الأحد، 9 نوفمبر 2025

تحايا المساء : يوميات عابر حياة - مراد ساسي

 تحايا المساء : يوميات عابر حياة -  بقلم الأديب مراد ساسي


...أذكر ذاك اليوم القائظ الذي فارقتنا فيه أمي ،قالت لي يومها :

" بني جِدِ ملامحك َ الأخيرة َ في مرايا قلبك ، فلا شيء بعدك َ يشهد ُ أنك َ قد عِشت َ، لا شيء يدل عليك ، فقط كن شاعراً مثلما أنتَ ، صوت َ الحياةِ ...كي لا يخطئ قلبك عشب الطريق ...ليورق التفاح في أكمام قلبك الطفل ..."


فكانت وصيتي بعد ان ذبلت في مرايا العمر ملامح الصوت :

إن لم يتسنى لي العودة حيا ..وعاندت الأقدار ...وانتثرت مسبحة العمر كغمزة عين ...لا تغسلوني بماء ...ولا تنثروا على جسدي العطور اوالزهور ولا حتى البخور ...ولا تذيعوا اسمي في المآذن أو تدقوا أجراس الكنائس ..ولا تقرؤوا آية أو تعويذة على روحي فقط كفنوني بتلك المناديل المزركشة ، مناديل تدس الشوق ، تحتفظ بكل رفة حنين ، تلك التي أهدتني إياها أمي مذ كنت صبيا شقيّا ،حين كان حضنها اعذب من ينابيع الماء الدافئة وضحكتها الخجولة بمذاق حب الرمان ...علها تؤنسني في وحشتي ’ في ظلمة العتمة تحييني ،و تشفع لي رائحة شوقها عند سؤال الملكين كما حدّثوني ..لأحفظ حبها وابتسامتها التي لم تفارق نبض قلبي ولا ذاكرة الروح يوما ...

وعدتها بكل ذلك وأنا على مرمى حجر من سباتها العميق في حفرة الغياب . ثم احملوني مع القوارب المسافرة الى مرافئ الوداع ، القوا بما بقي من جرار الجسد في اعمق تنهيدة البحر، هناك سألتقيها بين مد وجزر لأعانقها ...لتحضنني مرة أخيرة ، ففي صدرها وابتسامة ثغرها حياة أبدية ...بارقة رحمة ..وروح وريحان ..ذاك هو السلام لروحي ..والخلاص من رجفة الخوف وزلزلة الموت ...ربما صرت آمنا كطفل ، كيسوع صغير بين يدي الله ...او كدرويش ذابت الروح صبابة في بحر عشقه ، ربما ابتسم لي من خلف حجابه، فهو سيد الأرواح . وحاديها ...وهو من أزلف الجنة من تحت اقدام الامهات .../ مراد – س



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق