خص بها عباده،فقد جعلها بألف شهر،وأكرمها بالبركة ونزول القرآن الكريم،وجعل فيها تواصلاً بين أهل السماء من الملائكة،وأهل الأرض من القائمين العابدين،قال تعالى: (تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا...) «سورة القدر: الآية 4»
يتحرى المسلمون ليلة القدر في العشر الأواخر من شهر رمضان بشغف ولهفة، للإكثار من العبادات فيها، والخروج بأكبر حصيلة من الأعمال الحسنة، لما في هذه الليلة من ثواب كبير وفضل عظيم،إذ أكد الله عز وجل في القرآن الكريم على فضل ليلة القدر.
إنها ليلة الفرقان والغفران والتوبة والرحمة والبركة والعتق من النار،وليلة سلام للمؤمنين من كل خوف.إنها ليلة هي أعظم الليالي قدرا ومنزلة عند الخالق جل في علاه.ليلة القدر التي أنزل فيها القرآن من اللوح المحفوظ إلى مكان في سماء الأرض يسمى بيت العزة،ثم من بيت العزة صار ينزل به جبريل على سيدنا رسول الله صلوات ربي وسلامه عليه متفرقا بالقياس للحوادث والمسببات،وأول ما نزل منه كان في غد ليلة القدر خمس آيات من سورة العلق.ولا تحصى فضائل ليلة القدر بدءا بنزول القرآن ووصولا لما جاء فضل قيام تلك الليلة وما فيها من بركة ورحمة ومغفرة وأجر عظيم،وقد وزن ربنا تبارك وتعالى تلك الليلة بألف شهر في ثوابها وفضلها ومكانتها وعظيم وقعها في حياة المؤمنين.
وإن من فضائل شهر رمضان وجوائزه العظام: تضمنه لليلة القدر،وهي ليلة عظيمة القدر، ضاعف الله فيها أجر العمل الصالح لهذه الأمة أضعافا كثيرة.فقد تنزل القرآن في هذه الليلة، بقوله سبحانه وتعالى: {إنا أنزلناه في ليلة القدروما أدراك ما ليلة القدر} [القدر: 1، 2]. وقال الله جل وعلا: {إنا أنزلناه في ليلة مباركة إنا كنا منذرين} [الدخان: 3].
قال الله تعالى: {شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان} [البقرة: 185]، ثم قال تعالى لشان ليلة القدر التي اختصها بإنزال القرآن العظيم فيها: "وما أدراك ما ليلة القدر"؛ فهذا على سبيل التعظيم لها، والتشويق إلى خبرها. ثم قال: "ليلة القدر خير من ألف شهر"؛ فقيامها والعمل فيها خير من قيام ألف شهر من هذا الزمان، وهي أفضل من عبادة كل تلك المدة. وعند قوله تعالى: "تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر"؛ هذا يدل على كثرة الرحمة والبركة فيها، فإن الملائكة ينزلون مع تنزل البركة والرحمة، كما يتنزلون عند تلاوة القرآن،ويحيطون بحلق الذكر، ويضعون أجنحتهم لطالب العلم بصدق تعظيما له. والمقصود بالروح هنا جبريل عليه السلام.
يقول العلامة عبد الحميد ابن باديس :
ليلة القدر تراد للدين لا للدنيا،وكثير من العوام يتمنى لو يعلم ليلة القدر ليطلب بها دنياه فليتب إلى الله من وقع له هذا الخاطر السيء.فإن الله يقول في كتابه العريز: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ}
ولسنا ننكر على من يطلب الدنيا بأسبابها التي جعلها الله تعالى وإنما ننكر على من يكون همه الدنيا دون الآخرة حتى أنه يترصد ليلة القدر ليطلب فيها الدنيا غافلا عن الآخرة.آثار ابن باديس 2/329
فضل ليلة القدر:
تعتبر ليلة القدر هي أهم ليلة في العام بسبب فضلها الكبير،وقد ذكرها الله في كتابه الكريم قائلا "لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ" كدليل واضح على فضل هذه الليلة فتعبد ليلة القدر يساوي تعبد ألف شهر كاملة.
سميت الليلة بهذا الاسم،لأن الله تعالى يقدر فيها الأرزاق والآجال، وحوادث العالم كلها،فيكتب فيها الأحياء والأموات،والناجون والهالكون،والسعداء والأشقياء،والعزيز والذليل،وكل ما أراده الله تعالى في تلك السنة،ثم يدفع ذلك إلى الملائكة لتتمثله، كما قال تعالى: "فيها يفرق كل أمر حكيم". وهو التقدير السنوي،والتقدير الخاص،أما التقدير العام فهو متقدم على خلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة كما صحت بقوله الأحاديث.
قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله: وصفها الله سبحانه بأنها مباركة،لكثرة خيرها وبركتها وفضلها، ومن بركتها أن القرآن أنزل فيها، وهذه الليلة هي في شهر رمضان المبارك ليست في غيره من الأشهر، قال الله تعالى: {شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان} [البقرة: 185]،ثم قال تعالى لشان ليلة القدر التي اختصها بإنزال القرآن العظيم فيها: "وما أدراك ما ليلة القدر"؛ فهذا على سبيل التعظيم لها،والتشويق إلى خبرها. ثم قال: "ليلة القدر خير من ألف شهر"؛ فقيامها والعمل فيها خير من قيام ألف شهر من هذا الزمان، وهي أفضل من عبادة كل تلك المدة. وعند قوله تعالى: "تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر"؛ هذا يدل على كثرة الرحمة والبركة فيها، فإن الملائكة ينزلون مع تنزل البركة والرحمة،كما يتنزلون عند تلاوة القرآن، ويحيطون بحلق الذكر، ويضعون أجنحتهم لطالب العلم بصدق تعظيما له. والمقصود بالروح هنا جبريل عليه السلام.
ويأتي الفضل الكبير لليلة القدر لأنها ليلة نزول القرآن "إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ" ولهذه الليلة مكانة كبيرة جدا حيث قال تعالى "وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ" ويدلّ على ذلك أسلوب الاستفهام عنها؛ للدلالة على تعظيم قَدْرها وتفخيمها.
وقد اتفق جمهور العلماء على فضل ليلة القدر،كما اختار العلماء أن هذه الليلة ليلة تكون في شهر رمضان، وأنها في العشر الأواخر منه، وأما تحديدها في العشر الأواخر فمختلف فيه تبعا لاختلاف الروايات الصحيحة،والأرجح أنها في الليالي الوتر من العشر الأواخر،وأرجى ليلة لها هي ليلة السابع والعشرين.وفضلها عظيم لمن أحياها ،وهي ليلة عامة لجميع المسلمين، وإحياؤها يكون بالصلاة،والقرآن،والذكر،والاستغفار،والدعاء من غروب الشمس إلى طلوع الفجر،وصلاة التراويح في رمضان إحياء لها.
ليلة القدر هي أفضل الليالي،وقد أنزل الله فيها القرآن، وأخبر سبحانه أن قضل ليلة القدر خير من ألف شهر،وأنها مباركة،وأنه يفرق فيها كل أمر حكيم،كما قال سبحانه في أول سورة الدخان: «حم وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ أَمْرًا مِّنْ عِندِنَا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ» (الدخان:1-6).
على سبيل الخاتمة :
سميت بليلة القدر بمعنى “القدر والشرف”، تُكتب فيها المقادير،وهي الليلة التي أنزل الله بها القرآن على خاتم الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد (صلى الله عليه وسلم)، ويترقب أن تصادف في الليالي 21 و23 و25 و27 و29 من شهر رمضان.
وصفها الله عز وجل بأنها ليلة مباركة في قوله تعالى “إنا أنزلناه في ليلة مباركة إنا كنا منذرين”، وأنه يُقضى فيها ما يكون خلال العام “فيها يٌفرق كل أمر حكيم”.
عن فضلها،أخبرنا الله تعالى في اللوح المحفوظ أن “ليلة القدر خير من ألف شهر”، أي ما يعادل نحو 84 عامًا،ومن أدركها فهو ذو حظ عظيم، فكم من سعيد في هذه الدنيا قد نال سعادته بفضل دعائه في هذه الليلة المباركة،التي تعد أفضل الليالي.
يجب الإكثار من أدعية ليلة القدر،وكان أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام،والسلف،يعظمون هذه العشر الأواخر من رمضان ويجتهدون فيها بأنواع الخير.
سألت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها فقالت: يا رسول الله “إن وافقت ليلة القدر فما أقول فيها”، قال: قولي “اللهم إنك عفو تحب العفو فاعفُ عني”.
الرسول علّم السيدة عائشة كيفية الدعاء، فقال لها: يا عائشة عليك بالجوامع والكوامل، قولي “اللهم إني أسألك من الخير كله، عاجله وآجله، ما علمت منه وما لم أعلم، وأعوذ بك من الشر كله، عاجله وآجله،ما علمت منه وما لم أعلم”.
وتابع صلى الله عليه وسلم: اللهم إني أسألك الجنة وما قرب إليها من قول أو عمل، وأعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول أو عمل،اللهم إني أسألك مما سألك منه محمد صلى الله عليه وسلم،وأعوذ بك مما استعاذ منه محمد صلى الله عليه وسلم، اللهم ما قضيت لي من قضاء فاجعل عاقبته لي رشدًا.
في نهاية حديثنا عن فضائل وعظيم قدر ليلة القدر نختم بأبيات شعرية تتناسب وسياق قولنا:
يا رب عبدك قد أتاك وقد أساء وقد هفا
يكفيه منك حياؤه من سوء ما قد أسلفا
حَمَل الذنوب على الذنوب الموبقات وأسرفا
وقد استجار بذيل عفوك من عقابك ملحفا
رب اعف عنه وعافه فلأنت أولى من عفا
محمد المحسن
*سميت الليلة بهذا الاسم؛لأن الله تعالى يُقدّر فيها الأرزاق والآجال،وحوادث العالم كلها، فيكتب فيها الأحياء والأموات،والناجون والهالكون،والسعداء والأشقياء،والعزيز والذليل،وكل ما أراده الله تعالى في تلك السنة، ثم يدفع ذلك إلى الملائكة لتتمثله، كما قال تعالى: “فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ”. وهو التقدير السنوي، والتقدير الخاص، أما التقدير العام فهو متقدم على خلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة كما صحت بقوله الأحاديث.
**ملحوظة : تعرّض -كاتب هذه السطور-إلى محن،شدائد ونوائب خلال السنوات القليلة الماضية،وبمناسبة هذه الليلة المباركة (ليلة القدر) يتوجّه بجزيل الشكر وعميق الإمتنان إلى كل من شدّ أزره ومسح دمعه بمنديل الرحمة..يقول تعالى: « لاَ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاَحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتَغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمً » (النساء: 114).
اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل وصحب سيدنا محمد،صلاة مباركة من قلوب محبة عاشقة لجماله وكماله،وببركة الصلاة عليه،اغفر لنا ما انطوت عليه نفوسنا من قبائح الضمائر،وسواد البصائر،وغطنا برداء سترك الجميل،يوم تبلى السرائر.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق