الخميس، 20 نوفمبر 2025

مدخل لقراءة رواية (تميمة المعبد) للأديبة الشاعرة سلوى محمود الرواية بين الأسطورة والخريطة الزمنية المعاصرة (رؤية نقدية) بقلم الشاعر الناقد / سامي ناصف.

 مدخل لقراءة

رواية (تميمة المعبد) للأديبة الشاعرة  سلوى محمود

الرواية بين الأسطورة والخريطة الزمنية المعاصرة (رؤية نقدية) بقلم الشاعر الناقد / سامي ناصف.

 

مقدمة

(تميمة المعبد)

 الرواية تقرّب القارئ من عالم التاريخ/الأسطورة المصرية بما تحملها من وقائع ومفاهيم من خلال استدعاء شخصيات أو سيرَ، ارتبطت بمواقع أثرية (منها أبيدوس وحياة أم سيتي).

خطّ الرواية والمرجعيات (إيجاز)

حسب التغطيات، الرواية تستلهم سِيَر ووقائع تاريخية، الرواية تبدو متعددة الطبقات زمنياً وسردياً، هي مزج بين التاريخ الأسطوري، والروائي المعاصر

فالأديبة/ سلوى محمود تُقدّم في عملها مقاربة تُعيد فتح سردية الأماكن الأثرية كمساحات حاملة للذاكرة وتشابكات بين هُويات متعددة (مصرية قديمة، مستعمر/مستشرق، محلي معاصر) تحويل شخصية (أم سيتي) أو استحضار أبيدوس إلى محور روائي يعيد طرح سؤال: كيف يُعاد إنتاج التاريخ، الأسطورة عبر عين سردية أنثوية معاصرة؟

 التميمة هنا ليست مجرد حبّ للتاريخ بل محاولة قراءة عابرة للزمن المعاصر، الذي حددته الأديبة (يوم السادس عشر من يناير عام ١٩٠٤)عبر تُراكم ذاكرة المكان المعاصر الذي حددته(المكان حيث من أحياء جنوب لندن ) على ذاكرة الفرد

معتمدة على بروز شخصيات مؤثرة في الخط الدرامي للرواية مثل:الطفلة (باتريشيا) الموصوفة بطفلة البهاء، ووالدها - لويز إيدي -

واعتمدت على توثيق أصل هذه العائلة التي هي محور مهم جدا من محاور الرواية،

وهذا يدل على أن الأديبة أعدّت خريطة ذهنية، وخطوط عريضة، مع رصد أحداث تنامت كالشكل الهرمي، مع مسار بعض الشخصيات النامية داخل الرواية

و القاريء لهذه الرواية يستشف أن الأديبة عكفت على مراجع ومصادر مهمة لتوثق أحداثها، حتى لا تحتوي الرواية الهشاشة

والقارئ سيكتشف أن البداية لرواية (تميمة المعبد) بداية تقليدية كلاسيكية، على غير ما ينتهجه كتاب الرواية المعاصرة جدا.

فعنصر الجذب في مستهل الرواية شحيح وكأن الكاتبة في حالة توجس شديد حيث غابت شهوة الغواية الجاذبة التي تلهب القاريء الذي ظل يتكأ على هذا الشعور، حتى تكشف الرواية عن ساقيها في هذه اللُّجة التوجسية، لتعلن عن ثمار ثرّية تحملها الرواية بعد تجاوز التمهيد، فينعم القاريء بظلال وارفة الإبداع عبر المتعة السردية الشاعرة، وتدافع الحوار ، وتشابك الشخصيات عبر الصراع الذي يمثل العمود الفقري للرواية، وهو أهم عنصر فيها

والصراع الداخلي النفسي عند -ماري - تجاه ادجار، وصراع خارجي من خلال الهجوم عليه من بداية الرواية، إلى أن اشتد الصراع لما رأته -ماري- جالسا أمام المدفأة، فاشتعل صراعها وعلا صوتها، وانتهى المشهد بحضور أهل البيت، ثم انكفأت  على صراعها الداخلي،كي تمهد لنا بشكل منطقي، الخروج من الزمن الحاضر، إلى الزمن القديم، وانتقال ابنتها إلى زمن الفراعين

هنا تشتعل وتتشابك الأحداث

العجيب أن الكاتبة جعلت شخصية غير عاقلة محورا مهما جدا، وهذا يمثل عبقرية لدى الكاتبة-  فهذه الشخصية هي شجرة (البلوط) ثم (القلادة) مع هذا  البعد التاريخي الرمزي، وهو أحد نقاط قوة الرواية

وكأن الكاتبة مهدت وجهزت ذهن القاريء  لتنقله من المعقول، إلى اللامعقول، من خلال استدعاء التاريخ القديم، وتجهيز مكان مسرحي للأحداث والشخصيات، خارج المكان الذي رصد في بداية الرواية (لندن)

هذه النقلة تمت بحرفية شديدة جدا دون خلل، أو فقد حلقة من حلقات الحبكة الروائية، وألبست القاريء ثوب الصدق رُغم البون الشاسع بين الزمن المنطقي الحاضر، إلى الزمن اللامنطقي التي ستنتقل إليه الرواية

وهذه الرواية تحتاج إلى قاريء خاص حقا حاضر الذهن، حتى لا تنقطع في ذهنه خيوط الرواية لتصبح كسلطة العنكبوت، فيقع في براثنها، فتسقط منه الأحداث، لذلك أقول : إن الرواية تحتاج إلى قاريء خاص.

 

... المعجم اللغوي ودوره في الحالة السردية المفعمة بلغة الشعر

١-  البنية السردية والأسلوبية

 القاريء يظهر  له أن الروائية  تستخدم ضفائر سردية، فأسلوب سلوى محمود يوصف غالباً بأنه شاعري/مجازي في لحظات، مع ميل إلى تراكيب لغوية كثيفة وصور بلاغية قوية (هذا متوقع من شاعرة تكتب رواية). مزية هذا الأسلوب: خلق أجواء مهيبة للمكان والزمان؛ مخاطره: احتمال ثقل لغوي أو لحظات تنحو إلى الإنشاء الرمزي أكثر من التطوير الدرامي لشخصيات ثانوية

لكن الأديبة جعلت لغتها الشاعرة في خدمة الخط الدرامي، حيث جعلت من بعض تراكيبها لوحات مرئية تدخلك في عوالم الأحداث

انظر إلى هذا الوصف بلغة مبهرة

كل هذا يتضائل أمام جمال الحديقة فهي مداعاة لفخر لويز، وماري

ففيها الكثير من الأشجار الكبيرة، وما لايحصى من النباتات النادرة، تتوسط تلك الأشجار ،درة تاج الحديقة- وهي شجرة البلوط- مهيبة معمرة، تناطح الزمن، واستوطن المكان، كأنما هي ديدبان صامت، يراقب كل شيء

ومن ذلك كثير جدا

 

.. الشخصيات وبناء الوعي الروائي

الشخصية المحورية منها:  بنتريشت، ووالدها همام، ايمسخ، لويز ، وأبيدوس أو من تمثل «تميمة» المكان تبدو مشحونة بذاكرة مزدوجة — ذاكرة (قديمة) وذاكرة (حالية) — وهذا يعطي الرواية إمكانية تفعيل السؤال عن الانتماء والهوية. مع حضور قوي لشخصيات تاريخية-أسطورية متشابكة مع مناخات عاطفية (قصص غرامية غريبة )

فالشخصيات  أسهمت  في تحريك صراعات معرفية وأخلاقية.

...البعد البحثي الموسوعي والمصداقية التاريخية، اعتمدت الكاتبة على مرجعيتها الثقافية، ومشاهدة بعضا من الآثار الحاضرة في الرواية، وتسليط الضوء على تفاصيل أثرية وتستدعي عمليات بحث وحضوراً موسوعياً — ما يجعلها جذابة لقراء التاريخ والآثار. لكن النقد الموضوعي هنا يسأل: هل تُخدَم هذه  التفاصيل، الدراما الروائية هنا؟

أم العكس؟ في هذا النص، حقق  توازن السرد والبحث  معيار النجاح.

 

هناك نقاط قوة أشارنا إليها منها:

أ-  ثراء صور اللغة، ب- عمق المرجعية التاريخية والأسطورية.

ج- طموح تعاملي مع ذاكرة المكان.

د- وتوظيف عناصر ثقافية غنية ساهمت في ثراء الرواية من عدة زوايا.

 

 وهناك نقاط قد تُنتقد فيها الكاتبة منها:

 أ-احتمال ثقل لغوي أو طغيان الميل الرمزي على بناء حبكة درامية محكمة

ب- خطر التحوّل إلى النصّ إلى رواية  موسوعية أكثر منه رواية فنية في بعض المقاطع

 

سؤال يطرح نفسه:

أين تقف الرواية داخل المشهد الأدبي المعاصر؟

تُمثّل (تميمة المعبد) نمطاً من الرواية العربية المعاصرة التي تزاوج بين الشعرية والبحث التاريخي، عمل - هجين- بين السرد والخطاب الموسوعي.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق