قصيدة مؤثرة للشاعرة الفلسطينية الأستاذة عزيزة بشير تمجد العطاء بلا حدود لبناة الأجيال..
إعترافا بفضله وتضحياته طرزت شاعرتنا الفلسطينية الفذة الأستاذة عزيزة بشير قصيدة مهداة لبناة الأجيال،وحاملي راية المعرفة، والسائرين على درب العطاء بلاء حدود : رجال التربية والتعليم.
هذه القصيدة المدهشة والمؤثرة أهدتها-كما أشرت-شاعرتنا القديرة الأستاذة عزيزة بشير إلى من يحملون في قلوبهم نورًا ينير العقول،وإلى من يهبون أعمارهم وقودا لمستقبل الآخرين،إلى رسل العلم والمعرفة،إلى المعلمين والمعلمات..إلى هؤلاء جميعا ترفع شاعرتنا أسمى آيات التقدير والاحترام.
تابعوا معي هذا الإبداع الشعري ولا تنسوا إهداء تحية إجلال وإكبار لمحاربي الجهل وحاملي راية التنوير :
"أُحيلَ على التّقاعُدِ بعد عُمرٍ طويلٍ في تعليم الأجيال وها هو يودّعهم ويودّعونه بِكلِّ مشاعرِ الألم والوفاء والاعتراف بالجميل!
هذا المعلِّمُ والأحِبّةُ حَوْلَهُ
كُلٌّ يوَدِّعُ والوِداعُ …..………..أليمُ
فَهْوَ الذي أمْضى حياتَهُ مانِحاً
عِلْماً غزيراً لِلجَميعِ ………..يدومُ
طولَ الحياةِ مُؤدِّباً وَمُعلِّماً
وَيُرَبّي أجيالاً ، ……….عليْهِ سَلامُ
كلٌّ يودِّعُ والحَنينُ يشُدُّهُ
حُبُّ المعلِّمِ في القلوبِ، …مُقيمُ
قُلْ للمعلِّمِ : لا تخَفْ فَعُلومُكُم
سَتَظلُّ تاجاً نرتديهِ، …………كَريمُ
حَيِّ المُعلِّمَ وابتَعِدْ عن رسْمهِ
كَيْ لا تدوسَ على الخيالِ،…. نَديمُ
فَهْوَ المُعلِّمُ والرّسولُ بِعِلمِهِ
عِندَ الإلهِ مُقَدَّسٌ ……….وعظيمُ!
عِندَ الشّعوب ِ وعندَ كُلِّ مُعَلَّمٍ
عَصَبُ الحياةِ، مُعلِّمٌ ……..وَحَكيمُ!
عزيزة بشير
في زحمة الحياة وصخبها،يقف المعلم كشجرة باسقة،تمد ظلها الوارف على الجميع،وتغوص جذورها في أعماق الأرض،تبحث عن ينابيع المعرفة لتروي بها عطشى العلم.إنه ليس مجرد ناقل للمعلومات،بل هو مهندس للأرواح،يبني في الصدور عقولا قادرة على التفكير،وفي النفوس قيما تحفظ للإنسان إنسانيته.
لقد أبدعت الشاعرة في تصوير مشهد توديع معلم مُكرّم انتهت مسيرته التعليمية (بسبب التقاعد ). فالشاعرة تستحضر صفات هذا المعلم الفاضل وتؤكد على مكانته السامية في قلوب محبيه وتلاميذه..النبرة مهيبة،مترعة بالاحترام والتقدير، وتسعى لتعزيز قيمة المعلم ودوره الرسالي.
وكعادته الرشيقة استخدمت الشاعرة لغة عربية فصيحة،واضحة ومباشرة،مما أعطاها وقارا وجلالا يتناسب مع موضوعها.
وقد لاحظنا توظيف التكرار كأسلوب إبداعي لتعزيز الفكرة وخلق إيقاع داخلي.فكلمة "المعلم" تتكرر بشكل لافت سبع مرات،وكذلك فعل "يودع" ولفظ "كل"،مما يؤكد على مركزية شخصية المعلم وحجم تضحياته النبيلة.هذا بالإضافة إلى وجود مقابلة ضمنية بين "الوداع الأليم" وذكر ما يبقى من إرث المعلم "علم غزير... يدوم"، "تاجاً نرتديه". هذه المقابلة توازن بين ألم الفراق وخلود العطاء..
كما نلاحظ أيضا استخدام مجازي قوي في البيت السادس: "وابْتَعِدْ عن رَسْمِهِ ** كَيْ لا تَدوسَ على الخَيَالِ النَّدِيم". فالشاعرة تحذر من الاقتراب من "رسم" المعلم أو مكانه الحقيقي حتى لا يتم تدنيس صورته الذهنية الجميلة ("الخيال النديم"). إنها صورة شديدة الرقة والعاطفية،تجسد الحفاظ على الذكرى الطيبة.
يشار إلى أن القصيدة مكتوبة على بحر الطويل،وهو بحر شعري أصيل يُستخدم عادة في الشعر الجاد والملحمي والرثاء،مما يناسب موضوع القصيدة المهيب.
ختاما أؤكد أن القصيدة مفعمة بالإبداع الخلاق،ومترعة بالتطريز الشعري الخلاب،هي قصيدة متماسكة من حيث المبنى والمعنىوشكلا وموضوعا،كما أنها نابضة بالعاطفة الصادقة.وقوتها لا تكمن في التجديد الأسلوبي الصارخ،بل في صدق الشعور ووضوح الرسالة.وقد استخدمت الشاعرة أدوات بلاغية مناسبة لخدمة الفكرة الأساسية،وهي تكريم المعلم وتذكير المجتمع بقيمته التي لا تُقدّر بثمن.ولعل الصورة الأكثر إبداعاً هي تحذير المتلقي من "دوس الخيال النديم"، فهي تلمس وتراً عاطفيا عميقا لدى كل من احتذى بمعلّمٍ عظيم يؤسس لغد مشرق يستظل بظله القادمين في موكب الآتي الجليل.
وخلاصة القول : هذه القصيدة أنشودة مؤثرة تليق بتكريم معلم قدير،تجمع بين رقة الوفاء وجلالة المقام،وتؤكد على الدور المحوري للمعلم في بناء الحضارة الإنسانية.ولكأني بالشاعرة الأستاذة عزيزة بشير تؤكد أن الأمة التي تكرم معلميها،هي أمة تدرك أن طريق نهضتها يبدأ من باب الفصل الدراسي.
لك منا يا شاعرتنا السامقة ( الأستاذة عزيزة بشير) باقة من التحايا تعبق بعطر فلسطين.
محمد المحسن

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق